عقب وضع القمر الصناعي “نور” في مدار الأرض كأول قمر صناعي عسكري للجمهورية الإسلامية الإيرانية ، تم إجراء العديد من التحليلات والآراء المختلفة في مراكز الدراسات والفكر الغربية والإقليمية لتقييم هذا الإجراء وتأثيراته على النظام الإقليمي والعالمي ، والتي بدورها أخذت بعين الاعتبار قدرات الجمهورية الإسلامية الصاروخية والفضائية بشكل مختلف.
القدرة الصاروخية
دفعت التكنولوجيا المستخدمة ونوع وقود الصواريخ ، العديد من المحللين والخبراء العسكريين والسياسيين حول العالم إلى الاعتقاد بأن توازنًا جديدًا في المجال العسكري والاستخباراتي قد ظهر لصالح الجمهورية الإسلامية. وبالإضافة إلى ذلك ، فانه يتم إطلاق حوامل الأقمار الصناعية في البلدان التي لديها هذه التكنولوجيا من منصات ثابتة ، ولكن تم إطلاق الصاروخ حامل القمر الصناعي ثلاثي المراحل “قاصد” من منصة متنقلة في الصحراء الوسطى في إيران ، حيث يعتبر هذا الامر فريد من نوعه ضمن هذا المجال ، لأنه وبحسب الخبراء والمحللين ، فإن خطوة حرس الثورة الإسلامية هذه أبقت مراحل التحضير لاطلاق القمر الصناعي مخفيًة عن وكالات التجسس الأمريكية. حيث كانت الأقمار الصناعية ، التي أطلقتها قوة الجو فضاء التابعة لحرس الثورة الاسلامية منذ عام 2010 ، تطلق من محطة الإمام الخميني الفضائية الواقعة في محافظة سمنان.
وكتب “الان كول” في مقال بصحيفة لوموند الفرنسية قائلاً: “الصاروخ المستخدم لإطلاق هذا القمر الصناعي يختلف عما كان يُستخدم لإطلاق الأقمار الصناعية المدنية حتى الآن ، وللمرة الأولى يظهر مدى هيمنة وتسلط الحرس الثوري الإيراني على صناعة الصواريخ بعيدة المدى”. وفي اشارة إلى الحادث الذي تصادمت فيه زوارق حرس الثورة الاسلامية بشكل غير مباشر مع سفينة حربية أمريكية الأسبوع الماضي، قال: “إن إطلاق صاروخ قاصد قد يكون أكثر مدعاة للقلق لواشنطن من حادثة التصادم البحري الذي جرى الأسبوع الماضي” ، حيث يعتقد الان كول أن إطلاق القمر الصناعي العسكري هو علامة على تغيير كبير في برنامج الصواريخ الإيراني ، على الرغم من العقوبات الشديدة المفروضة على ايران والأزمة العالمية الذي تسبب بها كوفيد 19.
وقال “فابيان هاينز” ، أحد الخبراء في مركز جيمس مارتين للدراسات حول عدم انتشار الأسلحة النووية ضمن تقييمه لتداعيات اطلاق القمر الصناعي نور: “انه مع هذا الإطلاق ، أظهر الحرس الثوري محركًا متطورًا وجديدًا يمكن استخدامه في الصواريخ البالستية العابرة للقارات” ، وأضاف: “إنهم يظهرون لمنافسيهم أن لديهم التكنولوجيا الأساسية لإنتاج المزيد من هذه الأسلحة”.
القدرة الاستراتيجية والنظام العالمي
يستخدم صاروخ حامل الأقمار الصناعية قاصد نوعين من الوقود السائل ونوع واحد من الوقود الصلب لوضع القمر الصناعي نور في الفضاء بنجاح ، وعلى الرغم من أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تستخدم القمر الصناعي نور للأغراض السلمية والقدرات الدفاعية ، ولكن البلدان التي لديها القدرة على إرسال الأقمار الصناعية العسكرية إلى الفضاء ، حتى لو لم يكن لديها صواريخ بعيدة المدى ، فلديها القدرة والتكنولوجيا لصناعة الصواريخ بعيدة المدى بالقوة ، وقد ركز الخبراء العسكريون على هذه القضية.
وقال البروفيسور جودت بهجت ، عضو مركز دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا في جامعة الدفاع الوطني الامريكيية حول هذا الامر: “أطلقت إيران أول قمر صناعي عسكري لها ، وهذا يعني ان لديها الآن القدرة على إطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات” ، حيث يمكن أن تكون هذه القدرة الاستراتيجية فعالة في تغيير النظام العالمي أو على الأقل تسريع الانتقال من النظام الأحادي القطب إلى النظام متعدد الأقطاب.
وقال أنطونيو كارتيلوتشي ، أحد الخبراء الجيوسياسيين الأمريكيين بعد الإطلاق الناجح لقمر نور الصناعي ، “إيران هي إحدى الدول الرئيسية القليلة التي تساعد في تشكيل العالم الجديد متعدد الأقطاب” ، كما أدت التجارب المتعددة والأخطاء في اختبار الصواريخ الحاملة للأقمار الصناعية من جهة ، والتدخلات السرية للولايات المتحدة الامريكية لمنع النجاحات الفضائية في برامج الفضاء من جهة أخرى ، إلى حصول إيران على تكنولوجيا متطورة في صناعة الصواريخ الحاملة للأقمار الصناعية والتي جذبت انتباه الخبراء الغربيين.
وفي هذا الصدد قال “مايكل إلمان” ، الخبير البارز في مجال الدفاع الصاروخي في المعهد الأمريكي للدراسات الاستراتيجية ، “إن التكنولوجيا والعناصر المستخدمة في الصواريخ الحاملة للأقمار الصناعية ، بما في ذلك سيمرغ والصواريخ البالستية العابرة للقارات متشابهة ، حيث يحتوي كلاهما على محركات صاروخية قوية ، وهياكل قوية وخفيفة ، وملاحة صحيحة ، ووحدات توجيه ، وآليات فصل في المرحلة المطلوبة أو فصل الحمولة ، وأنظمة التتبع والاستشعار عن بعد لدعم التقدم وتتبع المهمات” وعلى الرغم من أوجه التشابه هذه ، من الخطأ اتهام إيران بأنها تقوم باستخدام سيمرغ لإطلاق الأقمار الصناعية كغطاء لإخفاء تطوير الصواريخ البالستية العابرة للقارات”.
ومن ناحية أخرى ، حدث تحول جديد في ميزان القوى الاقليمية ، فعلى الرغم من أنه وقبل إطلاق القمر الصناعي نور وازاحة الستار عن القوة الفضائية لحرس الثورة الإسلامية ، فإن ميزان القوى في المنطقة كان لا يزال في صالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، ولكن بعد إثبات القوة الفضائية الجديدة لحرس الثورة ، عطلت فجوة الطاقة هذه الحسابات والمعادلات السابقة. حيث كتب “شاؤول يناي” المحلل في شؤون إيران والخليج الفارسي في مقال بالصحيفة الصهيونية معاريو: “انه مع تحقيق هذا الإنجاز لن يكون من الممكن إجراء تقييم كامل لمستوى التهديد المحتمل الذي تشكله إيران على إسرائيل”.
وكتب “وفيق السامرائي” الخبير في القضايا الاستراتيجية والمستشار السابق لجلال طالباني في تحليله لنتائج إطلاق القمر الصناعي العسكري: “يجب على الولايات المتحدة الامريكية تغيير قواعد اللعبة في الخليج الفارسي وتصحيح سلوكها دون أي تأخير ، فان وقت التهديد والصراع ، والهجمات الارهابية والعقوبات الانفرادية انتهى لان ايران تمكنت من اطلاق قمرها الصناعي العسكري الى الفضاء رغم شدة هذه العقوبات.” وبالنظر إلى القدرات الصاروخية والإستراتيجية الجديدة للجمهورية الإسلامية الإيرانية ، يعتقد المراقبون السياسيون الآن أن القيود التي كانت تحد القدرة الصاروخية للجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت حتى الآن طوعية ومتوافقة مع الالتزامات الدولية ، ولم تتاثر بموجب العقوبات المفروضة على ايران ، وأنه إذا زادت الضغوط على طهران ، فستكون الجمهورية الإسلامية قادرة على تطوير قدرتها الصاروخية بسرعة.