أيضاً، يملك الحزب 150 ألف صاروخ مقارنة بـ4500 كان يملكها خلال «عدوان تموز» 2006. وتبلغ فاتورته السنوية التي تدفعها إيران مليار دولار، أضف إليها ما يجنيه من غسيل الأموال، والاتجار بالبشر، وتجارة الكوكايين والأفيون، وبيع أنياب العاج من موزامبيق، دائماً وفق الوثائق الاستخبارية. بدا هارفي قلقاً من إمكان اندلاع حرب كارثيّة ستكون عواقبها الإنسانية والاقتصادية والاستراتيجية هائلة. اعتبر أيضاً أن الصراع الإيراني - الإسرائيلي سيجتذب الولايات المتحدة، ما يعني أن لا استقرار إقليمياً في الأفق.
حصل ترامب على نسخة من الإحاطة الاستخبارية حول حزب الله. شرحها له كل من مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية دان كوتس، ومدير «وكالة الاستخبارات المركزية» (حينذاك) مايك بومبيو. لكن هارفي «شعر أن الآخرين لم يقدّروا درجة تحوّل ميزان القوى الأساسي»، وقال لكوشنر إنّ «حرباً عربية - إسرائيلية أخرى لن تشبه أيّ حرب سبقتها على الإطلاق، هذا يمكن أن يؤثّر في قدرات إسرائيل القتالية». كما شدّد على أنّ «إدارة ترامب الجديدة لم تكن مستعدة لما يمكن أن يحدث»، وحثّه على متابعة الاتفاقات التي سيبرمها ترامب خلال اللقاء الذي سيجمعه برئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في شباط/ فبراير 2017. وتحدّث بإسهاب عن أهميّة الحوار الاستراتيجي لمواجهة الحقائق الجديدة على الأرض. جلّ ما أراده هارفي هو تعزيز العلاقات الأميركية - الإسرائيلية التي تدهورت في عهد إدارة أوباما.
لاحقاً في الصيف، سعى السفير الإسرائيلي في واشنطن ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي لدعوة هارفي إلى إسرائيل. لكن الطلب/ المسعى اصطدم برفض ماكماستر، على رغم أنّه لم يقدّم أيّ سبب. في بداية تموز/ يوليو 2017، رتّب هارفي لقاء مع كبار مسؤولي «الموساد»، والاستخبارات العسكرية، وممثلين عن القوات الجوية الإسرائيلية، والجيش. حين علم ماكماستر بمساعي هارفي، غضب ولم يسمح له بعقد اللقاء.

السوبّر مستشار... السعودية وإسرائيل
بدأت جهود كوشنر خلال الأشهر الأولى لرئاسة ترامب، إذ اقترح إجراء ترامب رحلة تتضمّن محطتين: السعودية وإسرائيل. في لقاءٍ آخر جمع هارفي وكوشنر، سأله الأخير: «ما رأيك في أن تكون الرياض أول رحلة رئاسيّة لنا؟»، أجابه هارفي من دون تردّد أنّ اختيار الرياض كأول عاصمة أجنبية يزورها ترامب «ستتلاءم تماماً مع ما نحاول فعله. سنؤكد من جديد دعمنا للسعوديين، وأهدافنا الاستراتيجية في المنطقة... موقفنا تدهور كثيراً خلال سنوات حكم أوباما».
كان هارفي يعتقد أنّ أوباما أمضى كثيراً من الوقت في صياغة اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، بينما أهمل العلاقات مع السعودية وإسرائيل. لذا، إن «التفكير في جعل السعودية أول رحلة رئاسية يمكن أن يقطع شوطاً طويلاً للإشارة إلى أن لإدارة ترامب أولويات جديدة»، طبقاً لهارفي الذي جمعته علاقات جيدة بالاستخبارات الإسرائيلية. كذلك، فإن قمّة أميركية -سعودية في الرياض ستعود بالفائدة على إسرائيل، خصوصاً أن لدى الجانبين «علاقات مفتوحة ومهمّة في القنوات الخلفية». ولم يكن اقتراح كوشنر، كما يبدو، من دون علم الرئيس، بل ربما كان بتشجيع منه. فقد أكّد كوشنر لهارفي أن لديه معلومات استخبارية موثوقة تفيد بأنّ مفتاح السعودية كان ولي ولي العهد (آنذاك) محمد بن سلمان.
حين علم ماكماستر بأمر القمّة الأميركية - السعودية، سأل هارفي بغضب: «من يدفع في هذا الاتجاه؟ من أين تأتي تلك الأوامر؟». بدا واضحاً أن أسلوب الالتفاف لم يرُق لمستشار الأمن القومي، لكنّه بدا عاجزاً عن فعل شيء. ومع تقييد ماكماستر، تابع هارفي مهمته وعقد سلسلة اجتماعات مع وكالات الاستخبارات، بما فيها «الاستخبارات المركزية» (سي آي أي). كانت رسالة مجمع الاستخبارات واضحة: على كوشنر أن يكون حذراً.
برعاية كوشنر، بدأ هارفي، بسلطة غير عاديّة، التحضير للقمّة المرتقبة. في آذار/ مارس 2017، ترأّس ماكماستر اجتماعاً رئيسياً حول احتمال عقد قمة أميركية -سعودية. خلال الاجتماع، قال وزير الخارجية (آنذاك) ريكس تيلرسون، ملوحاً بيده باستخفاف: «بحسب خبرتي في «إكسون موبيل»، السعوديون يتكلمون دائماً كلاماً كبيراً. تذهب لتفاوضهم، لكن حين تريد وضع تلك الاتفاقات على ورقة لتوقيعها، لن يحدث ذلك».
رأى ماتيس أنّ على الإدارة الجديدة أن تتمهّل حتى العام المقبل، وأن تكون «حذرة ومتعقلة». لكن، وزير الطاقة، ريك بيري، قال إن «هناك الكثير لإنجازه (التحضير للقمة) في وقت قصير جداً». لم يكن أحد موافقاً على عقد قمّة بعد شهرين كما تفضّل كوشنر واقترح. جلس المستشار الممتاز، كوشنر، على الجهة المقابلة لماكماستر، وقال للحضور: «أنا أتفهّم مخاوفكم، لكنّي أعتقد أن لنا فرصة حقيقية هنا، علينا التنبه إليها. أتفهم أنه علينا الحذر. علينا أن نعمل على ذلك (القمة) بجد كأنها ستحدث فعلاً… هذه فرصة علينا اقتناصها».
كان هارفي يعلم أن أحداً لن يستطيع أن يرفض (عقد القمة)، وقرر أنّه يجب الحصول على أكثر من 100 مليار دولار من العقود العسكرية المتّفق عليها مسبقاً مع الرياض. أرسل محمد بن سلمان فريقاً من 30 شخصاً إلى واشنطن، وتم تشكيل مجموعات عمل من الأميركيين والسعوديين حول الإرهاب، وتمويل الإرهاب، والتطرف، والحملات الإعلامية. وعقد البنتاغون اجتماعات في شأن العقود والشراكات الأمنية بين الجانبين. يعلّق وودوارد بالقول: «لم يكن هارفي يريد أن يطلب الكثير من السعوديين، لأنه يعلم أن جيوبهم لم تعد عميقة كما كانت عليه سابقاً».

قبل 15 دقيقة من العدوان على الشعيرات، أرسل ماتيس تحذيراً إلى الروس لإخلاء المطار


وبينما جُنّدت الإدارة الأميركية للتحضير للقمة، كان ماكماستر لا يزال غير متحمس لها. ولأنّ كوشنر أراد عقدها، قال إنه إذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تبقى منخرطة في المنطقة، فإنها تحتاج إلى مساعدة السعوديين والإسرائيليين. لم يكن الرئيس يريد أن يستمر في دفع فواتير الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، خصوصاً عندما تكون دول المنطقة هي المستفيدة، وفق كوشنر.
«اجعلوا السعوديين يشترون أكثر»، قال كوشنر، مضيفاً: «إذا اشتروا أنظمة أسلحة، ذلك سيساعد الاقتصاد الأميركي وسيخلق فرص عمل جديدة. سيشترون مخزونات كبيرة من الذخائر، فضلاً عن عقود صيانة ودعم لمدة 10 سنوات».
عاد الفريق السعودي إلى واشنطن في زيارة ثانية. وعلى مدى أربعة أيام، كانت الاجتماعات تمتدّ حتى الواحدة فجراً. وحين بدا أن الأمور تسير وفق المخطط لها، دعا كوشنر ابن سلمان إلى واشنطن. لبّى الأخير الدعوة سريعاً في 14 آذار/ مارس من ذلك العام، وتوجه إلى البيت الأبيض حيث كان ترامب في انتظاره على الغداء، في خرق واضح للبروتوكول لم يرق لمجمع الاستخبارات. ثم في 20 أيار/ مايو 2017، وصل ترامب إلى السعودية ومنها إلى فلسطين المحتلة. «جرت الأمور تماماً كما خطط لها كوشنر»، وفق الكاتب. وبعد نحو شهر من زيارة ترامب، عيّن الملك سلمان نجله محمد ولياً للعهد.

سوريا: الكيميائي والشعيرات
مع بداية الربيع، كانت قد مرّت ثلاثة أشهر على بدء ترامب ولايته الرئاسية. يوم الثلاثاء، الرابع من نيسان/ أبريل 2017، بينما كانت مشاعر ترامب تفيض، اتصل بوزير الدفاع ماتيس. كان الأخير في مكتبه في البنتاغون عندما بدأت الصور والمقاطع المصورة تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي حول هجوم كيميائي في خان شيخون. قال ترامب لماتيس: «فلنقتله (الأسد)، لنذهب إلى هناك ونقتل الكثير منهم». «نعم»، أجاب ماتيس، «سأتابع الموضوع». «لن نفعل أياً من هذا»، قال وزير الدفاع لأحد مساعديه، مضيفاً أنّ «الولايات المتحدة ستتّخذ خطوات مدروسة أكثر» ضد سوريا. ورأى ماتيس أن أمام الإدارة الأميركية فرصة نادرة لفعل شيء ما من دون عمل الكثير.
عقب الهجوم الكيميائي المفترض، بدأ ماكماستر وديريك هارفي العمل في البيت الأبيض لتحديد الخيارات. علم بانون بما يجري، وواجه هارفي في مدخل الجناح الغربي، سأله: what the fuck are you doing. [ما الذي تفعله؟]، «أطوّر الخيارات للرئيس» أجابه هارفي. «هو (الرئيس) طلب أن تكون أمامه خيارات، وهكذا تجري العملية». رأى بانون أن (العملية) التي يكرهها تميل نحو عمل عسكري.
«افعل شيئاً»، باتت تعويذة البيت الأبيض. كل هذا، ولم يجب أحد ترامب ماذا يفعلون بكل هذا الوجود العسكري الضخم في الشرق الأوسط. شعر بانون بأيدي إيفانكا (ابنة الرئيس) الخفية في كل ما كان يحدث. لم يكن بانون يحب وجودهما، هي وزوجها جاريد، في البيت الأبيض. كان يرى أنهما عائق أمام الرئيس. موظفان يرفضان معاملتهما كموظَّفين، حتى أن بانون قال ذات مرة لإيفانكا :«أنت مجرّد موظفة لعينة»… صرخت في وجهه وقالت: «أنا الابنة الأولى». ما علينا، كانت إيفانكا تأخذ صور الأطفال الذين تنشقوا الغازات السامة إلى مكتب والدها. وعلى رغم أن بانون قال إن الهجوم مروّع، لكنه كان يعتقد أيضاً أن الردّ العسكري هو آخر ما تحتاجه إدارة ترامب

المصدر: ملاك حمود - الأخبار