في اجتماع «أوبك» الذي عقد في «فيينا»، في 22 يونيو/حزيران، نجحت المملكة العربية السعودية في زيادة إنتاج النفط، على الرغم من معارضة إيران والعراق وغيرهم من المنتجين الأصغر داخل المنظمة.
لكن هذا النصر قد يثبت أنه أجوف، حيث إن التحدي الأكبر الذي تواجهه المملكة فيما يتعلق بموازنة الإنتاج والأسعار يكمن في الظروف المحلية.
فمن ناحية، يساعد الحفاظ على انخفاض أسعار النفط في تأمين حصة السوق السعودية، وإرضاء الولايات المتحدة، وزيادة الضغط على إيران. ومن ناحية أخرى، من مصلحتها الحفاظ على الإيرادات المحتملة عند مستوى يزيد من قيمة الاكتتاب العام الأولي المستهدف لحصة في شركة «أرامكو» السعودية، أكبر شركة نفط في العالم، بالإضافة إلى تعزيز آفاق «رؤية 2030»، وهي خطة التنوع الاقتصادي واسعة النطاق التي ترتبط ارتباطا وثيقا بولي العهد «محمد بن سلمان».
الحلفاء والأعداء وحصة السوق
وتنفذ السعودية إصلاحات محلية حاسمة، في وقت يشهد جميع أنحاء الشرق الأوسط اضطرابات سياسية حادة. ولا يمكن أن تعادي الولايات المتحدة، ناهيك عن أن تفعل ذلك في وجود رئيس لا يتصرف مثل أسلافه في البيت الأبيض.
وانتقد «دونالد ترامب» أوبك في عدد من التغريدات في الأسابيع السابقة على اجتماع فيينا، عندما كانت أسعار النفط فوق 74 دولارا للبرميل، وهو يعلم ما الذي يزعج الناخبين الأمريكيين، ومن الواضح أنه يراقب الأسعار خلال الفترة التي تسبق انتخابات منتصف المدة في نوفمبر/تشرين الثاني.
لكن هذا لا يتعلق فقط بالسائقين الأمريكيين. وتشارك السعودية الولايات المتحدة المصلحة في الحد من إيرادات إيران من مبيعات النفط.
وكانت الرياض حريصة على إخبار العالم بأن إعادة فرض العقوبات ضد إيران لن تعطل إمدادات الطاقة العالمية، أو تؤثر على أسعار الوقود، لأنها ستتدخل وستزيد الإنتاج لتعويض النقص.
وكان هدفها هو منع خصومها من الحصول على إيرادات أكبر وتكثيف الضغط الاقتصادي الذي سيؤدي، وفق الحسابات السعودية، إلى مزيد من عدم الاستقرار الداخلي في إيران.
علاوة على ذلك، هناك خطر من أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى خسارة المملكة حصتها في السوق لصالح مصادر الطاقة النظيفة.
ولا يعد الدافع العالمي وراء إزالة الكربون مرتبطا فقط بحتمية العمل على مواجهة تغير المناخ، ولكنه يرجع جزئيا إلى جهود الدول للتحوط ضد انقطاع الإمدادات وتحسين أمن الطاقة، في مواجهة إمدادات النفط غير المستقرة والأسعار المتقلبة. وقد تؤدي أسعار النفط المرتفعة إلى بذل جهود أكثر جدية وتركيزا على إزالة الكربون، مما قد يعطي ميزة للبدائل غير الهيدروكربونية، ويقوض البيئة المالية العامة لصناعة النفط والغاز.
الاكتتاب العام و«رؤية 2030»
ويرتبط البيع الذي طال انتظاره لجزء من «أرامكو» السعودية ارتباطا وثيقا بالنجاح الشامل لـ «رؤية 2030»، والذي يرمز إلى انفتاح الاقتصاد السعودي، وقد تم وصفه بأنه أكبر اكتتاب في العالم، مع طموح لإدراج الشركة بقيمة إجمالية تصل إلى نحو 2 تريليون دولار.
لكن المستثمرين قلقون بشأن عوامل مثل القيمة الحقيقية للأسهم والقدرة التنافسية، وعدم اليقين الكبير في الاستثمار في صناعة أساسية تتراجع مع الوقت، وسيتعين عليهم أن يروا إمكانية استمرار أسعار النفط المرتفعة، من أجل كسب الثقة في أنه ستكون هناك عوائد جديرة بالاهتمام لاستثمارات النفط، على الأقل في غضون العقد المقبل.
كما تشعر الشركات الدولية في القطاعات غير النفطية بالقلق من الاستثمار في المملكة، رغم إزالة الحواجز التي تحول دون مشاركة القطاع الخاص من الناحية النظرية.
ووفقا لصندوق النقد الدولي، تحتاج المملكة إلى سعر نفط يزيد عن 80 دولارا للبرميل، من أجل موازنة ميزانيتها. وعلى هذا النحو، عانى الاقتصاد نتيجة لانخفاض أسعار النفط منذ الربع الأخير من عام 2014.
وقد تتمكن المملكة بضخ مزيد من النفط وتعويض حصة السوق الإيرانية من زيادة الإيرادات والمساعدة في تضييق عجز الميزانية ما يخفف الضغط على الإنفاق العام، لكنها تبقى استراتيجية عالية المخاطر.
وحددت السعودية لنفسها هدفا طموحا للإيرادات يبلغ 209 مليار دولار في ميزانية عام 2018، بالإضافة إنفاق بقيمة 261 مليار دولار، وهو رقم قياسي، في محاولة لسحب الاقتصاد من الركود المسجل عام 2017.
وسوف يعتمد الكثير على ما إذا كان الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي انخفض إلى 1.42 مليار دولار فقط في العام الماضي (من 7.45 مليار دولار في عام 2016) سيعود عاجلا وليس آجلا.
وإذا لم ترتفع ثقة المستثمر، فسيتعين على المملكة اللجوء إلى إصلاحها المعتاد، باستخدام عائدات النفط لزيادة الإنفاق العام وتعزيز الاقتصاد، وهذه هي بالضبط الحلقة المفرغة التي تحاول السعوديةكسرها بتنفيذ «رؤية 2030» وجهود التنويع الخاصة بها؛ للحد من الاعتماد على النفط.
علاوة على ذلك، قد تجد المملكة نفسها في موقع الاضطرار إلى فرض مزيد من الضرائب للسماح بزيادة الإنفاق العام، لكن الرسوم السابقة، مثل «ضريبة المرافقين» بالنسبة للمغتربين، وضريبة القيمة المضافة، إلى جانب التخفيضات على الدعم، تتسبب بالفعل في خسائر، خاصة في القطاع الخاص.
وفي هذا السياق، يجب على السلطات النظر في التأثير المحتمل لزيادة الإيرادات من خلال الضرائب على قدرة المملكة على مواصلة جذب العمال من الخارج لملء الفجوات القائمة في المهارات، وكذلك على الجهود الحاسمة لزيادة مشاركة القطاع الخاص على المدى الطويل.
وربما تكون السعودية قد سادت في آخر اجتماع لمنظمة الأوبك، لكن مصالحها الداخلية والخارجية المختلفة لن تستفيد بنفس القدر الذي تستهدفه من الزيادة المتفق عليها في الإنتاج وتأثيرها على أسعار النفط، وبدون استراتيجية طويلة المدى متماسكة تجمع هذه المصالح معا، فإن المملكة تخاطر بضياع طموحاتها بعيدة المدى.
ترجمة وتحرير الخليج الجديد