يعيش العالم أجمع مرحلة صعبة وحرجة في مواجهة أزمة فيروس كورونا، COVID 19، الأزمة التي رفعتها منظمة الصحة العالمية من مستوى الوباء إلى الجائحة بسبب إصابة معظم دول العالم بالعدوى، وسرعة انتشارها الفائقة، وصعوبة السيطرة على الحالات المصابة. وبينما تتسارع المنظمات الصحية والطبية للبحث عن علاج أو، على الأقل، محاولة احتواء الفيروس والحدّ من انتشاره، تزيد المسؤولية على عاتق الشعوب والمواطنين لحماية أنفسهم من خطر الإصابة أو نقل العدوى.
وترتكز المسؤولية على عدة أبعاد في الحياة المجتمعية هي قوام المجتمعات الإنسانية: البعد الأخلاقي، والبعد العلمي العقلي، والبعد الديني. إنّ جوهر تجمّع بني البشر حسّ إنساني لا يضمن بقاء الصنف البشري فقط، وإنّما يسير بالمجتمعات قدمًا في طريق التقدم على المستويين المادي والمعنوي. وهذا ما لا يتمّ إلا بتظافر الجهود وتكاملها وصولًا إلى الأهداف المرجوة. ويقدّم البعد العلمي العقلي الحجة والبراهين التي تحول دون غلبة الشكوك وتؤمن رصيدًا يعتدّ به من المعرفة والحقائق. أمّا البعد الديني فيتكامل مع البعد العلمي في مسيرة إخراج الإنسان من الظلمة إلى نور الحقيقة، وتفعيل دور العقل، والأخذ بالأسباب الطبيعية الحاكمة. ولا يضير هذا التكامل بالجانب المعنوي الصرف الموجود في الدين، بل هو من أسس العبادة. أضف إلى ذلك التكامل الموجود بين البعدين الأخلاقي والديني، أيضًا.
إنّ التوكّل على الله أثناء الشدائد والأزمات بحثًا عن النجاة والخلاص ورفع البلاء لا يتنافى مع الأخذ بتدابير إجرائية تحفظ النفس ولا تلقي بها إلى التهلكة، بل إنّ العكس يتنافى مع الشرع. لذا، تتطلّب مواجهة الكورونا في بعدها المجتمعي موازنة ما بين الأبعاد كافة، من خلال اتباع النصائح الإرشادية والأخذ بالتدابير الوقائية، والمساهمة في تحويل التهديد القائم إلى تحدٍّ يعيد التفكير بمحور الوجود، ويقوّي العلاقة بها، ويوحّد المجتمع الإنساني بعيدًا عن أي ممارسات، لا تبقي للمسؤولية الفاعلة في نظام المجتمعات البشرية من معنى ولا تذر.

 

 

 

المصدر: خاص الرافد