يحذر العلماء أنه من المتوقع أن تزداد درجة حرارة كوكبنا بشكل كبير نتيجة للتغيرات المناخية، بالإضافة لاحتمالية حدوث ظاهرة «النينو».
كتب ستيفان ليهي في مقدمة مقاله الذي نشره موقع «ناشيونال جيوغرافيك» أنه من المحتمل للغاية حدوث ظاهرة «النينو» هذا العام؛ مما سيؤدي إلى زيادة الظروف الجوية المتطرفة التي تفاقمت بالفعل بسبب التغيرات المناخية، وهذا يؤدي إلى احتمالية أن يكون عام 2019 هو العام الأكثر سخونة على مر تاريخ كوكب الأرض، كما يقول العلماء.
يروي ستيفان أنه من المحتمل بنسبة 80% أن موجة النينو قد تكونت بالفعل بشكل كامل، وأنها ستستمر حتى نهاية فبراير (شباط) 2019 على الأقل وفقًا لما ذكره مركز التنبؤات المناخية في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي. ازدادت تأثيرات ظاهرة النينو في السنوات الأخير لتصبح أكثر حدة نتيجة للاحتباس الحراري، وهذه التأثيرات ستسوء أكثر وأكثر مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة وفقًا لدراسة حديثة تم نشرها في مجلة «Geophysical Research Letters».
وعن هذا الصدد تقول الدكتورة سامانثا ستيفنسون المشاركة في الدراسة، وعالمة المناخ في جامعة كاليفورنيا: «مع وجود ظاهرة النينو من الممكن للغاية أن تكون سنة 2019 هي السنة الأكثر سخونة على مر التاريخ».
لقد كانت السنوات الأكثر سخونة في تاريخنا هي السنوات الأربعة الأخيرة من 2015 إلى 2018، والسبب في ذلك هو زيادة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون المسبب للاحتباس الحراري، والتي وصلت إلى مستويات قياسية وفقًا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO). إن مناخ الأرض على مدار 406 شهرًا الأخيرة كان أكثر سخونة من متوسطات الحرارة المسجلة على مدار القرن العشرين، وهذا يعني أن من يبلغ من العمر 32 عامًا لم يشهد شهرًا من حياته درجة حرارته أقل من المتوسط.
عن ذلك تقول نائبة الأمين العام للمنظمة إيلينا مانانكوفا: «إن كل زيادة ولو بسيطة في حرارة الأرض تُحدث فارقًا في صحة الإنسان، وسهولة الحصول على الغذاء والمياه العذبة، وفي احتمالية انقراض الحيوانات والنباتات، وكذلك في قدرة الشعاب المرجانية والحياة البحرية على البقاء والاستمرار».
مخاطر الحرارة
يقول ستيفان: «إن زيادة حرارة الأرض يعني المزيد من الظروف المناخية المتطرفة الخطيرة والمدمرة، مثل موجات الحر وحرائق الغابات، والجفاف، والفيضانات، والعواصف القوية. على سبيل المثال خلال عام 2018 حدث 70 إعصارًا، وعاصفة استوائية في النصف الشمالي من الكرة الأرضية مقارنة بمتوسط يبلغ 53 إعصارًا وعاصفة. وتسببت العواصف القوية غير المسبوقة بدمار في جزر ماريانا، والفلبين، وفيتنام، وكوريا، ومملكة تونغا. أما في الولايات المتحدة فقد تسبب الإعصاران: فلورنس، ومايكل، في أضرار اقتصادية هائلة وخسائر كبيرة في الأرواح، حسبما أشارت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في بيانها السنوي».
أدت موجات الحر إلى خسائر كبيرة في الإنتاجية خلال عام 2018؛ لأن الجو كان حارًا للغاية، لدرجة لا تسمح بالعمل، أو حتى الذهاب للخارج بأمان. وتسببت موجات الحر تلك في ضياع 153 مليار ساعة من العمل في العام الماضي، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف الرقم المسجل في عام 2000 وفقًا لتقرير عام 2018 من مجلة «Lancet Countdown» حول الصحة والتغيرات المناخية والصادر في 28 نوفمبر (تشرين الثاني).
انتهت آخر موجة من موجات النينو في عام 2016، حيث ارتبطت بالموت الكارثي للشعاب المرجانية في الحاجز المرجاني العظيم والجفاف الشديد في أفريقيا، وأمريكا الجنوبية، وأجزاء من المحيط الهادئ، وجنوب شرق آسيا، وحرائق الغابات في إندونيسيا وكندا. وفي حين لا يُتوقع أن تكون موجة النينو القادمة بنفس الشدة، إلا أنها يمكن أن تتسبب في ظروف مناخية خطيرة في مناطق مختلفة من العالم، كما يحذر العلماء.
تشكل ظاهرة النينو ونقيضها – ظاهرة النينا – دورة طبيعية يمكن أن تدوم من بضعة أشهر إلى عامين أو ثلاثة. وعندما تحدث أي منهما، فإن أنماط الطقس في جميع أنحاء العالم يمكن أن تتأثر، حيث يكون لها آثار على المحاصيل والمجاعات واحتياجات التدفئة والتبريد في المنازل والمباني، بالإضافة إلى مخاطر الحرائق وموت الشعاب المرجانية والظروف الجوية المتطرفة. ويقول الباحثون إن تأثيرات ظاهرتي النينو والنينا قد أصبحت أكثر حدة خلال العشرين سنة الماضية بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض نتيجة للاحتباس الحراري.
يقول عالم المناخ في جامعة ولاية بنسلفانيا مايكل مان: «إن الاحتباس الحراري الناجم عن البشر، بالإضافة لارتفاع درجات الحرارة الطبيعية، يزيد من احتمالات أن يكون أي عام جديد تحدث فيه ظاهرة النينو هو العام الأسخن على الإطلاق في تاريخ البشرية».
شارك مايكل مان عام 2018 في تأليف دراسة تربط بين تغيّر المناخ، وموجات الجفاف والحر الأخيرة، والحرائق الهائلة، والفيضانات في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. وخلصت الدراسة إلى أن هذه الظواهر الجوية المدمرة ستزيد بنسبة 50% في المتوسط، وقد تزيد إلى 300% بسبب تغير المناخ وحده لو لم يتحرك العالم بسرعة لخفض انبعاثات الكربون الناتجة من حرق الوقود الأحفوري.
كما يشير ستيفان إلى أن عادة ما تتسبب ظاهرة النينو في هطول أمطار غزيرة على ولاية كاليفورنيا، وإذا حدث ذلك في فصل الشتاء، فقد يؤدي إلى فيضانات مفاجئة، وانهيارات طينية بعد أن قضت حرائق الغابات على 1.6 مليون فدان في هذا الخريف، حسبما تذكر الدكتورة سامانثا ستيفنسون. لقد دُمر ما يقرب من 14 ألف منزل خلال تلك الحرائق، والآن بدأت بالفعل العواصف الأولى في الموسم في حدوث الفيضانات والانهيارات الطينية.
وفي حين تجلب ظاهرة النينو الأمطار والطقس البارد إلى جنوب الولايات المتحدة، إلا أنها تجلب الحرارة والجفاف إلى أستراليا، وكذلك تتسبب في جفاف الشتاء في جنوب شرق أفريقيا وشمال البرازيل. إذ اندلعت بالفعل غابات حرائق كارثية في شرق أستراليا، إلى جانب موجة الحر التي بلغت درجات الحرارة خلالها أكثر 111 درجة فهرنهايت (44 درجة مئوية) في نهاية نوفمبر.
ومع استمرار الاحتباس الحراري من المحتمل أن تؤدي موجات النينو المستقبلية إلى حدوث ظروف جوية أكثر برودة ورطوبة في الولايات المتحدة؛ مما يزيد من مخاطر الفيضانات. وفي الوقت ذاته ستزيد موجات النينا من أخطار حرائق الغابات والجفاف في جنوب غرب الولايات المتحدة، حسبما تقول الدكتورة سامانثا.
وتضيف أنه في حين أن تأثيرات ظواهر النينو/النينا تتضخم في عالم أكثر حرارة، فإنه من غير المعروف ما إذا كان تغير المناخ سيؤثر في احتمالية حدوث هذه الظواهر، أو قوتها في المستقبل على حد قولها.
لماذا تحدث ظاهرة النينو؟
يشير الكاتب إلى أن النينو والنينا هما على التوالي المرحلتان الباردة والدافئة لدورة التردد الجنوبي – النينو (ENSO)، والتي تنظم الحرارة في المنطقة الاستوائية الشرقية للمحيط الهادئ. في الظروف المناخية الطبيعية يسود ضغط جوي مرتفع في شرق المحيط الهادئ، بينما يسود ضغط جوي منخفض في غربه، ويولد الفرق في الضغط الرياح التجارية التي تهب من الشرق إلى الغرب على سطح المحيط الهادئ الاستوائي؛ مما يدفع المياه الدافئة إلى الغرب، ثم تطفو المياه العميقة الباردة في الشرق لتحل محل المياه الدافئة.
خلال موجات النينو تكون الاختلافات في الضغط أكثر وضوحًا، وتهب الرياح التجارية بقوة أكبر، وبالتالي تزداد كثافة التيارات المائية الباردة في شرق المحيط الهادئ. من ناحية أخرى يؤدي ارتفاع ضغط الهواء السطحي خلال ظاهرة النينو في غرب المحيط الهادئ وانخفاض الضغط على سواحل الأمريكتين إلى إضعاف الرياح التجارية أو تغيير اتجاهها؛ مما يؤدي إلى ارتفاع درجات حرارة المياه في شرق المحيط الهادئ.
السبب في إطلاق اسم «النينو» على هذه الظاهرة هم صيادو بيرو، وتعني المسيح الطفل (نينو تعني الطفل باللغة الإسبانية)، وذلك لأن الآثار الناتجة عن سخونة المياه السطحية في المحيط الهادئ – مثل سقوط الأمطار على الصحاري الجافة في بيرو – تظهر في فترة أعياد الميلاد.
على مدى أشهر – وأحيانًا على مدى سنوات – تتبدد الحرارة الموجودة في الطبقة السطحية من المحيط الهادئ، وترتفع المياه الأبرد إلى السطح بمساعدة التغيرات في الرياح التجارية. ويتسبب ذلك إما في العودة إلى الظروف الطبيعية، أو إلى حدوث ظاهرة النينيا (وتعني «الفتاة» باللغة الإسبانية) التي تجلب الماء البارد، والغني بالمغذيات، والذي يعتبر نعمةً للحياة البحرية؛ مما يؤدي لوجود عدد أكبر من الأسماك، وزيادة صيد الأسماك قبالة ساحل بيرو.