تأسّست غرفة التحكم المروري في شباط 2010. في البداية كان ظهورها «ملتبساً»، إذ أنها تتبع لمجلس الإنماء والإعمار كما موّلها «البنك الدولي». بعد ثلاثة أعوام أصبحت مؤسسة عامة، تابعة لهيئة إدارة السير، وتحت وصاية وزارة الداخلية والبلديات، بحسب المهندس جان دبغي، مدير الغرفة، الذي شرح لنا مع مديرة هيئة إدارة السير والآليات والمركبات، المهندسة هدى سلّوم، آلية العمل في هذه الغرفة


في الغرفة شاشات كثيرة بأحجام مختلفة. في الطابق الثالث من مبنى هيئة إدارة السير، تقع غرفة «المراقبة والتحكم». خلف الشاشات يجلس مشغّلون يهندسون بـ«حذاقة» فتح طرقات مزدحمة بالسيارات. نحن الآن في غرفة التحكم المروري، حيث لا أحد يمكنه التصديق أن هذه الغرفة الصغيرة فيها زحمة المدينة بأسرها. في الواقع، تغطّي هذه الغرفة 210 من التقاطعات المهمة في بيروت الكبرى، وتعمل الإشارات على «نظام ذكي».

تستشعر «حساسات» عدد السيارات ليعدَّل وقت الإشارة كل خمس دقائق. أحياناً يتدخّل المشغّلون في الغرفة، حين يعجز «الذكاء الاصطناعي» عن القيام بمهامه. حين يزدحم التقاطع من جهاته الأربع، يعدّل المشغّلون مدة الإشارات، وفق حسابات دقيقة، تقضي بفتح السير من الأمام إلى الوراء، من دون أن يؤدّي تدفّق السيارات من جهة إلى إغلاق الطريق في جهة أخرى. يقول مشغّلٌ في الغرفة إنّ «المواطن بعكس غرفة التحكم المروري لا يرى الصورة الكبرى للطرقات بل يرى فقط أنّه عالق في زحمة». وقت الذروة حسب الموظف هو وقت خروج التلاميذ والطلاب عند انتهاء دواماتهم، وهي أوقات يحفظها المشغّلون.

الكاميرات المتصلة بالإشارات تمكّن المشغّلين من إتمام مهامهم. الفيديوهات التي تلتقطها تصل شاشات الغرفة عبر طريقتين: عبر تقنية DSL والتي لا تصل فيها الصورة واضحة، نسبيّاً إلى الطريقة الثانية وهي الأكثر استعمالاً، أي عبر تقنية الألياف الضوئية. تسمح الأخيرة بوصول صورة ذات جودة أفضل. الكاميرات من نوع (pan tilt zoom) PTZ يمكن تحريكها بالاتجاه المطلوب، كما تتيح إمكانية تقريب الصورة لتستطيع حتى التقاط رقم السيارة، حيث ترسل الغرفة أحياناً مخالفات مسجّلة بكاميراتها إلى قوى الأمن الداخلي لتسجّل محاضر فيها. لكن، لا يمكن للمشغّل التلاعب في الإشارات وفق أهوائه، أو إجراء أي تعديل دون العودة للمهندس المشرف، لأن أي تغيير يقوم به مسجل قد يعرضه للمساءلة لاحقاً.
في الغرفة نحو أربعة مشغلين مدنيين فقط. هؤلاء هم الذين يتابعون «الزحمة الرهيبة» في المدينة الضيقة. يتولّون مراقبة إشارات السير والتحكم فيها وفي اللوحات الإرشادية الإلكترونية VMS الموجودة على مداخل بيروت. قد يزداد عددهم، إذ يضاف إليهم أفراد من قوى الأمن الداخلي يراقبون الكاميرات في الغرفة، ويتواصلون مع بقية قطعات قوى الأمن الموجودين على الأرض عند الحاجة. تعمل الغرفة 24 ساعة على مدار السنة، وتكون أكثر الأوقات صعوبة، إلى جانب انتهاء الدوام المدرسي، هي أوقات الزحمة الصباحية، تحديداً في أول الأسبوع. وقد تسوء الأحوال في الطقس الماطر، وفي شهر عيد الميلاد، حيث تكثّف الغرفة جهودها، لتصل إلى الذروة ليلة رأس السنة، حيث تقول المديرة سلّوم إنّ العرف يقضي بوجودها، إلى جانب مدير عام قوى الأمن الداخلي، وأحياناً وزير الداخلية، مع فريق الغرفة وفريق من الدفاع المدني على جهوزية للتواصل مع فريقه عند أي طارئ. ويصل عدد الموجودين إلى 15 شخصاً متأهباً في الغرفة ليلة رأس السنة.

حالات الطوارئ ليست غريبة بالنسبة إلى الغرفة. هذا جزء أساسي من عملها. ما إن ترى حادثاً حتى تبلّغ القوى الأمنيّة عنه. في إحدى المرات طار «ريغار» على زجاج سيارة، ما استدعى الغرفة الاتصال فوراً بوزارة الأشغال. تقول سلّوم إن الغرفة يجب أن تبقى مواكبة لأحدث التكنولوجيا دائماً، حيث يزور فريق الغرفة المعارض المختصّة لاختيار أحدث التقنيات، ولكن الميزانية ضئيلة. والميزانية من أبرز المشاكل التي تعاني منها الغرفة، بالإضافة إلى عدم إمكانيّة وضع كاميرات في بعض المناطق، لـ«أسباب أمنيّة». بدوره، يقول دبغي كلاماً تقليدياً، عن أن الغرفة هدفها تسهيل حركة السير، إعلام وإرشاد المواطنين عن حال الطرقات، والتوعية المرورية عبر حملات كـ «كفانا_بقى». برأيه، «نقص الثقافة المرورية هو أحد أبرز أسباب حوادث السير في لبنان». أما مهندس السلامة المروريّة في الغرفة، جورج حنّا، فيحمّل مسؤولية حوادث السير بالدرجة الأولى «للسائق أوّلاً لجهله الكثير من القوانين أو لانشغاله بالهاتف أو إسراعه، ثمّ المركبة، ثمّ الطريق». وهذا لا يوافق عليه اللبنانيون، وخبراء آخرون أيضاً، يتحدثون عن ضرورة إعادة النظر في كثير من الطرقات اللبنانية. ذلك لا ينفي، أنه يمكن، ومن خلف هذه الشاشات، معاينة المشاهد «العجيبة» في غرفة التحكم المروري. نتحدث عن سائقين يقفون على ممر المشاة الأبيض، ومشاة يمرّون بين السيارات على إشارة حمراء. وهذا يحدث على نحوٍ متواصل، ويعتبره كل من دبغي وحنّا دليلاً على رأيهما «في نقص الثقافة المروريّة لدى المواطن». المشكلة أيضاً تكمن في عدم التشدد في تطبيق قوانين السير في لبنان، وهنا يعقّب دبغي ممازحاً «إنّه هو نفسه يطبق قانون السير في الدول الأجنبية بحذافيره لأنه يعلم أنّ عقوبة القانون هناك تطبّق بجدّيّة».

 


483 قتيلاً في 2017

يصدر عن الغرفة يومياً إحصاء بالاصصدامات المرورية (حوادث السير)، في لبنان خلال الـ 24 ساعة الماضية. حتّى الآن تعدّى عدد القتلى في لبنان جراء حوادث السير الـ483 قتيلاً. وغرفة التحكم فاعلة على موقعي التواصل الاجتماعي فايسبوك وتويتر، فتُعلِم المواطنين عن حال السير وأية حوادث أو أشغال تطرأ على الطرقات، والقيّمون عنها بصدد إنشاء تطبيق على الهواتف الذكية يعلم المواطنين عن حال الطرقات وعن الطوارئ المستجدّة عليها. كذلك، من مهامها متابعة الشكاوى التي تصل إليها عبر الخط الساخن أو وسائل التواصل الاجتماعي، ويحرّر فيها قوى الأمن محاضر تتابَع مع أصحاب الشأن.


صدامات لا حوادث

بحسب كامل ابراهيم، الخبير في إدارة السلامة المروريّة، فإن هناك توجّهاً عالميّاً لاستخدام مصطلح «صدامات مروريّة» بدلاً من «حوادث سير»، وذلك لأنّ الحوادث تشير إلى أنّ ما حصل، صدفة لا يمكن تفاديها؛ أمّا كلمة الصدامات فتدلّ إلى أمر حصل، له مسبّباته ويمكن تفاديه. فكلمة الحوادث فيها تنصّل من المسؤولية الواقعة على مسبّب الصدام.

 

المصدر: صحيفة الأخبار / ريم طراد