في إطار الحرب النفسيّة الشرسة التي يخوضا كيان الاحتلال ضدّ العرب والفلسطينيين، عرضت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيليّ ليلة أمس الثلاثاء فيلمًا وثائقيًا عن الموساد (الاستخبارات الخارجيّة) بهدف تعظيم قوّته، وتعزيز هالة الوقار الذي تُحيطه في العالم بشكلٍ عامٍّ، وفي الوطن العربيّ بشكلٍ خاصٍّ.

مع ذلك، كان لافتًا للغاية أنّ الرقابة العسكريّة في تل أبيب سمحت بعرض الفيلم، الذي شمل مقابلاتٍ عديدةٍ مع قادة ٍ كبار سابقين في هذا الجهاز، والذي تحدّثوا بشفافيّةٍ وصراحةٍ متناهيتين عن أعمال القتل والتصفية، وكشفوا النقاب عن عملياتٍ أخرى، تمّ في اللحظة الأخيرة التراجع عنها، خشيةً من ردود الفعل العالميّة.

رام بن براك، النائب السابق لرئيس الجهاز قال إنّ تسميّة الموساد بفريقٍ من القتلة، يُساهم إلى حدٍّ كبيرٍ في ردع الأعداء عن القيام بأعمالٍ إرهابيّةٍ لأنّ الموساد سيتعقبهم ويقتلهم، وأضاف: إنّ هالة الوقار والخوف من قوّة جهاز الاستخبارات الخارجيّة ساعدت وما زالت تُساعد الموساد في تنفيذ أعماله، رافضًا الإعلان عن تحمّل إسرائيل المسؤولية عن اغتيال القياديّ في حماس، محمود المبحوح في أبو ظبي.

وفي معرض ردّه على سؤال مُعّد الفيلم فيما إذا كانت المعلومات بأنّ الكاميرات التي التقطت عملاء الـ”جهاز″ الذي اغتال المبحوح هي من صنعٍ إسرائيليٍّ، ضحك وردّ بالقول إنّه خبرًا مُفرحًا ومُبهجًا.

مُحاولة اغتيال عرفات: رافي إيتان، الذي كان مسؤولاً عن القسم الأوروبيّ في الموساد، والذي اعترف بمُساعدة المغاربة بقتل المُعارض المهدي بن بركة، كشف النقاب عن أنّه في أواخر الستينيات من القرن الماضي، اقترح على قادة الموساد اغتيال عرفات، مُشدّدًا على أنّ قادة الموساد وافقوا على الاقتراح، ولكنّ المُستوى السياسيّ رفض المُصادقة على الخطّة التي وُضعت.

وتابع إيتان قائلاً إنّه لم تمّت تصفية “رأس الأفعى” في ذلك الحين، لكانت إسرائيل انفصلت عن الفلسطينيين، وانتهى الصراع بين الطرفين، مُشدّدًا على أنّه اليوم لا يؤمن لحلّ الدولتين. كما كشف النقاب عن أنّه خلال الاجتياح الإسرائيليّ للبنان في العام 1982 وضع وزير الأمن آنذاك خطّةً كاملة ومًتكاملة لاغتيال عرفات، إلّا أنّ الخطّة، التي تمّ إعدادها من قبل الموساد، لم تخرج إلى حيّز التنفيذ، دون أنْ يُفصح عن الأسباب التي أدّت لذلك. وفي معرض ردّه على سؤالٍ قال إنّه لم يشعر أبدًا بالندم لقيامه شخصيًا بقتلٍ عددٍ كبيرٍ من العرب، بحسب تعبيره، ولكنّه ختم قائلاً: قتل عرفات كان سيُغيّر مجرى التاريخ.

وأجرى مُعّد الفيلم لقاءً مع قائد وحدة التصفيات سابقًا في الموساد، ميشكا بن دافيد، الذي كان مسؤولاً عن محاولة اغتيال قائد حماس السابق، خالد مشعل في عمّان عام 1997، والذي قال إنّ الخطّة كانت حاضرةً وجاهزةً، وكانت فرضية العمل أنّ الأردن لن يعلم أبدًا بأنّ الموساد وراء عملية الاغتيال. وتابع قائلاً إنّ وحدة الاغتيال تلقّت أمرًا واضحًا وجازمًا: يجب رشّ مشعل بالسمّ القتال إذا كان لوحده فقط، ولكن، أضاف بن دافيد، في ذلك اليوم خرج مشعل مع أطفاله وبرفقة حارسٍ شخصيٍّ، وعلى الرغم من الأوامر الصارمة بعدم الاقتراب منه لوجود حارسٍ، إلّا أنّ ثلاثة أفراد وحدة التصفية، نفذّوا العملية، وحاولوا الهرب، ولكنّ المرافق لحق بهم وأمسك اثنين منهم، وحضرت الشرطة الأردنيّة واعتقلتهم، وكانت الفضيحة الكبرى، التي كادت أنْ تؤدّي إلى قطع العلاقات بين عمّان وتل أبيب، على حدّ قوله.

بالإضافة إلى ذلك، كشف النقاب عن أنّ العملية تُعتبر في جهاز الموساد، عمليةً صامتةً، لأنّ الإنسان الذي يتعرّض لهذا السم، يشعر بالغثيان فجأة، ومن ثمّ ضيقٍ في النفس وبعد ذلك يلقى قدره المحتوم، أيْ الموت، لافتًا إلى أنّ قتل مشعل عن طريق مسدسٍ كاتمٍ للصوت لم يُطرح على طاولة قادة الجهاز.

بالإضافة إلى ما ذُكر أعلاه، كشف رئيس وحدة الموساد في طهران، إليعزر تسفرير، النقاب عن أنّه قُبيل نجاح الثورة الإسلاميّة في إيران، تلقّى رسالةً سريعةً بالعودة إلى تل أبيب. وأضاف: اجتمعت قيادة الموساد وطرحت على جدول الأعمال اغتيال الإمام الخميني قبل وصوله إلى طهران، أيْ عندما كان في باريس، لافتًا إلى أنّه أعرب عن رفضه للمخطط مسوغًا ذلك بأنّ إسرائيل ليست شرطيّ العالم، وأنّ اغتيال الخميني سيجلب ردود فعلٍ سلبيّة جدًا حتى من أصدقاء كيان الاحتلال مثل أميركا وفرنسا. وتابع: اليوم، بعدما رأيتُ ما تسبب به إيران بعد الثور الإسلاميّة لإسرائيل، أنا نادم على رفضي المصادقة على العملية، وكان يجب قتله، على حدّ تعبيره.

مشروع الصواريخ طويلة الأمد في مصر: رافي إيتان كشف أيضًا عن أنّ الموساد علم بأنّ الرئيس المصريّ الراحل بدأ في أوائل الستينيات بإنتاج صواريخ طويلة الأمد تمهيدًا للحرب للقضاء على إسرائيل، وذلك بمساعدةٍ من خبراء ألمان، كانوا في الجيش النازيّ. وبحسب زعمه، استطاع الموساد تجنيد الرئيس السابق للكوماندوز في عهد هتلر، عندما وعدوه بعدم قتله، وأضاف أنّ العميل الألمانيّ زودّ الموساد بجميع التعليمات عن مشروع صواريخ عبد الناصر طويلة الأمد، وبدأ الموساد باغتيال الخبراء الأمان واحدًا تلو الآخر، حتى انتهى مشروع عبد الناصر بالفشل، على حدّ ادعائه.

من الأهمية بمكان، التشديد على أنّ ما ورد في الخبر هو ما قاله القادة السابقين في الموساد حرفيًا، وهذا لا يعني بأيّ حالٍ من الأحوال أنّ تصريحاتهم كانت صحيحةً وأنّ مزاعمهم بديهيةً.

المصدر: زهير أندراوس - رأي اليوم