تعد الصين من أوضح الأمثلة في وقتنا الحالي على مايعرف بالدولة التنموية السلطوية، حيث يكون تدخل الدولة في الإقتصاد والتنمية ذو ثقل كبير ومباشر  فتعمل الدولة على الترويج لصناعات أو تقنيات جديدة بعينها وتوجيه الإستثمارات بالإتجاه الذي تفضله الدولة. وتتكون الدولة من جهاز بيروقراطي ضخم مركزي أو شبه مركزي يعمل بفاعلية لتنفيذ توجهات رأس الدولة.وهذا مايحصل بالحالة الصينية بكل وضوح.

\فبينما احتاجت بريطانيا لمدة 60 عاماً لمضاعفة نموها الإقتصادي، إستطاعت الصين في المقابل أن تضاعف هذا النمو بسرعة فائقة بين عامي 2001-2015. الأسبوع المنصرم خرج الرئيس الصيني زي جينبينغ في خطاب طالباً من الحكومة والقطاع الخاص العمل على سرعة تطوير تكنولوجيا البلوكشين وإصدار التعليمات اللازمة حتى يتم وضع الصين في مقدمة العالم  في مجال التحول التكنولوجي المتعلق بتكنولوجيا البلوكشين.ففي الوقت الذي يغرد فيه ترامب ضد العملات الرقمية وأنها تشكل تهديداً لسيادة الدولار حتى وإن كانت هذه العملات مطورة من شركات امريكية من مثل عملة الليبرا الرقمية التي يسعى فيس بوك لطرحها عام 2020، يسارع البنك المركزي الصيني الخطى لاستصدار عملة رقمية تحل محل اليوان الورقي وقد تحل مكان الدولار في جميع تعاملات الصين التجارية الخارجية.فلم تكتف الصين والولايات المتحدة من الحرب المستعره بينهما فيما يتعلق بفرض رسوم جمركية قيمتها 550 مليار دولار على واردات الصين ، فردت الصين بفرض رسوم قيمتها 185 مليار دولار على الواردات الأمريكية.

وفي خضم قعقعة الأرقام منعت الولايات المتحدة هاتف الهواوي بحجة أن الشركة مرتبطة بالحكومة الصينية وقد تستخدم الشبكة التي يعمل عليها الهاتف للتجسس وبذلك حظرت جوجل استخدام تطبيقاتها.وتوالت الاجراءات التصعيدية التي ترمي لحفظ مكانة الولايات المتحدة في تفوقها التقني من خلال منع شركة هواوي من تصدير تكنولوجيا الجيل الخامس حيث تعتبر الشركة  من أهم مطوري هذه التقنية. فالحظر الذي فرضته إدارة ترامب إمتد أثره لبعض الدول الأوروبية فهذه التكنولوجيا ستشكل قفزة عظيمة فيما يتعلق بالهواتف النقالة وكذلك تواصل الاجهزة الذكية مع بعضها البعض. حيث سيصبح العالم قريباً جداً معتمداً على خاصية تخاطب الأجهزة الالكترونية مع بعضها البعض فيما يُعرف اصطلاحاً “إنترنت الأشياء”.

ومن أجل تحقيق إنترنت الأشياء المعتمدة على الجيل الخامس وتسهيل تواصل ملايين أو مليارات الاجهزة الذكية مع بعضها البعض والتي سينتج عنها كماً هائلاً من المعلومات فإننا نحتاج لناقل أمين عصي على الإختراق وله قدرة توسعة نطاق عمليات لاتضاهى وكل ذلك يتمثل بتكنولوجيا البلوكشين.كذلك سيستفيد القطاع البنكي والعقارات والشحن والصحة ونظام جباية الضرائب الصيني من تكنولوجيا البلوكشين بما تقدمه من شفافية وتتبعية لمصادر المعلومات وحركة  البضائع الأمر الذي سيؤدي إلى رفع كفاءة هذه القطاعات وخفض التكاليف وبالتالي زيادة تنافسية الصين عالمياً.وكما ذكرنا أعلاه فإن رغبة الصين وبنكها المركزي في استصدار عملة رقمية، والتي تعتمد بالأساس على تكنولوجيا البلوكشين يعني تخفيض التكاليف والبيروقراطية الناتجة عن طباعة العملة الورقية ومكافحة التزوير والفساد وغسيل الأموال.

فبما أن العملة الرقمية الصينية ستصدر عن جهة مركزية وهي البنك المركزي وستكون مبنية على تكنولوجيا البلوكشين فإن البنك المركزي والبنوك الأخرى التي تحوي أرصدة العملاء ستتمكن من تتبع حركة كل وحدة من وحدات النقد الرقمي وأين ذهبت وكيف تصرف بها مالكها. مما يعني تتبع دورة حياة العملة وتنقلها من محفظة مالك إلى آخر.وهذه النقطة تحديداً تثير حساسية فائقة فيما يتعلق بالخصوصية وكيفية إحكام الدولة قبضتها على حياة مواطنيها.

مايهم من هذا كله أن الصين تسعى بكل جد لإحلال عملتها محل الدولار في تعاملاتها التجارية الخارجية وجعل اليوان الصيني عملة مقبولة عالمياً لإتمام الصفقات. وعملية التحول الرقمي هذه ستجعل استخدام العملة الرقمية وحركتها في الحوالات أكثر سرعة وأقل تكلفة. حيث لاتستغرق عملية تحويل العملات الرقمية من دولة إلى أخرى بالعادة من خلال تقنية البلوكشين أكثر من دقيقة وفي بعض الأحيان تتم بشكل لحظي وبتكلفة لاتذكر.

الولايات المتحدة تعاني من هذه المنافسة على الصعيد التكنولوجي. وبالرغم من أنها لم تفقد مكانتها العالمية كمُصدر للتكنولوجيا ولم يفقد الدولار هيمنته بعد، إلا أن هذه الحرب التجارية والتكنولوجية توشي بقلق الولايات المتحدة من الصين كمنافس خطير.لقد فتح الرئيس الصيني الباب على مصراعية لعملية التحول الرقمي ليس في داخل الصين وحدها بل على مستوى العالم مما يعني نهضةً صينية جديدة قد نرى نتائجها خلال العشر سنوات القادمة والتي ستشهد انطلاق الثورة الصناعية الخامسة التي ستغذي هذه الحرب التجارية والتكنولوجية بين العملاقين.

المصدر: رأي اليوم