إن الانهيار الحاد في أسواق النفط العالمية بسبب حرب النفط بين روسيا والسعودية وكذا بسبب “فقاعة كورونا الاقتصادية” آثار تساؤلات عديدة حول مستقبل النفط وأسعاره على المدى الطويل،وأتت أحداث أخرى تعزز فرضية انحسار مستقبل النفط على حساب مصادر الطاقة الأخرى، البداية أتت في عودة إنتاج الولايات المتحدة الأمريكية للنفط عام 2015 بعد حظر دام لعقود، ذلك الخوف الأمريكي كان بسبب الاحتفاظ بالاحتياطي النفطي الأمريكي لمواجهة أي أزمة عالمية كما حدث في سبعينيات القرن الماضي أو في حال استنزاف النفط عالميا وعدم وجود مصدر طاقة بديل. لقد عززت مطالب ترامب المتكررة والحثيثة في رفع انتاج النفط عالميا ليسهم في تخفيض أسعاره بغرض تحفيز نمو الاقتصاد الأمريكي وتخفيض تكاليف الإنتاج والنقل مما يعكس إيجابا لنمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي وذلك ما تعارضه روسيا –المعتمدة على إيرادات النفط- وتساندها إيران في ذلك، وتتفق الصين مع الرأي الأمريكي كونها مستفيدة بسبب طلبها الأكبر عالميا في سوق النفط.
مع ظهور القلق العالمي من التلوث البيئي والحد في الانبعاثات الكربونية وما نتج عنه في اتفاقية باريس للمناخ والحد من الانبعاثات الكربونية والتلوث البيئي في ديسمبر 2015 أيضا أدى لصياغة قوانين واستراتيجيات دولية للحد من استهلاك الوقود وانبعاثاته وفرض رسوم وقيود على ذلك الاستنزاف لموارد الطبيعية للحد من الاحتباس الحراري أدى لوجود رؤية دولية لإحلال الطاقة البديلة والمتجددة في سد احتياجات العالم من الطاقة، ومنا ظهور السدود الكهرومائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية لينعكس في طلب النفط مستقبلا على حساب تلك المصادر المتجددة والصديقة للبيئة، وذلك يسهم في تبني سياسة الاقتصاد الدائري والتنمية المستدامة عوضا عن الاقتصاد الخطي المستنزف للموارد.
إن الهوس الاقتصادي الذي تعاني منه دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والتي تسعيان من خلاله في تنوع مصادر الإيرادات تؤكد مصدر قلق تلك الدول من انخفاض الطلب عالميا على النفط، وذلك ما دفع بالسعودية لتبني “رؤية 2030 ” للتحول من اقتصاد يستند على النفط إلى اقتصاد يستند على التنوع في الموارد، وذلك أدى بدوره لدفع دول الخليج لعمل اصلاحات اقتصادية منها رفع الدعم على النفط، ورفع الضرائب ورسوم الخدمات الرسمية الأخرى.
لقد كان لاتفاق الولايات المتحدة الأمريكية مع حركة طالبان الأفغانية وانسحاب أمريكا وحلفائها التدريجي قراءة جيوسياسية من ناحية استغناء أمريكا عن النفط الأفغاني الذي مثل مصدر أطماع لها منذ 2001 ويمهد لمرحلة اقتصادية عالمية جديدة تستند على مصادر طاقة أخرى ومتجدده مع امكانية استغلال أمريكا لأفغانستان في تجارة الحشيش وإدارة الصراع الأفغاني الداخلي وتوجيهه نحو صراع اقليمي يمتد نحو الحدود الإيرانية بغرض استنزافها. رفق ذلك تضارب الأنباء عن انسحاب أمريكي وشيك من العراق الغني بالنفط.
كل ما سبق يعزز فرضية انهيار سوق النفط العالمي ليصل إلى 30-20 دولار للبرميل على المدى المتوسط والطويل ويستقر عند ذلك الحدود، على حساب سوق الطاقة المتجددة والطاقة النووية والغاز المسال الذي سيعزز نموه، وذلك يجعل من الدول المنتجة للنفط مهددة بخطر الانهيار الاقتصادي في حال عدم صياغة رؤية اقتصادية معتمدة على مصادر إيراديه متنوعة وتخفض نفقاتها، وعلى الاقتصاد العالمي الحذر من النفخ في “فقاعة كورونا الاقتصادية” لتصير فقاعة “واسعة الأثر” يصعب التحكم فيها والتعافي منها عوضا “محدودية الأثر” الأمر الذي سيؤدي لكساد عالمي يهدد الأمن والاستقرار الدولي.