منذ مطلع العام الجاري 2020م يعيش اليمن طفرة في الإنجازات العسكرية، مثّل ذلك انعكاسا لانقلاب المعادلة العسكرية، ومن يراقب ذلك، يدرك أن الوقت الذي راهنت عليه السعودية لكسر اليمن قد تحول إلى فرصة سخرتها صنعاء لإعادة تجميع القوة وتنميتها وتفعليها في الزمان والمكان المناسبين، اتضح ذلك من خلال سلسلة العمليات الهجومية التي بدأت بعملية صرواح الأولى، واستمرت بشكل تصاعدي بتطهير عدد من المناطق الاستراتيجية في محافظتي الضالع والبيضاء، ثم عملية “نصر من الله”، فـ” البنيان المرصوص” وليس انتهاء بعملية “فأمكن منهم” والآن باتت المعارك على تخوم مدينة مأرب. 

لم تغب جبهات الحدود مع السعودية إلا عن الإعلام، فالمعطيات تؤكد أن الأشهر الماضية شهدت عمليات مؤثرة وفاعلة ولو أنها أصغر نسبيا من تلك التي حدثت في الجوف ومارب، وهذه قد دقت ناقوس الخطر وضاعفت حجم الهواجس السعودية في انتقال العمليات الميدانية الكبرى إلى العمق السعودي، خاصة وأن المرتزقة الذين حشّدتهم بعشرات الآلاف لحماية حدودها بعد انهيار جيشها، قد وصلوا إلى مرحلة متدنية من المعنويات ومن التذمر الكبير جراء التصرفات اللاإنسانية من قبل القيادة السعودية تجاههم. 

نستطيع الجزم بأن الجيش اليمني واللجان الشعبة قادرون على صناعة فعل عظيم داخل العمق السعودي، لولا تركيزهم على أولوية بتر الذراع السعودية في الداخل اليمني، والتي ستُسقط مشروع تفتيت اليمن الذي تم الرهان عليه لصناعة “كنتونات” صغيرة ومتصارعة على المدى البعيد، كذلك فإن بقية الجبهات التي تتحكم بها السعودية أو الإمارات في الداخل باتت تعيش الهاجس نفسه، بالنظر إلى تحرير تلك المساحات الشاسعة بما تحويه من ألوية عسكرية وإمكانات ضخمة معززة بغطاء الطيران. 

بدأت المقالة بالحديث عن الوضع الميداني باعتباره لا يزال ملفا ساخنا ولأهمية انعكاس نتائجه على الحرب بشكل عام، لكن لا يعني ذلك أن هذه الأهمية تفوق تلك العمليات الاستراتيجية التي وصلت إلى أكثر من 1000كم في السعودية أو الإمارات، كما حصل في استهداف منشأتي أرامكو في بقيق وخريص، وقد تابعنا ردة الفعل السعودية التي وصلت حد الاستجداء بالمجتمع الدولي باعتبار استهداف النفط استهدافا للعالم بأجمعه، وهذه جملة كررها المسؤولون السعوديون كثيرا، لتترجم بإرسال ترمب – بمقابل مادي كبير- مئات الجنود الأمريكيين ومعدات عسكرية!! أما الإمارات ورغم خروجها عن دائرة العمليات في العام الخامس، فقد بقيت في دائرة التهديد والوعيد، وأبرز تحذير عملي كان باستهداف حقل الشيبة القريب من حدودها، ومن خلال ما سبق يمكن القول إن الجهات المعنية في اليمن تتحضر لما هو أكبر وأشمل باتجاه السعودية أو الإمارات، وقد يشهد العام السادس مفاجئات كبيرة في هذا السياق. يمكن إضافة الإنجازات المهمة لوحدات الدفاع الجوي بإسقاط عدد من الطائرات أبرزها طائرة “التورنيدو” وأسر طاقمها، والإنجازات المتوقعة خلال الأشهر المقبلة بعد الكشف عن منظومات جديدة والعمل على تطوير أخرى، ولهذا التطور حين يُترجم بشكل فعال انعكاس كبير على مسار الحرب. في مقابل الإنجازات الكبيرة لليمن في العام الخامس، أخفقت السعودية ومرتزقتها في الحفاظ على ما حققته طيلة السنوات الماضية ناهيك عن صناعة إنجازات جديدة، وهذا يعكس حالة الشلل التي أصابت التحالف وعجزه عن إيجاد حلول لمعالجة الإخفاق الذي يتراكم عاما بعد آخر، وهذا يعني أيضا محدودية الخيارات في التعامل مع الملف اليمني، وهذه الخيارات تتركز حول ثلاث نقاط: 1- الاستمرار في العدوان والبحث عن بدائل عسكرية علّ السعودية تحظى بتقدم ميداني مؤثر، وهذا الخيار خاطئ ونتائجه كارثية لعدة أسباب، أبرزها، استحالة وجود بدائل ميدانية بعد خمس سنوات من استنفاذ كل الطاقات والإمكانات، ثم بامتلاك اليمن قدرات رادعة على مستوى القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير وأيضا القوة البحرية التي تخفي الكثير من المفاجآت، إلى جانب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها المملكة مع حرب أسعار النفط وقبل ذلك نتيجة التكاليف الباهظة التي تكبدتها جراء عدوانها، ثم الأزمة الداخلية التي يعيشها بن سلمان. 2- اعتماد المماطلة والبحث عن تهدئة مؤقتة وتمديدها مرة تلو أخرى حتى يتسنى للسعودية تثبيت الوضع الراهن والاكتفاء بما تحقق في بعض المحافظات مع رفع محدود للحصار، وهذه الاستراتيجية لن تكون مقبولة يمنيا. 3- إيقاف العدوان ورفع الحصار والدخول في مفاوضات سياسية جادة، ورغم أن الرياض ترى في هذا إعلانا للهزيمة لكنه الخيار الأنسب للخروج بأقل الخسائر، ورفض ذلك من خلال قراءة الانقلاب في المشهد كليا يقود إلى التنبؤ بأن الرياض متجهة إلى وضع كارثي عسكريا واقتصاديا. ما سبق يؤكد بأن القيادة اليمنية قد تمكنت من إدارة الحرب بنَفَسٍ طويل وبثقة كاملة من الإمكانات المتوفرة رغم محدوديتها، واستطاعت تحويل التهديد إلى فرصة، بينما كان تعامل السعودية والإمارات استعلائيا من اللحظة الأولى، ما أوقعهما في حسابات خاطئة جعلهما تغرقان في مستنقع لا تعرفان سبيلا للخروج منه، مع فارق أن المأزق السعودي أسوأ من الإماراتي.

 

 

المصدر: بندر الهتار - مرآة الجزيرة