في ستينيات القرن الماضي سعت الاستخبارات المركزية الأمريكي (سي آي إيه) لاستخدام القطط في التجسس على الاتحاد السوفيتي، وهذه القصة المدهشة لمهمة القطط في زمن الحرب الباردة نشرت حولها صحيفة الباييس الإسبانية مقالًا تأمل فيه الكاتب بداية الفكرة وما وصلت إليه في النهاية.
قطة صمّاء.. باختيارها
أشار الكاتب في البداية إلى قطته ميا التي اعتقد أنها صمّاء، أو أن لديها نوعًا من الخلل في الوظائف السمعية، إذ كانت لا تسمع جيدًا، يقول: في الأيام الأولى حين كنت أناديها لم يكن الأمر إنها لا تأتي فقط، فحين كنا نتواجد في الغرفة نفسها أيضًا لم تكن تلتفت إليّ. كنت أفهم أنها لا تعرف اسمها بعد، لكنني لم أعد كذلك حين زاد إصراري على لفت انتباهها بينما هي لا تدير حتى رأسها إلىّ، لقد شاركني الاعتقاد بعض أصدقائي، وسألونى عما إذا كانت قطتي صمّاء.
ولم يكن الأمر هكذا، ببساطة الأمر يحدث لنا جميعًا. استغرقتُ عدة أيام لأدرك أنه قصور اختياري في الانتباه، وخلال أسبوعين كانت تتعرف على صوت فتح الثلاجة، وتتابع خطوات القادمين إلى المنزل، حتى أنها كانت تتمكن من تحديد مكان أي شيء يسقط على الأرض في أنحاء المنزل.
لذلك حين قرأت قصة مهمة القطة السمعية في «سي آي إيه» لم أقتنع بأن أشخاصًا يُعتبرون – وفقًا للأفلام- الأكثر ذكاءً في العالم، حاولوا بالفعل على مدى سنوات إدخال القطط في عملهم وتحويلهم إلى جواسيس. كانت المهمة تسمى Acoustic Kitty.
لكن ما نحن بصدد التفكير فيه هو: هل حقًا فكر عملاء «سي آي إيه» في لحظة ما أن بوسعهم إعداد القطط لتقوم بشيء ذي قيمة لعملهم؟ ألم يكن لدى أحدهم قطة؟ أو صديق يمتلك واحدة؟ ألم يفكروا في الأيام الأولى أنهم لن يخطوا خطوة واحدة في هذه المهمة؟
المهمة المجنونة
وفقًا لما يقوله روبرت والاس و ه. كيت ميلتون في كتاب Spycraft، فقد أتت الفكرة بعد التحقق من أنه خلال اجتماع أحد رؤساء الدول الآسيوية مع فريقه، كنت هناك قطط تتحرك في القاعة بحرية دون أن يلاحظها أحد، وهكذا فكّر أحدهم في أنها قد تكون فكرة جيدة أن يصبح أحدها جاسوسًا ناجحًا جدًا.
كانت التجربة من البداية تنطوي على مخاطر عالية جدًا، ومع ذلك فقد بدأت تجارب إعداد القطط، بإدخال أجهزة تكنولوجية في أجسادها؛ هوائي وميكروفون وجهاز إرسال وبطارية، وكان مفتاح نجاح التجربة هو إدخال هذه الأجهزة إلى جسم القط دون أن يؤثر ذلك على صفاته الجسدية ودون أن يطرأ تغيير على تصرفاته بشكل يلفت النظر إليه.
لم يُحدث جهاز الإرسال أية مشكلة، لكن لحم القط -إذا لم تكن تعلم ذلك- فهو موصّل سيء جدًا للصوت، وهذا كان سبب اختيار الأذنين لزرع الميكروفون، وكان متصلًا بكابل دقيق جدًا تمت خياطته في شعر القط.
بعد ذلك كان لدى عملاء «سي آي إيه» ما أرادوه بالفعل، فقد كانت تصرفات القطط وردود أفعالها طبيعية ولم تخرج عن المألوف من القطط، وبعد التأكد من ردود الفعل السلبية المحتملة من الرأي العام حول التلاعب بالحيوانات تم إعطاء الضوء الأخضر للمضي قدمًا في العملية، لكن بقيت تفصيلة صغيرة: القطط تفعل ما يحلو لها هي، تذهب حيث تريد وتعود متى تشاء. إن السيطرة عليها تبدو وهمًا.
إذا شعر القط بالجوع فستفشل المهمة
الشكوك الأولى حول جدوى تدريب القطط نشأت في الأسابيع الأولى أيضًا من التعامل معها. لم تكن هناك من طريقة للتحكم في حركة القطط. إلى جانب أن اختيار القطط كان بالأساس لقدرتها على الانتباه للأصوات جيدًا، لكن هذه الصفة كانت عيبًا أيضًا، فهي تلتفت لكل صوت جديد المهم وغير المهم، وكان من الصعب دفعها للانتباه إلى نوع معين من الأصوات، كما اكتشفوا أن المهمة معرضة للفشل تمامًا إذا شعر القط بالجوع، وقاموا بعدة تجارب وسيناريوهات مختلفة وخرجوا بالنتيجة نفسها، لا توجد طريقة.
تقول القصة إن محاولات زرع قطة في سفارة الاتحاد السوفيتي نجحت وإن القطة تمكّنت من التخفّي إلى أن صدمتها سيارة. لكن هذا خطأ بكل تأكيد، من يصدق أن نصل لأن تواجه قطة سفارة بأكملها؟ الأمر مستحيل جسديًا.
سجلّ هذا المشروع يقول إن كل شيء كان على ما يرام، وأن التجارب كانت ناجحة، والقطط أصبح بإمكانها السفر لمسافات قصيرة، لكن ليس واضحًا كيف يمكن القول بأن كل هذه المراحل أمكن قطعها في حين أنها لم تثمر في النهاية، وكان إعلان أن الأمر «لم يكن عمليًا»، مجرد تعبير لطيف تم استخدامه ربما «حتى لا تغضب قطط العالم».
يقول الكاتب إنه مفتونًا بالقصة حاول الاتصال بقسم الاتصالات في المخابرات المركزية، لكنهم أخبروه أن هناك أمورًا أكثر أهمية من الحديث عن القطط، وأخيرًا أن المعلومات متاحة ويمكن الاطلاع عليها.
تم الكشف عن بعض جوانب هذه التجربة التي استغرقت خمس سنوات تقريبًا وتكلفت ما يقارب 10 ملايين دولار، لكن الولايات المتحدة احتفظت بالكثير منها ربما لإعادة التجربة مرة أخرى، لكن المغامرة بحيوان تم إنفاق الملايين عليه لإعداده لمثل هذه المهمة الخطيرة، دون حماية له من النهايات السيئة التي لا يعلمها أحد تظل أحد المعوقات الكبرى لهذه التجربة.