ما هي العملات الرقمية؟

العملة الرقمية هي وسيلة تبادل يتم إنشاؤها وتخزينها ونقلها إلكترونياً. لا ترتبط العملات الرقمية عادة بحكومة أي بلد ولا ممثلة بأشكال فعلية مثل العملات المعدنية  وبالعملات التقليدية. إن Cryptocurrencies ، أكثر أنواع العملة الرقمية شيوعًا ، تعتمد على التشفير لتأمين العمليات المتضمنة في توليد الوحدة النقدية وإجراء المعاملات. يتم استخدامها للمشتريات عبر الإنترنت ويتم قبولها من قبل عدد متزايد من التجار. تعتبر أول عملة مشفرة معتمدة على نطاق واسع ،” Bitcoin “، وهي تعتمد على نموذج blockchain لمنعها من الفشل وللتأكد من أن سجل المعاملات مقاوم للتلاعب.

التطور التاريخي :

عام 1977 ظهرت خوارزمية RSA وهي من اختراع الثلاثي ليونارد أدليمان و آدي شامير و رونالد ريفست في معهد ماساتشوستس للتقنية والتي أعلن عنها حينها وتم نشر ورقة اختراعها، وهي في اختصارها تتكون من 3 أحرف هي الأحرف الأولى لأسمائهم. الفائدة من هذه الخوارزمية التي شكلت النواة الأولى لهذه العملات هي أنها تسمح بتلقي الإيرادات والأموال عن طريقها. بعدها بسنوات طويلة وبالضبط عام 1993 اخترع عالم الرياضيات ديفيد تشوم ecash، ما يقال بأنها أول عملة مشفرة إلكترونية وهي التي اعتمدت على التشفير. وبعدها عمل ديفيد تشوم على جمع الأموال لتمويل فكرته ونجح بالطبع في إنشاء شركة DigiCash التي تدير هذه العملة الرقمية المركزية، إلا أنه وبسبب تأخر التجارة الإلكترونية وعدم تناميها كثيرا في ذلك الوقت لم يتمكن من اقناع الشركات والتجار باستخدام عملته.

خلال 1997 اخترع آدم باك نظام للحد من البريد الإلكتروني المزعج ويدعى Hashcash وهو الذي تم دمجه أيضا في خوارزمية وشفرة العملات الرقمية مع تطويره بالطبع. خلال 1999 تم إطلاق أول بنك إلكتروني ونتحدث عن باي بال الذي يساعد في تحويل الأموال عبر الإنترنت وقد عزز نجاحه واقبال الناس عليه في التأكيد على ضرورة إطلاق عملات رقمية وإلكترونية تستخدم في تحويل الأموال.

في أكتوبر 2008 وفي ظل الأزمة العالمية المالية نشر شخص مجهول يدعى ساتوشي ناكاموتو ورقة يتحدث فيها عن طرق تحويل الأموال بدون مراقبة الحكومات والسلطات المالية. كما  تم إنشاء البلوك تشين من طرف شخص مجهول والذي يقال أيضا أنه يمكن أن يكون اسما مستعارا لمجموعة من الأشخاص عملوا على هذه التقنية التي أثارت أنظار البنوك والمؤسسات المالية . عام 2009 وبالضبط خلال شهر يناير تمكن ذلك الشخص الذي يقف وراء بيتكوين من تعدين 50 وحدة منها وبعدها بأيام تمت أول صفقة للعملة بين ناكاموتو وهال فيني. عام 2011 وصل سعر بيتكوين إلى 1 دولار أي أنها تساوت معها في القيمة وهذا حسب تداولات بورصة MTGOX وبعدها ظلت تتزايد قيمة هذه العملة. بعد ذلك بدأت تظهر عملات رقمية جديدة منافسة للعملة الأصلية ومبنية على البلوك تشين مع قدوم كل واحدة منها بتقنية بلوك تشين مخصصة ومطورة ومعدلة لصالحها، وضمن هذه الأسماء نجد الريبل XRP التي تأسست عام 2012 ثم لايتكوين و الإيثريوم هذه الأخيرة تأسست عام 2015 حتى أصبح عددها أكثر من 1590 عملة رقمية الآن.

أنواع العملات الرقمية:

العملة الافتراضية:

تم تعريف العملة الافتراضية في عام 2012 من قبل البنك المركزي الأوروبي بأنها “نوع من الأموال الرقمية غير المنظمة، والتي تصدر وعادة ما يسيطر عليها المطورين، يتم استخدامها وقبولها بين أعضاء مجتمع افتراضي معين”. وقد عرفتها وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2013 بإيجاز أكثر على أنها “وسيلة للتبادل تعمل كعملة في بعض البيئات، ولكنها لا تملك جميع خصائص العملة الحقيقية”.

العملة المعماة (المشفرة):

هو نوع من الرمزية الرقمية التي تعتمد على التشفير لتسلسل معا التواقيع الرقمية للتحويلات الرمزية، الند للند الشبكات واللامركزية. في بعض الحالات يتم استخدام مخطط إثبات العمل لإنشاء وإدارة العملة.

 

 

المصارف المركزية:

يشارك أكثر من 90 مصرفا مركزيا في مناقشات بالدعوة إلى عقد مؤتمر دبلوماسي لاعتماد معاهدة بشأن قانون التصاميم ، بما في ذلك الآثار المترتبة على العملة المركزية الصادرة عن المصارف المركزية.

كندا:

استكشفت كندا إمكانية إنشاء نسخة من عملتها على بلوكشين. تعاون بنك كندا مع أكبر خمسة بنوك في البلاد – وشركة بلوكشين الاستشارية R3 –عندما كان يعرف باسم مشروع جاسبر. في محاكاة تشغيل في عام 2016، أصدر البنك المركزي الكندي كاد كعملات معدنية على بلوكشين مماثل لإثريوم. واستخدمت البنوك عملات كاد لتبادل الأموال بالطريقة التي يقومون بها في نهاية كل يوم لتسوية حساباتهم الرئيسية.

الصين:

صرح فان يى نائب حاكم البنك المركزي الصيني ان “الظروف مؤاتيه للعملات الرقمية التي يمكن ان تقلل من تكاليف التشغيل وزيادة الكفاءة وتمكين مجموعة واسعة من التطبيقات الجديدة”. ووفقا لفان يفي، فإن أفضل طريقة للاستفادة من هذا الوضع هي أن تأخذ البنوك المركزية زمام المبادرة، سواء في الإشراف على العملات الرقمية الخاصة أو في تطوير العطاءات القانونية الرقمية الخاصة بها.

ألمانيا:

يختبر البنك المركزي الألماني نموذجا وظيفيا لتسوية بلوكشين المستندة إلى التكنولوجيا للأوراق المالية ونقل العملات الرقمية الصادرة مركزيا.

روسيا:

تمتلك سبيربانك التي تسيطر عليها الحكومة الروسية Yandex.Money – خدمة الدفع الإلكتروني والعملة الرقمية التي تحمل نفس الاسم.

سويسرا:

في عام 2016، قبلت حكومة المدينة أولا العملة الرقمية في دفع رسوم المدينة زوغ . كما أضافت سويسرا بيتكوين كوسيلة لدفع كميات صغيرة، تصل إلى 200 سفر، في اختبار ومحاولة لدفع زوغ كمنطقة التي تقدم التكنولوجيات المستقبلية.

المملكة المتحدة:

نصح كبير المستشارين العلميين في حكومة المملكة المتحدة رئيس وزرائه وبرلمانه بالنظر في استخدام العملة الرقمية القائمة على بلوكشين. واقترح كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، البنك المركزي للمملكة المتحدة، إلغاء العملة الورقية. كما قام البنك بتحصيل الفائدة على بيتكوين. وقد أصدر بنك إنجلترا العديد من الأبحاث حول هذا الموضوع.

كيف تعمل العملات الرقمية؟

العملات الرقمية وتحديدا البيتكوين هي عملات لا مركزية، اي لا يمكن لحكومة أو مؤسسة ما أن تتحكم في إنتاج المزيد منها. ويتم التحكم في العملات الرقمية عن طريق تكنولوجيا تٌدعي سلسلة الكتل (Blockchain). و تم تعريف سلسلة الكتل في كتاب (ثورة سلسلة الكتل – Blockchain Revolution) على يد الكاتب دون تابسكوت وأخوه على أنها عبارة عن دفتر حسابات إلكتروني غير قابل للتلاعب به للمعاملات الاقتصادية التي يمكن برمجتها، ليس لتسجيل المعاملات المالية فقط ، بل لكل شئ له قيمة.

 

مميزات العملات الرقمية:

  • كسرت الحواجز الجغرافية ، ووفرت للمستهلك قدرًا كبيرًا من الأموال النقدية في النهاية لعملية الشراء.
  • السرعة الفائقة، حيث يتم تحويل ما تريد من مال في أقل من ثواني بغض النظر عن مكان المرسل والمتلقي ، على عكس طريقة البنوك التقليدية التي تستغرق فترات طويلة قد تصل إلى أيام .
  • التكلفة المنخفضة جدًا، حيث تكلفة عمليات تحويل الأموال بالبيتكوين تقريبًا مجانية أو مبلغ لا يٌذكر.
  • الحماية والشفافية، حيث أن كل عملية اقتصادية أو مالية يتم حفظها في كتلة و توزيعها على ملايين الحواسيب حول العالم، مما يجعل عملية اختراقها مستحيلة عمليًا، كما أن العملية المالية تتم أمام العالم كله مما يجعل محاولات التلاعب بها مستحيلة.
  • لا مركزية أي غير تابعة لأي بنك مركزي.
  • يستخدم Cryptocurrency نموذج “push” الذي يطالب حامل cryptocurrency بإرسال ما يريدونه بالضبط إلى البائع دون أي زيادة في المعلومات.

مخاطر العملة الرقمية:

إن العملة الرقمية لا تخلو من المخاطر. حيث يلاحظ ميلتون فريدمان عالم الأقتصاد الأمريكي أن كبار المستثمرين مثل راي داليو، مؤسس شركة استثمارية “بريدج ووتر”، أطلق على بيتكوين اسم  “فقاعة”، في حين جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لشركة جي بي مورغان انتقد العملة المخفية غير الظاهرة ، وغير المدعومة من قبل الحكومة. يقول فريدمان إنه يجب على المستثمرين أيضًا التفكير في العديد من المخاطر قبل الأستثمار ، بما في ذلك تقلبات الأسعار والتدخل القانوني النظامي.

وتوقع فريدمان تقلبات حادة في أسعار هذه العملات مع تطور الأسواق . وقد شهدت العملات المشفرة نموًا هائلاً ، رغم ذلك فإنها تظل في الوقت الحالي جزءًا صغيرًا نسبيًا من النظام الأقتصادي المالي العالمي. وسيواصل المنظمون وصانعو السياسات مراقبة عمليات التشفير لتحديد أي تأثير محتمل للاستقرار المالي العالمي .

ومن سلبيات هذه العملة أيضا أن الثقة التي تعد أهم قيمة للعملات، يمكن أن تتبخر في أي لحظة نتيجة هشاشة عملية التدقيق التي تضمن إتمام المعاملات، كما أن العملة الرقمية يمكن أن تتوقف تماما ما يعني خسارة القيمة بالكامل . أن التدقيق في أي معاملة يأخذ في التباطؤ مع كل عملية، فكلما ارتفع عدد العملات المتداولة كلما زاد الوقت المطلوب للتداول وصولا إلى عدة ساعات.

وهناك خطر آخر يحيط بالعملات الافتراضية وهو احتمالية عدم إتمام المعاملة لأي سبب ما يعني خسارة المتداول بالعملات الرقمية الافتراضية للثروة. ولأن تلك العملات وتداولها لا يخضع لأي قواعد، فلا يوجد أي سند لها في حال خسارة المتعامل لثروته وهو خطر حقيقي مع وجود آخرين لديهم مهارات اختراق أوسع تمكنهم من “خطف” ثروة غيرهم. وباستثناء عدد قليل من جهات التعامل الرسمية فإن كثيرا من “بورصات” تداول العملات الرقمية الافتراضية تبين أنها لا تعدو عمليات نصب منظمة تستخدم التكنولوجيا لنهب ثروات الأفراد.

أهداف العملات المشفرة والرقمية:

الهدف الظاهر لهذه العملات هو استخدامها في الدفع الإلكتروني على الإنترنت والمعاملات التجارية وكذلك لنقل الأموال وتحويلها بسرعة من أي بلد لآخر بدون حدود ودون معوقات ودون أي حد للتحويل اليومي والآني.  ومع هذه العملات أصبحت عملية تحويل مليارات الدولارات سهلة للغاية وتتم في دقائق مع خصوصية عالية حيث لا يتم الكشف عن أطراف الصفقة، وهذا غير ممكن في الواقع حيث البنوك المركزية عادة ما تضع حدودا للسيولة المالية التي ستخرج من البلاد وتعمل على الرفع من السيولة الواردة إليها. كما جاءت لتستخدم في شراء السلع والمنتجات والبيع وتلقي العائدات والأرباح على أشكال عملات رقمية قابلة لصرفها إلى الدولار والعملات النقدية.

أن هذه العملات لديها بورصات للتداول هي منصات التداول الإلكترونية الموزعة حول العالم، وهي التي تتيح للباحثين عن الاستثمارات المربحة شراء كميات منها وبيعها عندما ترتفع قيمتها.

 

نصائح التوظيف :

لا يوجد عملة بعينها أستطيع أن أرشحها لكن سأذكر بعض المعلومات العامة التي قد تفيد عند أختيار العملة المناسبة للاستثمار فيها :

– تأكد من أن العملة يعمل عليها فريق تطوير نشط وفعال ومطور جيد للعملة ويتم معرفة ذلك من خلال متابعة أخبار العملة على موقعهم الرسمي أو حسابهم على تويتر وفيسبوك أو منتدى بيتكوين توك أو غيره.

– ابحث عن العملة التي يكون فيها Circulating Supply قليل وذات ماركت كاب مرتفع وسعرها يكون زهيد.

– احرص على أن تكون العملة مضافة لمنصات تداول معروفة وحجم التداول عليها كبير وذات Volume مرتفع.

– عند الاستثمار في العملة انتظر حتى وصولها لأقل سعر ولا تشتري وهي في الارتفاع إلا إذا كان الاستثمار طويل المدى لأكثر من سنة أو سنتين على الأقل.

– ابحث عن العملة جيداً، تابع كل أخبارها، أي مقالات عنها، رأي المتداولين فيها، ابحث عن أي شيء يخص العملة قبل الشراء.

أهم العملات الرقمية :

أشهر أنواع العملات الإلكترونية.

البيتكوين: وهي من أشهر العملات الإلكترونية في العالم، ظهرت في عام 2009 على يد ساتوشي ناكاموتو، لتكون تلك البيتكوين العملة هي بداية ظهور العملات الإلكترونية، كما أنها الأعلى من حيث القيمة السوقية.

الليتكوين: في عام 2011، قام تشارلي لي المهندس السابق لدى شركة جوجل باختراع عملة اسمها ليتكوين (LTC)، ظهرت كعملة منافسة للبيتكوين، ولكنها لم تستطع زحزحة البيتكوين من مكانها.

الريبل: ظهرت في عام 2013، واستطاعت أن تحتل المرتبة الثالثة في عالم العملات الرقمية من حيث السيولة، تختلف عملة الريبل عن عملة البيتكوين، حيث أن الثانية تريد أن تستبدل نظام المصرفي التقليدي، أما الأولى لا تريد إلغاءه بل تريد دعمه.

داش: ظهرت في يناير 2014، حيث قام إيفان دوفيلد بإنتاج عملة داش (Dash) وهي عملة رقمية تعتبر نسخة أكثر سرية من بتكوين.

الإيثريوم: في عام 2015، قام المبرمج الروسي فيتاليك بوتيرين باختراع ثاني أشهر وأفضل العملات الرقمية على الإطلاق، عملة الإيثريوم (Ethereum)، تلك العملة الافتراضية التي تتميز بأنها عملة ومنصة لا مركزية في الوقت ذاته، فهى عملة رقمية مفهوم وضعها وماهيتها، بينما كمنصة فهي أمر في غاية الأهمية. الإيثريوم يهدد وظيفة عمل الحكومة، حيث أنه هذا النظام يسمح بإنشاء عقود ذكية بطريقة تحاكي العقود التقليدية، ويتأكد من أن جميع بنود العقد قد تم الإيفاء به ويضمن عدم الإخلال بأي شرط من شروط العقد، وهو بالضبط دور السلطة في الحياة الواقعية.

أسعار أهم العملات الرقمية بتاريخ 5 كانون الثاني 2019 :

اسم العملة السعر $
بيتكوين 3897,44
أيثريوم 159,47
ليتكوين 35,59
داش 81,68
كاردانو 0,045
ترون 0,023
نم 0,065

 

رأي المؤسسات الدولية :

تقرير بنك التسويات الدولية ( BIS):

وصف تقرير بنك التسويات الدولي BIS في سويسرا، العملات الرقمية الافتراضية مثل بيتكوين وإيثريوم ولايتكوين وغيرها، بأنها خطرة وضارة وعديمة القيمة ووسيلة لانهيار قيمة الأصول. وخصص التقرير السنوي للبنك المعروف بأنه البنك المركزي العالمي للبنوك المركزية الوطنية، فصلا كاملا عن العملات الافتراضية ومدى ما تشكله من خطورة على النظام المالي العالمي وعلى ثروات الأفراد. لكن تقرير بنك التسويات الدولي يفصل ما بين العملات الافتراضية وبين تكنولوجيا التعامل بها المعروفة باسم “بلوكتشين” والتي بدأ استخدامها لأمانها التقني الشديد. ورغم أن دولا تجرب تكنولوجيا البلوكتشين مثل كندا (مشروع جاسبر) واليابان (مشروع ستيلا) وسنغافورة (مشروع أوبين) إلا أن أيّا منها لم تقدم على إصدار عملة رقمية افتراضية.

ومن سلبيات هذه العملة أيضا أن الثقة التي تعد أهم قيمة للعملات، يمكن أن تنهار ببساطة لتجعل العملة بلا قيمة، حيث ذكر التقرير: “يمكن للثقة أن تتبخر في أي لحظة نتيجة هشاشة عملية التدقيق التي تضمن إتمام المعاملات، كما أن العملة الرقمية يمكن أن تتوقف تماما ما يعني خسارة القيمة بالكامل”. ويقارن التقرير ذلك مع شركتي بطاقات الائتمان فيزا وماستركارد اللتين تنتهيان من 5600 عملية في الثانية، وبكلفة لا تكاد تذكر، أما مع معاملات البيتكوين وأمثالها ترتفع كلفة المعاملة الواحدة لتصل إلى 48 دولار.

وفي النهاية يؤكد تقرير بنك التسويات الدولي أن مشكلة العملات الرقمية الافتراضية ليست في التكنولوجيا من ناحية الأمان أو سهولة الاختراق، ولكنها مشكلة بنيوية بالأساس يصعب حلها بإخضاعها للقواعد أو التنظيم.

صندوق النقد الدولي :

قالت كريستين لاغارد، مدير عام صندوق النقد الدولي، إن” رياحا جديدة تهب علي اقتصادات العالم وهي رياح الرقمنة، حيث يعيد جيل الألفية اختراع طريقة عمل الاقتصاد، وهم يحملون هواتفهم في أيديهم”. وذكرت لاغارد، في مهرجان التكنولوجيا المالية بسنغافورة، أن “النقود ذاتها تتغير، ومن المتوقع أن تصبح أكثر ملاءمة وسهولة في الاستخدام، وربما يصبح شكلها أقل جدية. ودعت إلى “دمج النقود في وسائل التواصل الاجتماعي، حتى يتسنى استخدامها بسهولة على شبكة الإنترنت ومن شخص إلى آخر، وهو ما يشمل المدفوعات متناهية الصغر، التي ستكون رخيصة وآمنة، وتتمتع بالحماية من المجرمين وأعين المتطفلين”.  وتساءلت مديرة صندوق النقد الدولي عن الدور الذي تبقى للنقد في هذا العالم الرقمي، بعدما بدأت اللافتات على واجهات المتاجر تقول بالفعل “لا يُقبل الدفع نقداً”، كما بدأت الودائع المصرفية تقع تحت ضغط أشكال النقود الجديدة.

كما دعت لاغارد البنوك المركزية لإصدار عملات رقمية، وأن تعمل الدول على سد الفراغ الذي أسفر عنه انسحاب النقد رويدا رويدا. وتساءلت عن جدوى إصدار البنوك المركزية عملة رمزية رقمية بضمان الدولة مثل النقد السائل حاليا. ولفتت إلى أن بنوكا مركزية عديدة حول العالم تنظر جدياً في تطبيق هذه الأفكار، منها كندا والصين والسويد وأوروغواي، حيث تتبنى التغيير والفكر الجديد.

كما ناقش مقال كتبه نائب مدير قسم الأسواق النقدية ورأس المال بصندوق النقد الدولي Dong He، كيف أن العملات الرقمية قد يكون لها تأثير سلبي، على الطلب، على أموال البنك المركزي في المستقبل، وأن البنوك المركزية يجب أن تتكيف مع المشهد المالي المتغير الناجم عن العملات الرقمية، ويؤكد المقال أن الأصول الرقمية قد تقلل، في يوم من الأيام، الطلب على أموال البنوك المركزية، مضيفًا أن البنوك المركزية يجب أن تفكر في تنفيذ إجراءات تتحاشى بها الضغط التنافسي الذي قد تسببه الأصول الرقمية على العملات الورقية، وجعل العملات الورقية أكثر ملاءمة للعصر الرقمي.

البنك المركزي الأوروبي:

البنك المركزي الأوروبي لديه مخاوف قوية من تأثر قوة اليورو سلبيا ومن فترة القلق السياسي التي تمر بها ألمانيا الآن، وأيضا من إعادة أصحاب الأعمال النظر في استراتيجيات الضرائب المفروضة عليهم، وكذلك التحرك العمالي المنظم تجاه السياسة التجارية للإدارة الأمريكية.ويكثف المصرفيون العاملون في البنوك المركزية التحذيرات من الـ “بيتكوين” وغيرها من العملات الرقمية المختلفة.

كما دعا رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي، في وقت سابق إلى ضرورة اعتبار العملات الرقمية أصولا محفوفة بالمخاطر.

بنك الاحتياطي الفيدرالي:

قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك ويليام دادلي، خلال منتدى السياسات المالية الذي عقد مؤخرا بمدينة نيويورك: هناك ما يمكن أن أصفه بهوس المضاربة في العملات الرقمية التي أرى أنها خطيرة جدا، لأنني لا أرى حقا ما هي القيمة الفعلية الحقيقية لبعض هذه العملات الرقمية.

العملات المشفرة تتحدى سيادة المصارف المركزية:

تتراكم يوما بعد يوم الأسئلة والتحديات الكبيرة التي تطرحها العملات الالكترونية المشفرة بشأن مستقبل النظام المالي العالمي والتهديد الذي تمثله لسيادة المصارف المركزية في العالم. وتشير البيانات في الأشهر الأخيرة إلى فورة هائلة في ميدان أسعار وانتشار تلك العملات بعد أن تمكنت من التغلب على الكثير من المخاوف والشكوك وتهديدات السلطات المالية بمحاربتها وفرض قيود على استخدامها. ويتضح ذلك في القفزة الصاروخية التي سجلتها العملة الأولى التي أطلقت عصر العملات المشفرة وهي بيتكوين، التي تضاعف سعرها أكثر من 4 مرات عن المستويات التي كان عليها قبل عام. هذه العملة تستأثر لوحدها اليوم بأكثر من 60 بالمئة من القيمة الإجمالية لجميع العملات المشفرة المتداولة في العالم، والتي تصل إلى نحو 50 مليار دولار، بعد أن تضاعفت هي الأخرى بنحو أربعة مرات خلال عام. ذلك المبلغ يبدو ضئيلا جدا مقارنة بمئات تريليونات الدولارات المتداولة في النظام المالي العالمي، لكن عدد المستخدمين وعدد العملات المشفرة الجديدة ورضوخ بعض المصارف والدول لحتمية التعامل بها في المستقبل يمكن أن يقلب المعادلة على المدى البعيد.

التقارير تشير إلى أن اليابان أصبحت أكثر دول العالم قبولا للعملات المشفرة، وأن تداولات بيتكوين مقابل الين تستأثر حاليا بنصف تداولاتها مع جميع العملات العالمية. وقد لوحت روسيا التي تعاني من وطأة العقوبات المالية الغربية التي تعزلها عن النظام المصرفي، بأنها يمكن أن تدخل العملات الالكترونية المشفرة في التداول، لأنها لا يمكـن رصـدها مـن قبـل النظام المالي العالمي ويمكن أن تخفف وطأة العقوبات عليها. كما سمحت الهند في يناير الماضي بإنشاء أول منصة لتبادل عملات بتكوين، الأمر الذي يفتح سوقا هائلة لانتشارها. بل إن تضييق السلطات الصينية على استخدامها أصبح يؤدي إلى نتائج عكسية. فقد أدى إلى تزايد تعامل الصينيين بها وخاصة للالتفاف على قيود هجرة رؤوس الأموال إلى الخارج.

لماذا تقضي عملات البنوك المركزية  الرقمية على العملات المشفرة:

في حال إصدار عملة رقمية من قبل أي من البنوك المركزية، فستطيح في الحال بالعملات المشفرة، التي تتسم بأنها غير قابلة للقياس، وغير رخيصة أو آمنة، كما أنها غير مركزية بالفعل. فضلا عن ذلك، فإن العملات المشفرة مثل البتكوين لا تكون هوية أصحابها في الواقع مجهولة، نظرا لاستخدام الأفراد والمنظمات محافظ مشفرة تترك بصمة رقمية. وستتخذ السلطات، التي تسعى لتتبع المجرمين والإرهابيين بطريقة مشروعة، إجراءات صارمة قريبا ضد محاولات إنشاء عملات مشفرة ذات خصوصية تامة. علاوة على ذلك، سيكون أي نظام قائم على العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية مصدر دعم للشمول المالي لما سيترتب على ذلك من تحويل المدفوعات من البنوك الخاصة إلى البنوك المركزية. وسيكون بوسع الملايين ممن لا يتعاملون مع البنوك إمكانية الوصول لنظام دفع فعال شبه مجاني من خلال هواتفهم الجوالة . وقد يرقى هذا إلى مستوى الثورة المالية ــ لكنها ستكون ثورة عظيمة الفوائد، إذ ستكون البنوك المركزية في وضع أفضل يسمح لها بالتحكم في فقاعات الائتمان، ووقف الاندفاعات لسحب الودائع من البنوك، ومنع التفاوتات في آجال الاستحقاق، وتنظيم قرارات البنوك الخاصة بشأن عمليات الائتمان أو الإقراض التي قد تنطوي على مخاطر.

لم تقرر أي دولة حتى الآن المضي قدما في هذا السبيل، ربما لأنه يستلزم استغناء جذريا عن الوساطة المالية لقطاع البنوك الخاصة. ويتمثل أحد البدائل المتاحة للبنوك المركزية في إعادة إقراض البنوك الخاصة الودائع التي تحولت إلى عملات رقمية تابعة للبنك المركزي. لكن في حال كون الحكومة هي المودع الوحيد في البنوك والمزود الوحيد لها بالأموال، ستكون مخاطرة تدخل الدولة في قرارات الإقراض بهذه البنوك واضحة جلية.

المصدر: مجلة الاقتصاد والاعمار