يكتسب مضيق "هرمز" أهميته من موقعه الاستراتيجي، إذ يصل الخليج العربي بخليج عمان من جهة، وبحر العرب بالمحيط الهندي من جهة أخرى، ودول الخليج أكثر ارتباطا بالمضيق من جارتها إيران.

ولكون مياه "هرمز" غير صالحة للملاحة، فقد خصص ممران فقط الأول (ممر الخروج) يحاذي الساحل الإيراني، والثاني (ممر الدخول) يوازي الساحل العماني، وبطبيعة الحال فإن الممر المخصص للخروج هو الأهم مقارنة بالآخر.

ومع استمرار تصاعد حدة التهديد الإيراني بإمكانية غلق المضيق، يبدو احتمال التنفيذ قابلا للتطبيق على الأرض، وذلك لأن طهران ستكون في هذه الحالة الأقدر على قطع شريان الحياة عن الدول داخل مياه الخليج.

بدأت طهران بالحديث عن استخدام المضيق كورقة ضغط ضد التهديدات الإسرائيلية والأمريكية أولا منذ العام 2006، عندما ذكرت صراحة، أن "المضيق وإمكانية إغلاقه بات جزءا مهما من استراتيجيتها العسكرية في حالة شنت الحرب علينا".

وإذا ما نفذت طهران تهديداتها بإغلاق المضيق فستكون التداعيات الاقتصادية المتوقعة بحجم 88 في المئة من صادرات النفط الخام بالنسبة لدول الخليج والسعودية، وجميع الإمدادات المقبلة من الإمارات، وقطر، والكويت، والعراق ستكون عرضة للتوقف، علاوة على توقف وانهيار قطاع الخدمات، وكذلك الارتفاعات التي ستشهدها أسعار النفط.

التواجد الصيني في المنطقة العربية

شكل وجود الصين العسكري، حتى نهاية العقد الماضي، نطاقا محدودا للغاية وخصوصا في منطقة بحر العرب والطرق المائية المجاورة، مما أبقى أمامها خيارات محدودة لحماية مصالحها هناك، ومع ذلك، ففي عام 2009، بدأت بكين مهمتها لمكافحة القرصنة في خليج عدن، الأمر الذي مكنها من نشر قوات بحرية في المنطقة بشكل دائم. وفي عام 2017، افتتحت قاعدة بحرية كبيرة في جيبوتي المجاورة تطل على المضيق الاستراتيجي باب المندب.

وصورت بكين المشروع الأخير كمساهمة في أمن المنطقة وتنميتها، وشمل ذلك إنشاء سكة حديدية إلى إثيوبيا، التي لا تملك منفذا بحريا.

ومع ذلك، فإن الأخبار عن عزم الصين بناء قاعدة بحرية وجوية في "خليج جيواني" جنوب غرب باكستان، وعلى مقربة من الحدود مع إيران، على بعد 500 كيلومتر تقريبا من مضيق هرمز، قد يمنح قاعدة جيبوتي أهمية مختلفة، ففي حال إنجازهما، ستضع القاعدتان القوات الصينية على مدخل ممرين مائيين دوليين حيويين من الناحية الاستراتيجية، وسيسمح ذلك لبكين بتقييد تحركات خصومها في المنطقة.

هل تكون جيبوتي الوجهة الجديدة لدول العالم وقبلة القواعد العسكرية؟

تعتبر جيبوتي إحدى دول منطقة القرن الإفريقي، شرق القارة الإفريقية، وتتشارك في حدودها البرية مع ثلاث دول، هي إريتريا شمالا، وإثيوبيا من الشمال الغربي والغرب والجنوب الغربي، والصومال في الجنوب الشرقي.

وتستمد تلك الدولة الصغيرة التي لا تزيد مساحتها عن 23 ألف كيلومتر مربع أهميتها الاستراتيجية والجغرافية من وقوعها على البحر الأحمر وخليج عدن واشتراكها مع دولة اليمن في إدارة مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات المائية في العالم، ولعل ضعف اقتصادها وعلاقاتها المتوترة مع جارتيها إريتريا وإثيوبيا، بسبب النزاعات الحدودية المستمرة بين الدول الثلاث، جعلها تفكر جيدا في استغلال أهم مقدراتها ومميزاتها الطبيعية: الموقع الجغرافي الفريد الذي تمتلكه.

وفي هذا السياق عملت جيبوتي على الارتباط بعلاقات قوية ووثيقة مع بعض القوى الإقليمية والعالمية، عبر مقايضة المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي تقدمها تلك الدول لها بتسهيلات لوجستية.

أقدم القواعد العسكرية الأجنبية في جيبوتي، هي القاعدة الفرنسية، التي أنشئت كجزء من اتفاق التسوية ما بين الدولتين بعد الاستقلال، إذ يرابط في تلك القاعدة ما يقرب من 5 آلاف جندي فرنسي، مهمتهم الرئيسية مراقبة حركة مرور السفن والبضائع في منطقة خليج عدن.

ومن أهم القواعد العسكرية الأخرى على الأراضي الجيبوتية، قاعدة "أفريكوم" الأمريكية، الوحيدة الموجودة في القارة الأفريقية.

وتعود إقامة هذه القاعدة بشكل واضح بجدوى اقتصادية على جيبوتي، فعقد الإيجار الأمريكي ارتفع في عام 2014 لمبلغ 60 مليون دولار سنويا.

القواعد العسكرية الأجنبية ليست حكرا على الأمريكيين والأوروبيين، ففي عام 2009، قامت اليابان بتأسيس قاعدة عسكرية لها، واحتوت تلك القاعدة على ميناء بحري ومطار جوي، وقدمت تلك القاعدة مساعدات كبيرة للسلطات الوطنية في سعيها الرامي للقضاء على خطر القراصنة الصوماليين الذين يمارسون أعمالهم الإجرامية بشكل كثيف ومنتظم في مناطق قريبة من الشواطئ الجيبوتية.

ونجحت الصين عام 2014، في عقد عدد من المعاهدات والاتفاقات مع السلطة الجيبوتية الحاكمة، تضمنت تعهد الصين بتمويل عدد من المشاريع الاستثمارية الكبرى، بتكلفة 14.5 مليار دولار أمريكي.

هل حان وقت السعودية؟

وقعت السعودية وجيبوتي الشهر الماضي، اتفاق تعاون في المجال العسكري، فيما حملت الفترة الأخيرة إشارات إلى قرب إنشاء قاعدة عسكرية تابعة للملكة هناك.

ووقفت جيبوتي إلى جانب الرياض في نزاعاتها الإقليمية ضد طهران، وأوضحت عبر الكثير من قنواتها الدبلوماسية الرسمية استعدادها لتقبل الانتشار العسكري السعودي على شواطئها.

ويظهر ذلك جليا في ردود أفعال الجانب الجيبوتي بشكل واضح، فعلى سبيل المثال، أعلنت عام 2016 قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وسحب سفيرها من طهران، متضامنة بذلك مع الجانب السعودي، الذي بادر إلى قطع علاقاته مع إيران عقب الاحتجاجات والاعتداءات على القنصلية السعودية في مدينة مشهد الإيرانية، على خلفية إعدام المملكة لرجل الدين السعودي نمر النمر.

وسارعت جيبوتي إلى تقديم مساعدات لوجستية لتسهيل عمليات القوات البحرية العربية في عملية "عاصفة الحزم" في اليمن، كما استقبلت على أراضيها أكثر من 33 ألف نازح يمني فروا من الحرب المشتعلة في وطنهم.

ولعل حرص السعودية على تثبيت وجود اقتصادي وسياسي لها في جيبوتي نابع من قناعتها بأنها ستكون، إلى جانب شقيقاتها الخليجيات أول الخاسرين من إغلاق مضيق هرمز الذي سينعكس بدوره على أسعار النفط والاقتصاد العالمي بشكل كبير.

في المقابل تبدو جيبوتي أكبر المستفيدين، بحكم تزايد حركة السفن قرب شواطئها، فيما تبدو الصين أقل المتضررين كونها احتاطت لهذا السيناريو بامتلاك قواعد في بحر العرب والمحيط الهندي وتنويع مصادر الطاقة المحركة لعجلة الإنتاج في الصين.

 

المصدر: RT