تأسست منظمة الصحة العالمية في 7 نيسان 1948، وأصبح هذا التاريخ يومًا عالميًا للاهتمام بصحة الناس واستباق الأزمات. لكن هذا العام، كما قبله، مر بخفر حتى لا يستيقظ المتغافلون عنه. أهملوه، كي لا يكون يوم إدانة ومحاسبة لهم ولفسادهم وللتذكير بتقصيرهم.
انهيار الأنظمة الصحية
في كل عام، يرفع المجتمع الدولي في هذه المناسبة شعارًا للاهتمام بموضوع صحّي محدد للبحث بالخطط التي تحسن العناية والتغذية وأوضاع المسنين والحماية من الأمراض وغيرها. تمر المناسبة سنويا، وتتبدد الخطط والبرامج. واذ بالأنظمة الصحية تنهار وتزداد ضرراً وخطورة.
الفساد كشف التقصير والاهمال في هذا القطاع من زمان طويل. الأمراض المنتشرة، ظهرت بشكل مخيف في المجموعات الجيليّة التي بلغت الأربعين عاماً وما فوق. وهي بالطبع نتيجة وخيمة للمسببات التي أدّت إليها من تلوث واهمال وأوبئة. المبادرات الايجابية التي يقوم بها البعض أمثال وزير الصحة في لبنان تواجه عقبات بنيوية في النظام الصحي المطلوب اصلاحه.
معاقبة منظمة الصحة
تهميش الصحة سمة بارزة في معظم الانظمة الراسمالية التي تهتم بالاستهلاك والنهب وتغييب الانسان. على مدى العقد الماضي، اتبعت العديد من البلدان سياسة التقشف، كما لو كان الدين العام هو المشكلة الوحيدة. وكانت النتيجة تآكل مؤسسات القطاع العام، التي نحتاجها للتغلب على الأزمات مثل جائحة فيروس كورونا. ومنذ عام 2015، خفضت المملكة المتحدة ميزانيات الصحة العامة بمقدار مليار جنيه إسترليني (1.2 مليار دولار)، مما زاد من العبء على الأطباء المتدربين (غادر العديد منهم الخدمة الصحية الوطنية تمامًا)، وأدى إلى تراجع الاستثمارات الطويلة الأجل اللازمة للتأكد من أن المرضى يعالجون في مرافق آمنة، وحديثة، ومجهزة بالكامل. وفي الولايات المتحدة- التي لم يكن لديها نظام صحة عامة ممول تمويلا صحيحا- تحاول إدارة ترامب، باستمرار، خفض التمويل المخصص لمراكز السيطرة على الأمراض، والوقاية منها، وكذلك تقليص قدرات الابحاث العلمية وغيرها من المؤسسات الحيوية الأخرى.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب فشل في مواجهة تفشّي فيروس كورونا في بلاده، لذلك يبرر عجزه بتحميل المسؤولية للاخرين، في محاولة لإزاحة المسؤولية عن إدارته. منذ بداية الأزمة، كانت الصين هدف هجماته المتتالية، عبر اتّهامها بعدم الشفافية، وبكون هذا الوباء انطلق من أراضيها. وبعد أن استنفد هذه التهمة التي نقضتها الصين، انتقل الرئيس الأميركي إلى مرحلة جديدة من الهجوم، متّهماً منظمة الصحة العالمية بأنها قريبة من الصين، وبسوء إدارتها للأزمة، وملوّحاً بقطع التمويل عنها. سرعان ما جاء الرد من المدير العام للمنظمة تيدروس أهانوم غيبريسوس، مطالباً بـ"عدم تسييس" الوباء، قائلا "ضعوا تسييس كوفيد في الحجر الصحي". وشدّد على أنّه "يتوجب على الولايات المتحدة والصين الاتحاد لمواجهة هذا العدو الخطر"، متمنياً ألا "نواصل اللعب بالنار"، في مواجهة فيروس يتفشى "بشكل مطّرد".
الصحة العنصرية
من جهة أخرى، أزمة الصحة ليست تمويلية تقنية فقط، بل أصبحت دليلًا للعنصرية والطبقية، الوجه الآخر للانانية الراسمالية. أفادت صحيفة "واشنطن بوست" بأن "كورونا" يصيب ويقتل الأميركيين من أصول أفريقية بمعدل مرتفع ومثير للقلق. ويشير تحليل البيانات إلى أنّ المقاطعات ذات الغالبية السوداء، لديها ثلاثة أضعاف معدّل الإصابات، وحوالى ستة أضعاف معدّل الوفيات في المقاطعات ذات الغالبية من البيض.
وتاكيدًا لعنصريته المتطرفة، اعترف ترامب بالتفاوت العرقي، وتساءل: "لماذا العدد أكثر بثلاث أو أربع مرّات بين الأميركيين السود، مقارنة ببقية السكان؟".
وفي الإطار ذاته، أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" بأنّ "موجة جديدة من حالات الإصابة بفيروس كورونا تنتشر بشكل عميق في المناطق الريفية، حيث كان الناس يأملون بأن مجتمعاتهم قد تكون محصّنة، بسبب عزلتهم عن المراكز الحضرية المتضرّرة بشدة، وبسبب التباعد الاجتماعي الطبيعي للحياة في الريف". وأوضحت الصحيفة أن الفيروس وصل إلى أكثر من ثلثَي المقاطعات الريفية في البلاد، مشيرة إلى أنّ "موجة المرض القادمة يمكن أن تُنهك المجتمعات الريفية، وهي أكبر سناً وأكثر فقراً ومرضاً من معظم أنحاء البلاد".
هكذا مر اليوم العالمي للصحة ولم يسمع به أحد، بدلًا من أن يكون مناسبة لرسم وتنفيذ الخطط العملية لمواجهة الامراض في العالم. وفي هذه المناسبة كشفت الولايات المتحدة عن وجهها الحقيقي في محاربة المؤسسات الدولية التي تعمل لخدمة الانسان في مجالات الصحة والتربية والعلم والثقافة. فهي تعمل بكل الوسائل لتحجيم هذه المؤسسات أو اخضاعها مما أضاف على الأزمة المالية الاقتصادية للراسمالية المتوحشة أزمة انسانية تطال الخدمات الاساسية التي يعتبرها الاستكبار كماليات. ويضاف الى الازمة الاقتصادية والانسانية التي يعاني منه الغرب، أزمة أخلاقية مما يبشر ببداية نهاية الراسمالية والاستكبار.