حامد البياتي
لا نكاد نلتقي مع مرئيات كارل ماركس بأن بداية التاريخ، هو صراع الطبقات ونزاعها، وبناءا على هذا، يكرس في فلسفته المادية للتاريخ، على ادوار ومراحل خمسة، اولها الشيوعية ثم العبيد والاقطاع والراسمالية واخيرا الشيوعية الثانية او الاشتراكية، ولسنا هنا في مقام مناقشة نظريته التي هلكتها الطعون وتقادمت عليها السنون ، ولكن وعلى سبيل الرد السريع، ان دولا لم تكتوي اصلا بنظام العبيد كايران ومنغوليا، واخرى قد رأت النور، بعد هذا الدور، كتركيا وروسيا وڤيتنام وغيرها٠
ولكننا نرى ان التاريخ ابتدا منذ ان اخترعت الكتابة وهي الوعاء الذي حفظ وحوى كل الاحداث التي عاشتها البشرية من انجازات وصراعات وتحالفات وتشريعات، واما قبلها ( اي اللغة ) فهو ماقبل التاريخ والتدوين والمدونات٠
قبل ٧٠٠ سنة تزيد قليلا او تنقص، اكتشفت القارة الامريكية على يد ( كولمپس ) الذي يشك في كونه بريطانيا او اسپانيا، اذ اراد ان يجد طريقا الى الهند فعرض خدماته على حكومة انجلترا فرفضت مساعدته، وتبناه الثنائي الملكي الاسپاني اليزابيلا الاولى وفرديناند الثاني اللذان انتصرا توا على ملوك الطوائف بعد ان افنتهم حروبهم الشهوية الطامعة، ولهذا ابتلعا الاندلس كلها بما فيها غرناطة التي كان يحكمها محمد الثالث عشر فخرج منها باكيا بعد ان سلم المدينة ومفاتيحها وقصرها الاحمر، فقالت له امه، ابكي اليوم بكاء النساء على ملك لم تحفظه كالرجال٠
وصل كولمپس جزر الخالدات ( الكناري كما تعرف اليوم ) وبدل ان يتخذ طريق الجنوب تبوصل غربا فبلغ كوپا وظنها الهند لهذا اطلق على ناسها بالهنود الحمر، وابتدا الزحف الاسپاني البرتغالي اولا لهذه القارة التي اخذت تتكلم الاسپانية ماعدا البرازيل التي سيطرت البرتغاليه على لسانها٠
واما الاوربيون والبريطانيون فقد بدات هجرتهم الى امريكا الشمالية، فالفرنسيون بسطوا هجرتهم على كندا، لذا نرى مقاطعة كوبك الاستراتيجة ومونتريال ومدن اخرى تتكلم الفرنسية لهذا اليوم، في حين اتجه البريطانيون الى مايعرف اليوم بالولايات المتحدة، وبما ان المناطق الجنوبية الشاسعة منها، كنصف المكسيك وتكساس وكاليفورنيا وفيلاديليفيا وغيرها، تعتبر مناطق حارة وان مزارعها وحقولها تحتاج الى يد عاملة قوية ومتمرسة، فاتجهت الانظار لافريقيا كمنجم لاستيراد العمالة منها، اذ كانوا يصطادونهم وبمئات الالاف من الادغال والقرى الافريقية وكانهم ارانب او ضفادع او فراشات، ويكدسونهم بمخازن اكثر قذارة من الزرائب والحظائر، في ساحل العاج، وكانوا يطعمونهم الفستق فقط ومن هنا جائت تسميته بفستق العبيد، وبعدها يتم شحنهم والاصفاد والاغلال في ايديهم وارجلهم بسفن متهالكة الى حيث استرقاقهم واستعبادهم واستخدامهم، وكانوا يعاملون ببالغ القهر والذل والهوان لترويضهم وتدجينهم لسيدهم الابيض الجديد، وقد هلك منهم الملايين في هذه الرحلات البحرية وملايين اخرى اذا تباطؤا او ترهلوا في انجاز عملهم، كما ان سيدهم السادي كان يرضي ترفيهه، بعرضهم على كلابه الجائعة او باقامة حفلات المصارعة المقامرة الحرة التي تنتهي بفوز الاقوى وهلاك وموت الاخرين وهذا ما خلدته رواية ((كوخ العم توم ))، وحكته كتب التاريخ ((الجذور )) ٠
واستمر الحال حتى مجئ ابراهام لينگلون في عام ١٨٥٠ اذ اعلن حرية العبيد٠
ولكن بقيت شطرا من النفوس زاخرة بالعنصرية، ولم تستطيع القرارات والقوانين ان تخفض من غلوائها وعنفها، اذ مازالت حادثة السيدة السوداء روزا باركس التي رفضت ان تتنازل عن مقعدها، في الحافلة التي اقلتها في عام ١٩٥٥م، لرجل ابيض كان واقفا الى جنبها، لان القانون الامريكي انئذ كان يمنع منعا باتا جلوس الرجل الاسود وسيده الابيض واقفا، مما اقدم السائق ان يتجه مباشرة الى الشرطة كي تحقق معها٠
ولاتزال النظرة العنصرية ومفاعيلها تزداد لهيبا وخصوصا مع وجود زعماء مثل ترامب، حيث تفرخت الاحزاب الشعبوية في عهده والتي تطالب بطرد الاجنبي وحصر السود في مناطق خاصة بهم، ومن المؤسف حقا ان هذه الروح المتغولة تنتفخ ليس في اوساط رجال الشرطة الذين يتعاملون مع السود في قسوة وشدة وعنف وهم مستظلين بالقانون الفدرالي الذي يحصنهم، كما راينا في وقائع كثيرة حيث يقتل السود برصاص الشرطي الابيض وبدم بارد، واخرها التي جرت في مدينة منيا بوليس، وقد شاهدها العالم بشبكات الانترنت ، مصرع المواطن جورج فلويد بعد ان جثم رجل شرطة بركبتيه على عنقه وبهذا تم سحق كل وهم مايقال من حقوق الإنسان والمساواة في امريكا ، و حتى في مجال الصحة فقد لوحظ ان الغالبية من صرعى ومرضى كوفيد ١٩ هم من السود٠
ولايفوتني ان اذكر القارئ بمجموعة(( كو كلوكس كلان)) العنصرية التي كانت ترتدي ملابس بيضاء وتقتل العناصر السوداء والمهاجرين بحجة الحفاظ على العرق الابيض وجيناته من اي تشويه، وقد اسسها مجموعة من ضباط الحرب والشرطة، واخذت بالانتشار في القرن العشرين وفي عديد من الولايات الامريكية٠
مايحصل في امريكا هو صراع طبقي ويكشف عن فلسفة التمايز في أعماق المجتمع الامريكي.
وعليه فان هذه الاحداث تكشف عن عمق الخلل وتوشر الى أزمة تطول
قال تعالى في كتابه المجيد ( ان اكرمكم عند الله اتقاكم )٠
صدق الله العلي العظيم٠