في ظل التفشي السريع لوباء كورونا في الولايات المتحدة الأمريكية.. خبراء يؤكدون: أمريكا غير مستعدة على الإطلاق للتعامل مع الجائحة
عندما ظهر الوباء للمرة الأولى بمدينة ووهان الصينية، لم تحظى الحكومة آنذاك بإنذارات مبكرة أو مؤشرات تدل على الخطر القادم مما تسبب في حالة من الارتباك والفوضى في أرجاء الحكومة الصينية والتي لجأت في بادئ الأمر إلى التعتيم وفرض الرقابة على المعلومات، ولكن ذلك لم يجدي نفعا على الإطلاق ولم يساعد على وقف زحف الفيروس القاتل. والآن بعد مرور بضعة أشهر على الأزمة، أوشكت معدلات تسجيل الإصابات في الصين على الاقتراب من الصفر وذلك بعد أن قامت السلطات في الصين بفرض حظر التجوال وإغلاق المناطق التي تفشى فيها الوباء على نطاق واسع وإجبار المواطنين على البقاء داخل منازلهم.
وعلى النقيض من ذلك، فقد حظيت أمريكا بترف تلقي الإشعارات والإنذارات منذ أسابيع عديدة والتي مرت دون جدوى، ولكنها لم تلق بالا بالخطر القادم ولم تعلن عن أية استعدادات للكارثة المقبلة، وذلك على الرغم كونها من أولى الدول عالميا التي يتواجد بها أفضل الأطباء وعلماء الأوبئة. ومنذ 11 مارس الماضي تم تشخيص نحو 1300 حالة كورونا في أمريكا ومن المحتمل أن يكون هذا العدد في زيادة مستمرة نظرا لانتقال العدوى من شخص لآخر. وعلى ما يبدو أن البلاد لازالت تتطلع إلى الوراء وليس إلى الأمام من حيث الاستعداد للخطر القادم.
وهناك بعض العوامل التي قد تجعل التعامل مع أزمة كورونا أمرا شديد التعقيد بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فالسلطة اللامركزية، والخدمات الصحية المكلفة، إلى جانب استمرار انتشار حالة من عدم اليقين في البلاد، جميعها قد تقف عائقا دون إمكانية التعامل السليم مع الأزمة الراهنة. والسيناريو الحالي هو وفاة نصف بالمئة من السكان أي 0.5% من المواطنين سوف يلقون حتفهم جراء الإصابة بالوباء، أي ما يعادل 327 ألف مواطن، تلك النسبة التي تقارب تسعة أضعاف أعداد الذين يموتون سنويا جراء الإصابة بالأنفلونزا الموسمية.
لقد وصلت أمريكا إلى هنا نظرا لبعض أوجه من القصور، أولا ما يتعلق بالجانب التقني والفني، وثانيا جانب التواصل وتلقي الإشعارات. حقيقة قد يصعب على بلد بحجم الولايا المتحدة الأمريكية التجنب التام لدخول الفيروس، ولكن على الأقل كان من الممكن تقليل حجم الإصابات والتحكم في نطاق انتشار العدوى وذلك إذا ما وضعت مخططات سليمة منذ البداية. لقد أضاعت أمريكا فرصة جوهرية كان ممكن استغلالها لإنقاذ الأرواح وتخفيف العبء على النظام الصحي والمستشفيات، ومن ناحية أخرى فإن التأهب لاستقبال ذلك الوباء كان سيمنح الطاقم الصحي والمواطنين فرصة كافية للحصول على التوعية اللازمة للتعامل مع الأزمة.
ومن ناحية أخرى، فإن العوائق البيروقراطية والإجرءات الروتينية الهادمة والمتشابكة ما بين كل من مركز المكافحة والوقاية من الأمراض، والإدارة العامة للغذاء والدواء. إلى جانب التحفيض المتعمد للميزانية الخاصة بمركز المكافحة والوقاية من الأمراض يعد من أبرز العوامل المسئولة عن الفشل الحالي أو النتيجة التي وصلت إليها أمريكا حاليا من حيث التفشي السريع للوباء وعدم القدرة على السيطرة عليه. ومن المتوقع أن يتم التحقيق مستقبلا في ذلك الأمر سواء كانت القيود البيروقراطية أو الميزانيات التي لا تتمتع بالشفافية هي المسئولة عن الأزمة الحالية.
والجدير بالذكر، أنه كلما كان عدد الإصابات قليل، كلما تمكن علماء الأوبئة والأطباء من السيطرة على المرض من خلال عزل المصابين وترصد جهات الاتصال القريبة منهم. ولكن بالنسبة لأمريكا فإن إصرار الرئيس ترامب على التهوين من شأن الوباء واعتباره مجرد أداة سياسية يستخدمها خصومه ضد أمريكا جعله يبعث برسائل طمأنة زائفة إلى الشعب الأمريكي ويحثهم ضمنيا على استئتناف مجريات حياتهم بصورة طبيعية. ففي التاسع من مارس قال ترامب بأن الأخبار الزائفة التي تتداولها وسائل الإعلام العالمية والدعايا المضادة من قبل منافسيه من الديمقراطيين من شأنها إحداث حالة من البلبلة والفزع في المجتمع زاعما أن الأنفلونزا الموسمية هي أشد خطرا من كورونا. وفي اليوم نفسه حذر أحد المسئولين بمركز التحكم والوقاية من الأمراض من أن استمرار تفشي ذلك الفيروس يهدد بكارثة مرتقبة في الولايات المتحدة الامريكية.
إلا أن إعلانه في الحادي عشر من مارس الجاري عن وضع بعض القيود على حركة السفر من وإلى أمريكا يكشف عن أن القلق قد بدأ يسري فعليا في مفاصل الدولة، ولكن هذا القرار يبدو أنه جاء متأخرا ولم يحول دون تفشي الوباء على الصعيد الداخلي. ربما لا يمكن الرجوع عن تلك الأخطاء ولكن المهم الآن هو نشر المعلومات والتوعية السليمة بين المواطنين وتعضيد أركان النظام الصحي قبل أن يتحول الوباء إلى طاعون جديد يعصف بالعالم أجمع.
والحال في أمريكا لا يختلف كثيرا عن نظيره في بلدان العالم الأخرى التي يعجز نظامها الصحي عن استيعاب أعداد المصابين والتكفل بعلاجهم في حال حدوث طفرة صحية. فقد وجدت دراسة صينية حديثة أن 5% من المصابين بحاجة إلى الاحتجاز داخل غرف العناية المركزة والحصول على التنفس الصناعي. وبالنسبة لأمريكا، يوجد 95 ألف سرير عناية مركزة، و62 ألف جهاز تنفس صناعي، هذا في الوقت الذي تقدم فيه 290 مستشفى فقط من أصل 6000 الخدمة الفائقة اللازمة. والمؤسف أن الغالبية العظمى من هذه التجهيزات الطبية يتم استخدامها فعليا من قبل المرضى الآخرين وبخاصة المصابين بالأنفلونزا الموسمية. كما أن توفير طاقم طبي مجهز من أطباء مختصين وتمريض على درجة كبيرة من الاحترافية يعد أمرا شاقا في مثل تلك الظروف مثلما هو الحال حاليا في إيطاليا التي تتعرض لاجتياج شاسع من جيوش الكورونا.
وللحد من فرص انتشار المرض، لابد من فرض التباعد الاجتماعي، وتسيير الأعمال عن بعد، وحظر التجمعات البشرية والفعاليات بجميع أنواعها. ولكن المشكلة في أمريكا هي أن السلطة اللامركزية تفوض كل ولاية لاتخاذ التدابير اللازمة وإعلان حالة الطوارئ، ومنذ الحادي عشر من مارس التزمت 11 ولاية فقط بتطبيق القواعد، وبالتالي فإن اللامركزية هنا تعني نظما متعددة ومشتتة لاحتواء الموقف.
وبالفعل التزمت ولاية نيويورك بتطبيق مجموعة من الإجراءات، بينما قاومت شيكاغو فكرة إغلاق المدارس العامة بدعوى أن الأسر الفقيرة تعتمد عليها في المأكل ورعاية الأطفال. ومؤخرا قامت بعض الجامعات الخاصة بإلغاء الفصول الدراسية والاتجاه نحو نظام التعليم عن بعد وأعطت طلابها مهلة لجمع أغراضهم والرحيل عن الحرم الجامعي.
ويمكن القول بأن الحفاظ على النظام الصحي بالدولة يتطلب عدم نشر المزيد من العدوى بين الأصحاء ولكن لابد من أن يحصل الجميع على غذائه ودوائه دون التورط في أزمات مالية. حيث تعتبر أمريكا واحدة من الدول المتقدمة القليلة التي لا تمنح مواطنيها إجازة مرضية مدفوعة الأجر، مما يفرض المزيد من الأعباء على كاهل الكثيرين من أصحاب المهن الذين لا يمكنهم البقاء في المنزل- كـ عمال التجزئة وغيرهم- ومتابعة سير أعمالهم عبر تطبيقي Slack and Zoom مثلما يفعل أصحاب الياقات البيضاء.
وبالتالي فإن الفئات الغير مؤمن عليها في أمريكا والذين لا يستطيعون بالطبع تحمل نفقات علاجهم قد يقعون ضحية لتلك الظروف، وعلى الرغم من تأكيد عدد من شركات التأمين الأمريكية بأن المرضى لن يقوموا بتحمل نفقات إجراء الاختبارات والفحوصات اللازمة إلا أنه لا بيانات رسمية تؤكد ذلك حتى الآن.
وخلال الأسبوع الماضي، رصد الكونجرس ميزانية طارئة تقدر بـ 8.3 مليار دولار لاحتواء أزمة الكورونا من حيث إجراء الفحوصات اللازمة وتجهيز البنية التحتية الصحية من حيث توفير المعدات والطواقم الطبية. كما اتخذت مجموعة من الإجراءات الاستثنائية مثل تقديم الإعفاءات الضريبية المباشرة لبعض الصناعات المتضررة وبخاصة قطاع الطيران والنقل البحري. إلى جانب خفض الضرائب على الرواتب ومنح العمال إجازة مرضية مدفوعة الأجر. كما اقترح الديمقراطيون أيضا مجموعة من الإجراءات الموسعة مثل برامج التأمين ضد البطالة وتوفير المساعدات الغذائية وغيرها.
حقيقة، لقد واجه ترامب خلال فترة رئاسته عدد من الأزمات، منها من صنعها بنفسه كالحروب التجارية والعقوبات الاقتصادية. والآن فهو يواجه أزمة الوباء الذي فرض نفسه على العالم أجمع، بصرف النظرعما يقوله ترامب عن الأزمة الحالية، فإن أمريكا لازالت بحاجة إلى المزيد من المعلومات والغير متحيزة ولابد من وضع استراتيجية واضحة قادرة على مواجهة الأزمة الراهنة.

 

المصدر: strategicfile