يجوز لنا أن نَصف رمضان شلح، الأمين العام الراحل لحركة «الجهاد الإسلامي»، الذي غيّبه المرض عن الحياة السياسية قصراً منذ عامين، بأنه «الرجل الذي لا يؤمن بنهاية التاريخ». في إحدى مقابلاته، قال إن «المفاوضين تمردوا على فوكوياما وتمسكوا بنظرية نهاية التاريخ... (أما) المقاومة، فتصنع تاريخها المتجدد الذي لا ينتهي عند الحدود التي تقف عندها الدبابة الإسرائيلية. بهذا، قدم فكرته التي أمضى حياته منظّراً لها: «الإسرائيليون لن يعطونا شيئاً». قاتل شلح، الذي رحل أمس، دفاعاً عمّا يمكن أن تنجزه البندقية، واستدعى في سبيل ذلك تاريخ «منظمة التحرير»، سلوك أبو عمار (ياسر عرفات) وقتاله في عيلبون وقلعة شقيف والكرامة، ثم مفاوضاته في كامب ديفيد، وتنازله في أوسلو، ثم تمرده في الانتفاضة الثانية، ثم مقتله مسموماً... «لن يعطوك شيئاً يا أبو مازن»، صرخ شلح مواجهاً، «لو فحصنا جسمك، لوجدنا كل خلاياه تشتكي مما فعله بك الإسرائيليون في المفاوضات، أتريدنا أن نفاوض، هم يقدمون فتات الفائض الأمني، ولا شيء سوى ذلك». ومن تاريخ تلك المقابلة، 2008، كأن شيئاً لم يتغير في الساحة الفلسطينية.
رمضان عبد الله شلح هو ابن حي الشجاعية شرق مدينة غزة. ولد فيه عام 1958 وأتمّ تعليمه الابتدائي حتى الثانوي هناك قبل أن يغادر إلى القاهرة (1978) ليكمل دراسته في جامعة «الزقازيق». هناك، قبل أن ينال شهادة البكالوريوس في الاقتصاد، تعرّف إلى الشهيد فتحي الشقاقي، ودارت بينه وبين جموع الطلاب الفلسطينيين نقاشات فكرية عميقة أذكتها حالة الفراغ التي تسبب فيها أفول التجربة الناصرية. في تلك المرحلة من نهاية السبعينيات، ووسط أمواج الشرق الأوسط الهائجة التي شهدت توقيع أول اتفاقية «سلام» عربية مع إسرائيل، وتراجع الدور المؤثر للاتحاد السوفياتي في العالم، ثم انتصار الثورة الإسلامية في إيران وصعود خطاب إسلامي ثوري تقدمي جديد، اجتمعت أفكار الشقاقي وشلح ونخبة من الطلبة لتشكيل تنظيم فلسطيني جديد يعيد الزخم إلى الحالة الثورية. آنذاك، انضم شلح إلى مجموعة شبابية صغيرة كان يقودها الشقاقي اسمها «الطلائع الإسلامية»، ومنها بعد سنوات قليلة، انطلقت «حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين». بعد ذلك، عاد الرجل الذي «يحسن دائماً قراءة المشهد الفلسطيني، ويستطيع النفاذ إلى العقل الإسرائيلي»، إلى القطاع، ليمارس نشاطه الجهادي والدعوي، إلى جانب عمله الأكاديمي أستاذاً للاقتصاد في الجامعة الإسلامية بغزة. وفي مطلع الثمانينيات، الذي شهد فتوراً في العمل الثوري مع محاولات لأدلجة مجتمع المخيمات الفلسطينية في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تسعى إلى صهره في واقعية الوجود الإسرائيلي، كان شلح ورفاقه يستغلون كل الفرص لتنظيم الاحتجاجات الشعبية. يقول بعض من عايشوه لـ«الأخبار» إن صوته الجهوري وهو يتقدم المسيرات كان يشحن المحتجين، كما كان أبدع من يؤلف الشعارات في اللحظة سريعاً. كل ذلك دفع ثمنه بعدما وضعه الاحتلال تحت الإقامة الجبرية ومنعه من مزاولة العمل في الجامعة.
عام 1986 غادر الرجل، الذي سيغدو مطلوباً للولايات المتحدة في أكثر من قائمة، إلى العاصمة البريطانية لندن، بعدما ابتعثته «الإسلامية» لإكمال دراسته العليا في جامعة «ردم» التي حصل فيها على درجة الدكتوراه عام 1990. ثم واصل مشواره الأكاديمي في الولايات المتحدة. وبين 1993 و1995 انشغل في نشاطه الفكري والسياسي ضمن «مركز دراسات الإسلام والغرب»، إلى جانب عمله الأكاديمي أستاذاً لدراسات الشرق الأوسط في جامعة جنوبي فلوريدا. تلك المرحلة أذكت فهمه للعقلية التي يفكر فيها الغرب، فراكم «إدراكاً تحليلياً كبيراً» لرؤية فلسطين بعين الغرب. وأيقن أن الأخير ينظر إلى فلسطين بعين المشكلة اليهودية العالمية التي أتى حلها على حساب الحقوق الفلسطينية. حتى جاء 1995. تزامن وصول شلح إلى دمشق، ولقاؤه من جديد بالشقاقي، مع أكبر مخاض سياسي عاشته الساحة الفلسطينية: اتفاق أوسلو. آنذاك، حاولت «الجهاد الإسلامي» وضع توقيعها على «أوسلو» بالعمليات الاستشهادية المتصاعدة، معلنة أن الفريق الذي وقّع على التنازل عن 80% من فلسطين التاريخية لا يمثل الكل الفلسطيني. وبينما كان شلح ينتظر صدور أوراقه الثبوتية للعودة إلى غزة من دمشق، اغتال جهاز «الموساد» الإسرائيلي الشقاقي في الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر تلك السنة، لينتخب شلح أميناً عاماً.
مضت سنوات عجاف بعد عودة السلطة إلى فلسطين، حتى اندلعت الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى)، وهنا برز نجم شلح الذي كان معروفاً بأنه يحسن التوصيف السياسي الاستشرافي، ذلك التقدير الذي يبدع في «تجليس الدور الوطني للبندقية بوصفها نهجاً نضالياً منجزاً يتجاوز حدود ما يمكن أن تعطيه إسرائيل للفلسطينيين» مع مكتسبات يصفها بأنها «الفائض الأمني» مقابل تعرية الحل التفاوضي الذي تنتهجه السلطة. وقد قال في إحدى المقابلات إن «من المستحيل أن يعطي العقل الإسرائيلي دولة للفلسطينيين في حدود 67، (لأن) ما تريده إسرائيل هو دولة المصلحة». لعل المثير في «دولة المصلحة» التي يتحدث عنها شلح أنها تتطابق حرفياً مع المضمون الذي قدمته «صفقة القرن» بشأن شكل الدولة التي قد يحصل عليها الفلسطينيون، فهي دولة يقول عنها شلح: «مجزأة، مقطعة الأوصال، لا تواصل جغرافياً بين مدنها، دولة كانتونات تربط بينها أنفاق فوق الأرض وجسور في السماء، مهمتها أن تنهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتحفظ أمن إسرائيل وتجهض أي مشروع مقاومة... دولة بلا جيش ولا موارد، دولة تكون جسراً لتفتح أبواب العالم العربي أمام إسرائيل»، ويختم: «هذه الدولة لو سماها الفلسطينيون إمبراطورية، فستكون إسرائيل سعيدة».
عمل شلح على تشريح العقل الإسرائيلي الذي يعتبر نفسه «رباً» بما يمتلكه من قوة: «إسرائيل لا ترى أصحاب الحد الأدنى من المطالب الذين يسعون إلى تحقيقها عبر المفاوضات، ولا ترى أصحاب الحد الأقصى الذين يطالبون بفلسطين من البحر إلى النهر؛ إسرائيل لا ترى الطرفين، ولا تريد أن تعطي أحداً شيئاً، والعالم لا يريد حل المسألة الفلسطينية، لكن يريد حل المسألة اليهودية التي عانى منها كله؛ يريدون حلها على حساب القضية الفلسطينية». لكن خلال الانتفاضة، تجاوز الدكتور رمضان عبد الله دوره السياسي والفكري، فقد اتهمته إسرائيل بالمسؤولية المباشرة عن عمليات الحركة التي استهدفت الاحتلال، تلك التهمة التي لم يحاول شلح نفيها عن نفسه، بل أكدها عندما خرج على التلفزيون وأعلن عام 2002 مسؤولية الذراع العسكرية للحركة، «سرايا القدس»، عن عملية «زقاق الموت» التي وقعت في منطقة وادي النصارى في مدينة الخليل. حينها، كان شلح عبر شاشة «المنار» يتحدث عن العملية التي لا تزال مستمرة، وتسببت في مقتل القائد العسكري الإسرائيلي في مدينة الخليل إضافة إلى 13 جندياً. وسريعاً أعلنت واشنطن عام 2003 إدراجه على «قائمة المطلوبين»، وواصلت ملاحقته برصد جائزة قدرها خمسة ملايين دولار عام 2007 لمن يقدم مساهمة تؤدي إلى القبض عليه.
إلى جانب ذلك كله، قدم الرجل الذي وضعه «مكتب التحقيقات الفيدرالي» (FBI) على قائمة أبرز المطلوبين لديه عام 2017، مقاربة دقيقة في فهم الأحداث التي شهدتها البلدان العربية منذ 2011، تلك «الثورات» التي وصفها بقوله «ما يسمى أحداث الربيع العربي»، وقد وجد فيها، ولا سيما أحداث سوريا، «فرصة غربية لتمزيق البلاد وتحقيق المصلحة العليا للغرب». يقول شلح: «القوى الداعمة تريد استمرار هذه الحرب حتى تمزق سوريا إلى كيانات ترتمي جميعها في أحضان العدو الصهيوني». هذا الفهم الدقيق للحدث استطاع العبور بـ«الجهاد» من الوقوع في حرب الاصطفاف المكلفة، لينحاز الرجل إلى فلسطين، ويقدم رؤيته المتزنة للأحداث التي تاه في أتونها الجميع. رحل شلح صامتاً بعدما هتف وصرخ وتحدث كثيراً في أعوام عمره التي جاوزت الستين بعامين، مريضاً على فراشه، كما كان يخشى أن يختم عمره بغير الشهادة، غريباً عن الحي الذي بكاه اليوم، وعن الأرض التي لم يسمح له الاحتلال بأن يزورها حتى وهو مسجى في نعشه.
يجوز لنا أن نَصف رمضان شلح، الأمين العام الراحل لحركة «الجهاد الإسلامي»، الذي غيّبه المرض عن الحياة السياسية قصراً منذ عامين، بأنه «الرجل الذي لا يؤمن بنهاية التاريخ». في إحدى مقابلاته، قال إن «المفاوضين تمردوا على فوكوياما وتمسكوا بنظرية نهاية التاريخ... (أما) المقاومة، فتصنع تاريخها المتجدد الذي لا ينتهي عند الحدود التي تقف عندها الدبابة الإسرائيلية. بهذا، قدم فكرته التي أمضى حياته منظّراً لها: «الإسرائيليون لن يعطونا شيئاً». قاتل شلح، الذي رحل أمس، دفاعاً عمّا يمكن أن تنجزه البندقية، واستدعى في سبيل ذلك تاريخ «منظمة التحرير»، سلوك أبو عمار (ياسر عرفات) وقتاله في عيلبون وقلعة شقيف والكرامة، ثم مفاوضاته في كامب ديفيد، وتنازله في أوسلو، ثم تمرده في الانتفاضة الثانية، ثم مقتله مسموماً... «لن يعطوك شيئاً يا أبو مازن»، صرخ شلح مواجهاً، «لو فحصنا جسمك، لوجدنا كل خلاياه تشتكي مما فعله بك الإسرائيليون في المفاوضات، أتريدنا أن نفاوض، هم يقدمون فتات الفائض الأمني، ولا شيء سوى ذلك». ومن تاريخ تلك المقابلة، 2008، كأن شيئاً لم يتغير في الساحة الفلسطينية.
رمضان عبد الله شلح هو ابن حي الشجاعية شرق مدينة غزة. ولد فيه عام 1958 وأتمّ تعليمه الابتدائي حتى الثانوي هناك قبل أن يغادر إلى القاهرة (1978) ليكمل دراسته في جامعة «الزقازيق». هناك، قبل أن ينال شهادة البكالوريوس في الاقتصاد، تعرّف إلى الشهيد فتحي الشقاقي، ودارت بينه وبين جموع الطلاب الفلسطينيين نقاشات فكرية عميقة أذكتها حالة الفراغ التي تسبب فيها أفول التجربة الناصرية. في تلك المرحلة من نهاية السبعينيات، ووسط أمواج الشرق الأوسط الهائجة التي شهدت توقيع أول اتفاقية «سلام» عربية مع إسرائيل، وتراجع الدور المؤثر للاتحاد السوفياتي في العالم، ثم انتصار الثورة الإسلامية في إيران وصعود خطاب إسلامي ثوري تقدمي جديد، اجتمعت أفكار الشقاقي وشلح ونخبة من الطلبة لتشكيل تنظيم فلسطيني جديد يعيد الزخم إلى الحالة الثورية. آنذاك، انضم شلح إلى مجموعة شبابية صغيرة كان يقودها الشقاقي اسمها «الطلائع الإسلامية»، ومنها بعد سنوات قليلة، انطلقت «حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين». بعد ذلك، عاد الرجل الذي «يحسن دائماً قراءة المشهد الفلسطيني، ويستطيع النفاذ إلى العقل الإسرائيلي»، إلى القطاع، ليمارس نشاطه الجهادي والدعوي، إلى جانب عمله الأكاديمي أستاذاً للاقتصاد في الجامعة الإسلامية بغزة. وفي مطلع الثمانينيات، الذي شهد فتوراً في العمل الثوري مع محاولات لأدلجة مجتمع المخيمات الفلسطينية في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تسعى إلى صهره في واقعية الوجود الإسرائيلي، كان شلح ورفاقه يستغلون كل الفرص لتنظيم الاحتجاجات الشعبية. يقول بعض من عايشوه لـ«الأخبار» إن صوته الجهوري وهو يتقدم المسيرات كان يشحن المحتجين، كما كان أبدع من يؤلف الشعارات في اللحظة سريعاً. كل ذلك دفع ثمنه بعدما وضعه الاحتلال تحت الإقامة الجبرية ومنعه من مزاولة العمل في الجامعة.
عام 1986 غادر الرجل، الذي سيغدو مطلوباً للولايات المتحدة في أكثر من قائمة، إلى العاصمة البريطانية لندن، بعدما ابتعثته «الإسلامية» لإكمال دراسته العليا في جامعة «ردم» التي حصل فيها على درجة الدكتوراه عام 1990. ثم واصل مشواره الأكاديمي في الولايات المتحدة. وبين 1993 و1995 انشغل في نشاطه الفكري والسياسي ضمن «مركز دراسات الإسلام والغرب»، إلى جانب عمله الأكاديمي أستاذاً لدراسات الشرق الأوسط في جامعة جنوبي فلوريدا. تلك المرحلة أذكت فهمه للعقلية التي يفكر فيها الغرب، فراكم «إدراكاً تحليلياً كبيراً» لرؤية فلسطين بعين الغرب. وأيقن أن الأخير ينظر إلى فلسطين بعين المشكلة اليهودية العالمية التي أتى حلها على حساب الحقوق الفلسطينية. حتى جاء 1995. تزامن وصول شلح إلى دمشق، ولقاؤه من جديد بالشقاقي، مع أكبر مخاض سياسي عاشته الساحة الفلسطينية: اتفاق أوسلو. آنذاك، حاولت «الجهاد الإسلامي» وضع توقيعها على «أوسلو» بالعمليات الاستشهادية المتصاعدة، معلنة أن الفريق الذي وقّع على التنازل عن 80% من فلسطين التاريخية لا يمثل الكل الفلسطيني. وبينما كان شلح ينتظر صدور أوراقه الثبوتية للعودة إلى غزة من دمشق، اغتال جهاز «الموساد» الإسرائيلي الشقاقي في الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر تلك السنة، لينتخب شلح أميناً عاماً.
مضت سنوات عجاف بعد عودة السلطة إلى فلسطين، حتى اندلعت الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى)، وهنا برز نجم شلح الذي كان معروفاً بأنه يحسن التوصيف السياسي الاستشرافي، ذلك التقدير الذي يبدع في «تجليس الدور الوطني للبندقية بوصفها نهجاً نضالياً منجزاً يتجاوز حدود ما يمكن أن تعطيه إسرائيل للفلسطينيين» مع مكتسبات يصفها بأنها «الفائض الأمني» مقابل تعرية الحل التفاوضي الذي تنتهجه السلطة. وقد قال في إحدى المقابلات إن «من المستحيل أن يعطي العقل الإسرائيلي دولة للفلسطينيين في حدود 67، (لأن) ما تريده إسرائيل هو دولة المصلحة». لعل المثير في «دولة المصلحة» التي يتحدث عنها شلح أنها تتطابق حرفياً مع المضمون الذي قدمته «صفقة القرن» بشأن شكل الدولة التي قد يحصل عليها الفلسطينيون، فهي دولة يقول عنها شلح: «مجزأة، مقطعة الأوصال، لا تواصل جغرافياً بين مدنها، دولة كانتونات تربط بينها أنفاق فوق الأرض وجسور في السماء، مهمتها أن تنهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتحفظ أمن إسرائيل وتجهض أي مشروع مقاومة... دولة بلا جيش ولا موارد، دولة تكون جسراً لتفتح أبواب العالم العربي أمام إسرائيل»، ويختم: «هذه الدولة لو سماها الفلسطينيون إمبراطورية، فستكون إسرائيل سعيدة».
عمل شلح على تشريح العقل الإسرائيلي الذي يعتبر نفسه «رباً» بما يمتلكه من قوة: «إسرائيل لا ترى أصحاب الحد الأدنى من المطالب الذين يسعون إلى تحقيقها عبر المفاوضات، ولا ترى أصحاب الحد الأقصى الذين يطالبون بفلسطين من البحر إلى النهر؛ إسرائيل لا ترى الطرفين، ولا تريد أن تعطي أحداً شيئاً، والعالم لا يريد حل المسألة الفلسطينية، لكن يريد حل المسألة اليهودية التي عانى منها كله؛ يريدون حلها على حساب القضية الفلسطينية». لكن خلال الانتفاضة، تجاوز الدكتور رمضان عبد الله دوره السياسي والفكري، فقد اتهمته إسرائيل بالمسؤولية المباشرة عن عمليات الحركة التي استهدفت الاحتلال، تلك التهمة التي لم يحاول شلح نفيها عن نفسه، بل أكدها عندما خرج على التلفزيون وأعلن عام 2002 مسؤولية الذراع العسكرية للحركة، «سرايا القدس»، عن عملية «زقاق الموت» التي وقعت في منطقة وادي النصارى في مدينة الخليل. حينها، كان شلح عبر شاشة «المنار» يتحدث عن العملية التي لا تزال مستمرة، وتسببت في مقتل القائد العسكري الإسرائيلي في مدينة الخليل إضافة إلى 13 جندياً. وسريعاً أعلنت واشنطن عام 2003 إدراجه على «قائمة المطلوبين»، وواصلت ملاحقته برصد جائزة قدرها خمسة ملايين دولار عام 2007 لمن يقدم مساهمة تؤدي إلى القبض عليه.
إلى جانب ذلك كله، قدم الرجل الذي وضعه «مكتب التحقيقات الفيدرالي» (FBI) على قائمة أبرز المطلوبين لديه عام 2017، مقاربة دقيقة في فهم الأحداث التي شهدتها البلدان العربية منذ 2011، تلك «الثورات» التي وصفها بقوله «ما يسمى أحداث الربيع العربي»، وقد وجد فيها، ولا سيما أحداث سوريا، «فرصة غربية لتمزيق البلاد وتحقيق المصلحة العليا للغرب». يقول شلح: «القوى الداعمة تريد استمرار هذه الحرب حتى تمزق سوريا إلى كيانات ترتمي جميعها في أحضان العدو الصهيوني». هذا الفهم الدقيق للحدث استطاع العبور بـ«الجهاد» من الوقوع في حرب الاصطفاف المكلفة، لينحاز الرجل إلى فلسطين، ويقدم رؤيته المتزنة للأحداث التي تاه في أتونها الجميع. رحل شلح صامتاً بعدما هتف وصرخ وتحدث كثيراً في أعوام عمره التي جاوزت الستين بعامين، مريضاً على فراشه، كما كان يخشى أن يختم عمره بغير الشهادة، غريباً عن الحي الذي بكاه اليوم، وعن الأرض التي لم يسمح له الاحتلال بأن يزورها حتى وهو مسجى في نعشه.