استطاعت مجموعة من الخبراء الروس اكتشاف كنز مهم وخطير على الحدود السودانية المصرية بالقرب من مثلث حلايب.
وعملت البعثة الأثرية الروسية في موقع "دراهيب" الأثري، على الحدود السودانية المصرية بالقرب من مثلث حلايب.
ويقع موقع "دراهيب" في منطقة وادي العلاقي، أحد أشهر الأماكن تاريخيا في التنقيب عن الذهب في السودان، وذلك على بعد خمسة كيلومترات من مثلث حلايب، وفرضت عليه السلطات السودانية حماية واسعة النطاق، بعدما تردد عليه الكثير من طلاب الثراء السريع، الباحثين عن الذهب.
وخلال عملها كشفت البعثة على واحد من أهم المواقع الأثرية في التاريخ وعثرت على ما هو أهم وأغلى من الذهب، ألا وهي أسرار من قبل عصور الفراعنة وحتى العصور الوسطى بعد الفتح العربي.
موقع دراهيب
وقال مدير البعثة الروسية والباحث الروسي كرول أليكسي ألكسندروفيتش: "يقع موقع دراهيب الأثري في ولاية البحر الأحمر بجمهورية السودان عند منابع وادي العلاقي على مسافة 400 كم. ويبعد عن النيل ما يقرب من 200 كم من ناحية البحر الأحمر".
وتابع قائلا: "يشمل الموقع الأثاري: قلعتين، قرية، المقبرة الجنوبية، المقبرة الشمالية، بيوت عمال مناجم الذهب، ومناجم الذهب التي تعود للعصور الوسطى والقديمة".
وأرجع الأثري الروسي اختيار ذلك الموقع تحديدا، لتلك البعثة: "الآثار الواقعة بالقرب من العمران إما أن تستكشف أو يدمرها. لكن المناطق التي يصعب الوصول إليها لا تزال تحتوي على مواقع أثرية لم يدرسها العلماء".
وأضاف"هذا بالضبط ما حدث مع دراهيب. فعلى الرغم من أنه موقع أثري من الدرجة الأولى نظرا لأهمية المعلومات التاريخية التي سيتم الحصول عليها في عملية دراستها، فإنه لم يدرس تقريبا".
وتابع قائلا: "السبب في ذلك هو أنها تقع في عمق الصحراء النوبية ومن الصعب الوصول إليها".
بعثة سوفيتية
وتحدث المدير الميداني للبعثة الروسية، أن روسيا مهتمة بمنطقة "وادي العلاقي" منذ عهد الاتحاد السوفيتي، حيث كانت البعثة النوبية لأكاديمية العلوم في الاتحاد السوفيتي سابقا، تعمل مع اليونيسكو، على دراسة الآثار التي سقطت في منطقة الفيضان، بسبب بحيرة ناصر، أثناء بناء السد العالي في أسوان جنوبي مصر.
وأوضح أليكسي كرول أن "العلماء السوفييت تمكنوا حينها من دراسة العديد من المعالم الأثرية المهمة على ضفاف النيل، على سبيل المثال، الأماكن التي عاشت فيها الأسرة الأولى حور داود، والتي على الأرجح كانت أحد العوامل المثرة في طريق حركة البضائع من أفريقيا إلى مصر".
وتابع: "بالإضافة إلى ذلك، تم استكشاف مجرى النهر الذي حدث له جفاف في وادي العلاقي وكان على عمق 100 كم، تم أيضا اكتشاف العديد من النقوش على الجبال الممتدة على طول مجرى النهر والتي تركها المشاركون في البعثات التي أتت في الماضي إلى هنا لاستخراج الأحجار الثمينة، والأهم، الذهب".
واستطرد "يعتقد أن واحدة من قرى عمال مناجم الذهب تقع في دراهيب، وتم استخراج الذهب في وادي العلاقي، أثناء حكم الدولة البطلمية في مصر، والتي تأسست بعد وفاة الإسكندر الأكبر".
وتقع منطقة وادي العلاقي بالقرب من نهر جاف كبير، كان ينبع من تلال البحر الأحمر وخاصة جبل علبة ويصب في الجزء الجنوبي من وادي النيل في مصر، وبعد بناء السد العالي وامتلاء بحيرة ناصر بالمياه عام 1967 دخلت المياه وادي العلاقي، وأصبح جزءا من البحيرة ونتيجة انخفاض منسوب المياه في السنوات الأخيرة بالبحيرة انحسرت المياه عن جزء كبير من هذا الوادي، حيث تتوافر فيه الخضرة وترعى الحيوانات فيه صيفا وعلى تلال البحر الأحمر شتاء، وهناك نموذج ملائم من التنمية يتمثل فـي تشجير المنطقة بأشجار السنط، وكذلك استخدام المياه الجوفية في الـري، وتبعد محمية وادي العلاقي عن العاصمة المصـرية 950 كم.
ويوجد في وادي العلاقي أكثر من 12 منجما من الذهب، تم حفره من قبل الفراعنة الأجداد ولازالت قائمة ومفتوحة.
الفتح العربي
وتطرق الأثري الروسي إلى أن الوضع بالنسبة لوادي العلاقي ومنطقة دراهيب، تغير كثيرا بعد الفتح العربي، وتحديدا في الفترة ما بين القرن التاسع والقرن الإثنى عشر، التي كانت ذروة ازدهار المنطقة تاريخيا.
وأوضح بقوله "تم إرسال حملة عسكرية أثناء حكم ابن طولون في الصحراء النوبية، لقمع القبائل المحلية التي سرقت القوافل الغنية المحملة بالبضائع من ميناء عزب البحري على البحر الأحمر إلى أسوان، وعرقلت سفر الحجاج من بلدان المغرب العربي وإسبانيا الإسلامية ومصر المتجهة إلى الحج".
وأردف "بالفعل تم السيطرة على هذه القبائل، وبدأ إنتاج الذهب بشكل لم يسبق له مثيل في منطقة وادي العلاقي، وهو ما جعل الناس الراغبين في الثراء السريع يهرعون من جميع أنحاء الخلافة إلى المنطقة".
واستمر "منذ ذلك الحين أصبح مركز التنقيب عن الذهب هو مدينة العلاقي، دراهيب حاليا".
وتعد منطقة "وادي العلاقي" واحدة من أكثر المحميات الطبيعية في العالم غناء بمختلف أنواع التراث الطبيعي، حيث يوجد بها حوالي 92 نوعا من النباتات دائمة الخضرة والحولية، مثل الكلخ والحنظل والسينامكي والسواك وغيرها.
كما يوجد بها 15 نوعا من الثدييات مثل: الجمال والماعز والحمار البري والغزلان والضباع وغيرها. ويعيش في وادي العلاقي حوالي 16 نوعا من الطيور المقيمة مثل: الحباري والصقور والحجل والرخمة والعقاب والبط والنعام وغيره.
ويوجد بها قرابة 42 محجرا تضم الرخام والجرانيت، والتلك، والكوارتز، الجابرو والإنديزيت والسربنتين والحجر الرملي النوبي، بها تراكيب نادرة وتتوافر بها أحجار الزينة ومواد البناء والمعادن الاقتصادية الهامة.
وتتمنى البعثة الروسية، أن يهتم المجتمع الدولي بالكثير من الآثار المنسية، وأن يهتم الكثير من الناس بتلك المواقع الأثرية الهامة في تاريخ البشرية، والتي ينبغي أن يتم الحفاظ عليها للأجيال المقبلة.