مع حديث وسائل الإعلام الأميركية عن إمكانية تعيين ريما بنت بندر بن سلطان سفيرة للسعودية في واشنطن، يتضاءل أكثر فأكثر احتمال عودة خالد بن سلمان إلى الولايات المتحدة. تضاؤل يقابله ارتفاع في مؤشرات تصعيده إلى المنصب الثاني في المملكة (ولاية العهد)، بدلاً من أخيه الشقيق محمد، الذي يبدو أن أباه يتحسب لاقتراب العاصفة من رأسه
دفعت أزمة قتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، عدداً من الأسماء وثيقة الصلة بولي العهد، محمد بن سلمان، إلى الواجهة، إما كأكباش فداء محتملة لإبعاد موس المحاسبة عن رقبته، وإما كشخصيات مُرشّحة لنيل أدوار في منظومة السلطة التي مَرْكزها الأمير الشاب حول نفسه، ضمن ما يُحكى عن مساعٍ يبذلها الملك سلمان لإبعاد نجله الطائش عن الأضواء ريثما تنقضي العاصفة، إن لم يكن إقصاءه كلياً من المشهد.
على رأس تلك الأسماء، السفير السعودي في واشنطن (سابقاً؟)، الأخ الشقيق لمحمد، خالد بن سلمان. الأمير الذي يصغر أخاه بثلاث سنوات، لم يكد يمضي ستة أشهر في منصبه الجديد الذي عُيّن فيه في الـ22 من نيسان/ أبريل 2017، حتى استُدعي على عجل إلى بلاده، في ظلّ حديث الصحف الأميركية عن أنه لن يعود إلى الولايات المتحدة. كان الرهان على خالد في أن يُطوّر تجربة مماثلة لتجربة ابن عمّه بندر بن سلطان وفق مقتضيات جديدة تتطلّبها «رؤية» ولي العهد. وهو رهان لم يتأخر الضابط السابق في القوات الجوية في محاولة إثبات أهليّته له. هكذا، اجتهد خالد في تعزيز الصورة «الوردية» التي شكّلتها أموال شقيقه، مُكثِّفاً العزف على النغم الأكثر إطراباً لدى إدارة دونالد ترامب اليوم: الحرب على إيران. تكاد لا تخلو تغريدة أو مقالة للسفير السعودي العاشر في واشنطن من ذكر طهران، إن لم تكن كلها عن الأخيرة. آمن خالد بقدرة حملات العلاقات العامة، بقيادته، على تعزيز التوجّه الأميركي لـ«معاقبة النظام الإيراني اقتصادياً ودبلوماسياً، مع الحفاظ على جميع الخيارات على الطاولة لضمان قوة الدبلوماسية وفعاليتها» وفق ما يدعو إليه الرجل في إحدى مقالاته.
ثقة تتجلّى، كذلك، في دفاع المستشار السابق في السفارة السعودية في واشنطن عن خطوات شقيقه «الإصلاحية»، وإلحاحه على نفي الصبغة الاستبدادية عنه. بلغ الأمر بخالد، ذي الخبرة السياسية المتواضعة، أن أشاد، عقب حادثة اختفاء خاشقجي، بانتقادات الأخير للقيادة السعودية الحالية، معتبراً أنها كانت «دائماً صادقة». ولفرط خشيته على «هالة» ولي العهد، أوقع خالد نفسه ونظام الحكم برمّته في الفخّ عندما قال إن «من المستحيل أن يرتكب موظفو القنصلية مثل هذه الجريمة من دون أن يكون لنا علم بذلك»! وهي الذريعة نفسها التي يُتوقّع اللجوء إلى عكسها في التقرير المتوقع صدوره عن السعودية في شأن الجريمة، أي أن رأس النظام لم يكن على علم ولم يكن يريد في الأصل تصفية خاشقجي. على أي حال، بدت أزمة خاشقجي وتداعياتها أكبر من قدرة سفير حديث العهد على احتوائها؛ إذ إنها اقتربت ــ مع تطورها ــ من تهديد مستقبل «الملك القادم»، ولعلّ ذلك هو السبب الكامن خلف استدعاء خالد إلى السعودية.
بدت أزمة خاشقجي أكبر من قدرة سفير حديث العهد على احتوائها
يوم أمس، ذكرت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية أن «هيئة البيعة السعودية» اجتمعت سراً خلال الأيام الماضية لاختيار ولي لولي العهد، توقعت الصحيفة أن يكون خالد بن سلمان. إذا ما صحّت تلك الأنباء، فهي تعني أن الملك سلمان، الذي هندس على مهل عملية حصر السلطة في نسله بعدما كانت حكراً على «السديريين»، يخشى أن تطيح قضية خاشقجي بالجهود التي بذلها طيلة السنوات الثلاث الماضية. ومن هنا، فهو يريد أن يضمن أنه، في حال وصول الخطر إلى حرم نجله السادس (محمد)، فإن السلطة لن تؤول إلى غير «السلمانيين»، على رغم استعانته أخيراً بوجوه من أجنحة منافسة كان ولي العهد قد أقصاها، كأمير منطقة مكة خالد الفيصل الذي أُرسل إلى تركيا للملمة ذيول حادثة خاشقجي. هل يعني ذلك أن سلمان سيُقدِم، اختياراً، على إزاحة محمد وتعيين خالد مكانه ولياً للعهد؟ «لوفيغارو» رأت في احتمال إعادة شغل منصب ولي لولي العهد مقدمة لإطاحة محمد على المدى المتوسط، فيما نقلت «فرانس برس» عن محللين استبعادهم حدوث ذلك.
لكن رجل أعمال إماراتياً أكد، لـ«الأخبار»، نقلاً عن مسؤول إماراتي رفيع المستوى، أن «قضية خاشقجي ستطيح الأمير محمد بن سلمان»، وأن الملك سلمان «يتّجه لتعيين خالد ولياً للعهد»، مُتوقّعاً أن «يعتلي الأمير خالد العرش قريباً نتيجة تدهور الوضع الصحي للملك». ورأى المسؤول أن «غمامة سوداء ستظلّل سماء الخليج» بفعل تدهور الأوضاع في السعودية، وأن ذلك سيؤثر على المستويين الأمني والاقتصادي، مشيراً إلى أن «دولة الإمارات بصدد مناقشة هذه التطورات، واستعراض الإمكانيات المتوافرة لمواجهة الأخطار المستقبلية». وهي كلّفت ـــ بحسب المصدر نفسه ــ بعض الأمراء والقادة العسكريين بمناقشة الظروف المتوقعة في السعودية، والنزاعات المحتملة بين الأمراء، واختلافهم حول حرب اليمن، وانعكاس ذلك على دول الخليج، حتى تتمكّن الإمارات من مواجهة التحولات المقبلة، وإدارة الأمور بما يتلاءم مع مصلحتها. وفي الاتجاه نفسه، نقلت «رويترز» عن مصدر برلماني كويتي أن «الوضع الإقليمي لا يبشر باستقرار... وبالتالي على كل دولة أن تفكر كيف تحمي نفسها»، في معرض تعليقه على فشل محادثات استئناف الإنتاج النفطي في المنطقة المشتركة بين السعودية والكويت.