مقدمة

بعد ثلاثة أشهر من ظهوره في الصين (ديسمبر/كانون الأول الماضي)، تحول فيروس كورونا (كوفيد-19) من أزمة تخص الصين إلى وباء وفق تصنيف منظمة الصحة العالمية (11 مارس/آذار)، قبل أن ترفع تصنيفه إلى جائحة عالمية، فقد اجتاح وباء (كوفيد-19) دول العالم باستثناء 22 دولة فقط، متسبباً بوفاة ما يقرب من ستين ألفاً (58,929)، وأكثر من مليون ومئة ألف مصاب (1,100,283)، حتى منتصف يوم 4 أبريل/نيسان، ولا تزال أرقام ضحاياه تتصاعد كل دقيقة، ويتوقع وصول الوفيات إلى مئات الآلاف، قبل التوصل إلى علاج له بعد أشهر.

وقد أحدث الوباء شللاً عالمياً في قطاعات اقتصادية وملاحية مختلفة، وأوقف التعليم المباشر، وأغلق أماكن العبادات.

تتباين التفسيرات بشأن أسباب الفيروس، ومع حركة انتقاله من الصين إلى الدول الغربية كشف الفيروس عن جوانب الضعف واختلالات الإنفاق الحكومي في القطاع الصحي، وراح المفكرون يتنبؤون بأن النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة يشهد تغيراً على حسابها نتيجة صعود قوى دولية تنازعها القيادة.

يبحث تقدير الموقف في جغرافية انتشار الوباء، ونقاط الضعف التي أظهرها، ومحاولة استكشاف مداه الزمني في ظل الجهود الطبية للتوصل إلى علاج /لقاح له، إضافة إلى التداعيات الاقتصادية والسياسية.

سياقات انتشار الفيروس والاتهامات المتبادلة

في ذروة التطور العلمي غير المسبوق الذي تحققه الدول المتقدمة والتنافس الجاري بينها، أقرت الصين بعد محاولات من التكتم والإنكار، نتيجة ارتفاع أعداد الضحايا، بوجود فيروس كورونا (كوفيد-19) في مدينة يوهان ذات الثقل الاقتصادي، التي تعد مركزاً لمعامل البحث العلمي، وتستقطب الصين إليها العديد من العلماء الأمريكيين، خصوصاً في مجالات الطب، وتجري فيها تجارب التحكم بالجينات والاستنساخ.

في بداية ظهور الفيروس في مدينة يوهان الصينية برزت الاتهامات المتبادلة بين المسؤولين الصينيين والأمريكيين ووسائل إعلام البلدين، وقد تعددت الروايات القائمة على نظرية المؤامرة؛ بين اعتبار الفيروس مؤامرة تستهدف اقتصاد الصين وسمعتها ومكانتها، في ظل معدلات النمو المرتفعة التي تحققها سنوياً، وأخرى تقول إنه ناتج عن أكل الصينيين للحيوانات البرية التي تكثر فيها الفيروسات، وكذلك نتيجة تطوير الصين لأسلحة بيولوجية، ورواية أخرى تربط بين ظهور الفيروس والجدل الذي دار حول النفقات التي تصرف على كبار السن والمتعاقدين وتأثيرها على الموازنات والقطاعات الحيوية، خصوصاً في الدول الغربية، ومن ثم فإن نشر الفيروس يستهدف التخفيف من نسبة المسنين وتقليل النفقات.

المتدينون من جهتهم رأوا فيه عقوبة إلهية، نتيجة انتشار الفواحش، تذكر بقدرة الله وتوجب التوبة.

ومع تعدد تفسيرات انتشار الفيروس وتحوله إلى وباء، يمكن القول إن الفيروسات موجودة بكثرة في أجسام بعض المخلوقات وفي البيئة المحيطة بالإنسان وفي معامل المختبرات، فعادة ما تظهر الفيروسات -ومنها كورونا (كوفيد-19) - وتنتشر ضمن الاحتمالين التاليين، الأول: انتقال الفيروس إلى الإنسان بواسطة أحد الكائنات الحية عن طريق الأكل أو المعايشة (البيئة)، والثاني: تسرب الفيروس من أنابيب المختبرات المتخصصة بسبب خطأ بشري أو مقصود.

أما ما يتعلق بسرعة انتشار الفيروس وتحوله إلى وباء عالمي بسبب تعاظم الضحايا، فيرجع ذلك إلى تأخر اكتشاف الفيروس واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمحاصرته، سواء في الصين ابتداء، أو في الدول الأخرى التي كانت تكتفي بقياس درجة الحرارة فقط، إضافة إلى ضراوة الفيروس ذاته، وتزامن ظهوره مع حالة ضعف الاهتمام بالقطاع الصحي على مستوى العالم من ناحية، وتزايد وتزاحم حالات التنقل والسفر والاختلاط من ناحية ثانية.

وتجدر الإشارة إلى أن كثافة انتشار الفيروس تختلف من ولاية/إقليم إلى أخرى داخل الدولة الواحدة، فقد تركز في الصين بمدينة يوهان، وفي الولايات المتحدة بنيويورك، وفي إيطاليا بالإقليم الشمالي. ومن جهة أخرى إذا ما حسب معدل الإصابات والوفيات إلى عدد السكان تكون دول أوروبية كالسويد وإيطاليا، متصدرة القائمة، ومتجاوزة الصين التي كانت المحطة الأولى في اكتشاف فيروس كورونا (كوفيد-19).

ورغم أن أعداد ضحايا الوباء مرتفعة توجد شكوك تحوم حول الأعداد الصادرة عن الصين وروسيا وإيران وإندونيسيا وكوريا الشمالية ومصر؛ فقد نقلت وكالة بلومبيرغ الإخبارية عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن الصين لم تكشف عن الأعداد الحقيقية للوفيات والإصابات بفيروس كورونا.

وكانت الصين أعلنت وفاة 3300 شخص وإصابة 82 ألفاً بفيروس كورونا منذ تفشي المرض في أواخر عام 2019، مقارنة بأكثر من 189 ألف إصابة وأكثر من أربعة آلاف وفاة في الولايات المتحدة، التي ظهرت فيها أول حالة في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، بحسب جامعة كونز هوبكنز.

وبحسب تقديرات البيت الأبيض (31 مارس/آذار) فإنّ كورونا (كوفيد-19) سيفتك في الولايات المتحدة بما بين 100 ألف و240 ألف شخص إذا ما تقيّد الجميع بالقيود المفروضة حالياً لاحتواء الوباء، مقارنة بما بين 1,5 مليون و 2,2 مليون شخص كانوا سيلقون حتفهم في حال عدم فرض أيّ قيود.

وفي إيطاليا، قالت وكالة الحماية المدنية (1 أبريل/نيسان الجاري) إن عدد الوفيات الناجمة عن كورونا ارتفع إلى 13,155 بعد أن بلغ خلال الساعات الـ24 الماضية 727.

وسجلت وزارة الصحة الفرنسية 4861 إصابة جديدة بفيروس كورونا، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 56,989، في حين تخطى عدد الوفيات حاجز أربعة آلاف.

وفي تركيا، أعلن وزير الصحة، فخر الدين قوجة، أن عدد الوفيات بسبب فيروس كورونا في تركيا بلغ 277، وارتفع إجمالي الإصابات بالفيروس في تركيا إلى 15,679.

وفي بريطانيا، أعلنت وزارة الصحة تسجيل 563 وفاة جديدة بكورونا، مما يرفع إجمالي الوفيات إلى 2352، وبلغ إجمالي عدد الإصابات 29,474.

أما دول المنطقة العربية فلا تزال أعداد الضحايا محدودة، ووفقاً لإحصاء (الجزيرة نت)، فقد سجلت وزارة الصحة السعودية (1 أبريل/نيسان الجاري) ست وفـيات جديدة بالفيروس، و157 إصابة، ليرتفع الإجمالي إلى 1720. وأعلنت وزارة الصحة المصرية تسجيل 99 إصابة، ليصبح الإجمالي 779، كما سجلت ست وفيات، فوصل الإجمالي إلى 52 وفاة.

وكالة الأنباء الجزائرية أشارت إلى تسجيل 130 إصابة جديدة، ليرتفع إجمالي الإصابات إلى 847، في حين ارتفع العدد الإجمالي للوفيات إلى 58.

من جهتها أعلنت الإمارات تسجيل 150 إصابة جديدة، ليرتفع الإجمالي إلى 814، في حين ارتفع عدد الوفيات إلى ثماني حالات.

وفي الدوحة، أعلنت وزارة الصحة القطرية تسجيل 54 إصابة جديدة بفيروس كورونا ليصبح إجمالي عدد المصابين 835.

وفي سلطنة عمان أعلنت السلطات عزلاً صحياً تاماً لولاية مطرح بدءاً من يوم (1 أبريل/نيسان الجاري)  وحتى إشعار آخر، في إطار مواجهة كورونا. وأعلنت بدء العمل بإجراءات استثنائية احترازية أخرى.

 وفي الكويت، أعلنت وزارة الصحة تسجيل 28 حالة جديدة بفيروس كورونا ليرتفع إجمالي العدد إلى 317 إصابة.

جدول يوضح: عدد ضحايا فيروس كورونا "كوفيد-19 في أكثر الدول حول العالم حتى منتصف 4 أبريل/نيسان 2020

الدولة

عدد المصابين

 عدد الوفيات

الولايات المتحدة الأمريكية

277,457

7,137

إيطاليا

119,827

14,681

إسبانيا

119,199

11,198

ألمانيا

91,159

1,275

الصين

82,526

3,330

فرنسا

64,338

6,507

إيران

53,183

3,294

بريطانيا

38,168

3,605

تركيا

20,921

425

سويسرا

19,606

591

بلجيكا

16,770

1,143

هولندا

15,725

1,487

كندا

12,545

188

النمسا

11,524                 

168

كوريا الجنوبية                                            

10,156                              

177

المصدر: موقع بي بي سي

 

 

وباستعراض جغرافية انتشار الفيروس وضحاياه يلاحظ تركز الكثافة في الدول الغربية وقلتها في دول شرق آسيا رغم كثافتها السكانية وتشابه طعام بعضها مع طعام الصين، وقد يعود ذلك إلى حالة التكتم التي تمارسها السلطات، أو ضعف وسائل التشخيص، أو محدودية فئة المسنين الذين يعدون أكثر عرضة للإصابة. والدول التي لم يثبت وصول الفيروس إليها جميعها مصنفة على أنها دول نامية أو فاشلة.

 

 

 

 

 

المحاولات الطبية للتوصل إلى لقاح

 

تُسابِق العديدُ من المراكز الطبية المتخصصة الزمنَ للتوصل إلى لقاح لفيروس كورونا (كوفيد-19)، وبسبب تضاعف ضحايا الفيروس أقرت بعض الحكومات تطبيق اللقاحات الأولية على البشر مباشرة، وتشير التقديرات إلى أن العلاجات ستكون متوافرة بنهاية العام الجاري أو في العام القادم، وهي مدة طويلة، ولذلك تركز الدول على الإجراءات الوقائية.

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن، الخميس (19 مارس/ آذار 2020)، أن الولايات المتحدة "صادقت" على استخدام عقار كلوروكين المضاد للملاريا، لمعالجة المصابين بفيروس كورونا.

وبعدما وسعت عدة دول في أنحاء العالم نطاق الوصول إلى أدوية الملاريا واستخدامها لعلاج المصابين بفيروس كورونا، حذرت وكالة الدواء الأوروبية من هذا الاستخدام إلا في "تجارب سريرية أو في حالة طوارئ وطنية".

وفي سبيل التعجيل لاكتشاف علاج، أورد تقرير صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن التعامل مع كوفيد-19 غيّر بعض أولويات وضرورات العمل في مراكز البحث، مثل التخلي عن تسجيل الاكتشافات العلمية باسم جهة الاكتشاف؛ فقد قامت المراكز والمؤسسات بنشر الدراسات المتعلقة بالفيروس من خلال الإنترنت قبل أشهر من صدور المجلات العلمية التي كان يفترض أن تُنشر فيها، وحدد الباحثون مئات الأنماط للتسلسل الجيني للفيروس وتشاركوها مع زملائهم، وأُطلِق ما يربو على مئتي تجربة سريرية، في جهود مشتركة بين المستشفيات والمعامل في مختلف أنحاء العالم.

تداعيات وباء كورونا (كوفيد-19)

أحدث الوباء أضراراً عديدة في مختلف القطاعات؛ الاقتصادية منها والصحية والسياسية والاجتماعية، حتى الأخلاقية، فقد قرصنت عدة دول المستلزمات الطبية المخصصة لغيرها، وميزت مواطنيها على المقيمين فيها في الخدمات الطبية والمعيشية، وقد أحدث الوباء شللاً شبه كلي لكثير من القطاعات نتيجة الإجراءات الاحترازية، وفي مقدمتها الحجر الصحي، وإغلاق كثير من الدول حدودها ووقف حركة الطيران.

وكانت أبرز الأضرار من نصيب الاقتصاد الرقمي؛ إذ تراجعت القيمة السوقية لأسهم الشركات، وكذلك أسعار النفط التي هبطت إلى ما دون 20 دولاراً للبرميل لسعر الآجل.

فقد شهدت مؤشرات قياس أداء الأسهم (FTSE) وداو جونز الصناعي ونيكي انخفاضات هائلة منذ بداية تفشي الوباء في 31 ديسمبر/كانون الأول. وحقق مؤشرا داو جونز وFTSE))، مؤخراً، أكبر انخفاض لهما في يوم واحد منذ عام 1987.

ونقلت (بي بي سي البريطانية) تحذيرات من أن الاقتصاد العالمي سيعاني أكبر تراجع في النمو منذ الأزمة المالية عام 2009، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).

وقالت أيضاً إن تفشي المرض "مدة أطول وأكثر كثافة"، يمكن أن يخفض النمو العالمي إلى 1.5 في المئة في عام 2020 نتيجة تعليق المصانع نشاطها، وبقاء العمال في المنزل في محاولة لاحتواء الفيروس.

وتحسباً لطول مدة الوباء طالبت السعودية المسلمين بالتريث في وضع خطط الحج لهذا العام، وتعذر انعقاد قمة مجموعة العشرين في السعودية والاقتصار على عقدها بواسطة الدائرة التلفزيونية. وفي دلالات على طول الأزمة أُجِّلت دورة الألعاب الأولمبية التي كان مقرراً إقامتها في اليابان بين 24 يوليو/تموز والتاسع من أغسطس/آب. في حين أوصت لجنة تسيير إكسبو 2020 دبي بدولة الإمارات بتأجيل المعرض العالمي عاماً، بدل إقامته ما بين أكتوبر/تشرين الأول 2020 وأبريل/نيسان 2021.

وقد ضاعف من التداعيات الاقتصادية تزامن انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19) مع الهبوط الحاد لأسعار النفط بسبب زيادة العرض وتراجع الطلب نتيجة المنافسة على الحصص السوقية بين السعودية وروسيا، من جهة، ومحاولة الضغط على النفط الصخري الأمريكي عالي التكلفة، من جهة أخرى.

واستجابة لتداعيات الوباء، قررت البنوك المركزية في العديد من الدول خفض أسعار الفائدة، لتشجيع الاقتراض، ومن ثم تشجيع الإنفاق، بهدف تحفيز الاقتصاد. ووقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مشروع قانون إنقاذ اقتصادي بقيمة تريليونَي دولار، لمدّ يد العون إلى الشركات الكبيرة والصغيرة التي تضرّرت من إجراءات الإغلاق بسبب فيروس كورونا المستجدّ.

ويخشى المستثمرون من أن يؤدي تفشي وباء كورونا (كوفيد-19) إلى تدمير النمو الاقتصادي، وألا تكون الإجراءات الحكومية كافية لوقف التراجع.

المجال الصحي

يتوقع الخبراء أن يستمر الفيروس في الانتشار عدة أشهر، وتزداد ضحاياه لتصل إلى المليون قبل أن تنجح الإجراءات الوقائية؛ الشخصية والمؤسسية، والجهود الطبية، في محاصرته والتوصل إلى علاج له بعد ثبات فاعلية اللقاحات التي تعمل المراكز المتخصصة على مستوى العالم على اكتشافها ودخولها مرحلة التطبيق على الإنسان.

وفي هذا المجال من المتوقع أن تعيد الحكومات والقطاع الخاص أولويات الإنفاق، وتخص المجال الصحي بأولوية الإنفاق المناسبة لتشجيع البحث العلمي وتطوير الخدمات الصحية.

أزمة غذاء

نقلت الوكالة الفرنسية (1 أبريل/نيسان) تحذير مديري وكالتين تابعتين للأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية من خطر حصول "نقص في المواد الغذائية" في السوق العالمية؛ بسبب الاضطرابات في التجارة الدولية وسلاسل الإمدادات الغذائية من جراء تفشي فيروس كورونا المستجدّ.

وقال مدير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة الصيني كو دونغيو، ومدير منظمة الصحة العالمية الإثيوبي تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، ومدير منظمة التجارة العالمية البرازيلي روبيرتو أزيفيدو، في بيان مشترك نادر: إن "الغموض حول توفر الغذاء يمكن أن يتسبب بموجة قيود على التصدير" التي قد تتسبب بدورها في "نقص في السوق العالمية".

العلاقات الدولية والنظام العالمي

يعد فيروس كورونا معلماً لأحداث تظهر فجأة وتحدث تغييرات سريعة وكبيرة في موازين القوى الدولية وأولوياتها وعلاقاتها البينية، كما أنه كشف عن اختلال المحددات التي تبنى عليها فرضيات الدراسات الاستشرافية، والتي تفترض نمو الظواهر بشكلها المنتظم، سواء كانت اختلالات في بعض الأطراف، وتفككها أو تعاظم مصادر القوة ومكانتها لأطراف أخرى.

فيما ذهب كثير من المفكرين إلى الجزم بأن العالم بعد فيروس كورونا لن يكون كما قبله، متنبئين بتراجع قدرات الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود النظام العالمي منذ ما يقرب من ثلث قرن، وتحديداً من تسعينيات القرن الماضي (1990)، ومستدلين بأنها تمر بحالة شبه انعزالية في ولاية الرئيس دونالد ترامب التي قد تتجدد أربع سنوات.

لا شك في أن العالم يمر بمرحلة تحول تبدو متسارعة، تتوقف مخرجاتها على قدرة الدول على التعامل معها، لكن يبدو أنها ستضعف نفوذ القوى الغربية في دول الشرق، التي قد تنشغل في إعادة تقييم علاقاتها البينية واحتياجاتها الذاتية.

ومع الإقرار بحالة صعود قوى دولية كالصين وألمانيا والهند، وعودة روسيا، ومحاولة تركيا ممارسة دور أكبر، فإن الحديث عن انحسار دور الولايات المتحدة وفشل النموذج الرأسمالي الذي يتوقع أن يحدث فيه تطوير، قد يكون سابقاً لأوانه؛ خصوصاً أن الدول الكبرى التي تسعى لمنافسة الولايات المتحدة، وفي طليعتها الصين، ما زالت تفتقد النموذج السياسي وقيمه الحضارية القابل للانتشار والتطبيق، فهذه الدول من دون النمو الاقتصادي لا تشكل نموذجاً منشوداً.

ختاماً

يبدو أن التداعيات الاقتصادية وانعكاساتها السياسية والأمنية الأكبر على فيروس كورونا (كوفيد-19) ستكون من نصيب دول المنطقة العربية، ومن ضمنها دول الخليج النفطية، حيث ستضعف سيطرة القوة المركزية أمام الفاعلين ما دون الدولة، وتحفز الصراعات على الثروات ومصادر الطاقة، وتجبر دول الخليج على وقف أو تقليل المساعدات التي تقدمها لبعض الدول وفي مقدمتها مصر.

توجب تلك التداعيات المتوقعة أن تبادر الحكومات إلى القيام بعدة خطوات إصلاحية، وفي مقدمتها السياسية والمجتمعية، لتطوير علاقتها بشعوبها وإثبات رغبتها في الإصلاحات؛ بحيث تضمن تفهم شعوبها للإصلاحات الاقتصادية، وتعاونها في مواجهة التحديات الأمنية الداخلية والخارجية.

المصدر: مركز الفكر الاستراتيجي