ليلى عماشا
قبل البداية، أغمض عينيك برهةً.. ستحضر قوّة من جيش الاحتلال إلى داخل بيتك أو في الشارع.. سيكبّل أفرادها يديك ويقتادونك إلى خلف الأسوار المسمّاة سجنًا.. هناك، سيستقبلك كلّ ما يمكنك أن تتخيّله من تعذيب نفسي وجسدي وستتعرّض لتحقيق يطاول كل خطوطك الحمراء، تليه محاكمة صورية في محكمة لا تعترف بها أصلًا.. وبعدها، أنت أسير.
هذه الثواني من التخيّل والتي ولّدت فيك اختناقًا أو غضبًا أو حزنًا أو صرخة، هي بداية حكاية آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.. وهي المحطة التي تحوي أقصى وأقسى الألم بكلّ صنوفه، وبألف ألف حكاية مختلفة بتفاصيل متشابهة، وبمشتركات كثيرة.. من كلّ الأعمار ومن كلّ الاتجاهات السياسية والفكرية ومن كلّ الفئات الاجتماعية، يكفي أنّك فلسطيني ترفض الاحتلال كي يحوي عمرك حكاية أسرٍ لا تُنسى.. وهنا، إيّاك أن تذهب في اتجاه "تعاطفيّ".. إن لم يُشعرك الأسر أنّك معنيّ بشخصك وبقلبك بقضية كلّ أسير، وإن لم يغضبك حال من تهمتهم "المقاومة" بكلّ وسائلها وأشكالها، فأنت معفيّ من التضامن، بل ممنوع من نيل شرف التفاعل مع قضايا الأسرى في سجون الاحتلال.
والآن، وقد وُلدنا فلسطينيي الهوى لأن فلسطين أمّ البلاد، وشهدنا بالتجربة المباشرة وبالجغرافيا التي أعزّتنا أن نكون على مرمى حجر من فلسطين الموطن وفلسطين القضية وفلسطين الأسيرة خلف حدود الاحتلال، وعشنا تفاصيل حكايات الأسرى المحرّرين الذي عادوا من فلسطين بعمليات تبادل حقّقتها المقاومة، وسمعنا منهم عن أمّهات لهم هناك، عن "أم جبر وشاح" التي غمرت بالحبّ وبالأمومة قلوب الأسرى اللبنانيين وغيرهم في سجون الاحتلال، وجب أن نصير نحن أيضًا أمهات ها هنا.. تأخرنا ربما، لكنّ ما زال الوقت متاحًا، لتحويل المنصات الافتراضية إلى ساحات نرفع فيها الصوت عاليًا، ونعيد من خلالها قضية الأسرى، كلّ الأسرى إلى واجهة اليوميّات.. نحن أمهاتهم وهم أبناؤنا ولهم علينا ما لكلّ ابن وبنت على أمهما.
باختصار، تبنّي أسير في سجون الاحتلال لن يحقّق تحرير الأسرى، فهذا لا يمكن أن يتحقّق إلا بعمليات المقاومة وصفقات التبادل، إلا أنّه يقينًا يحيط الأسرى الأبطال في سجون الاحتلال بالدعم المعنوي والإعلامي والتواصليّ الذي يساهم في جعل أيامهم خلف الجدران تمضي بحزن أقل، وبمعرفة جميلة بأن من خلف الحدود لهم أمّهات ثانيات، يحاولن قدر استطاعتهنّ متابعة أبنائهنّ بكل الإمكانيات المتاحة، والقليلة مهما كثرت.
قد تبدو المسألة عاطفية جدًا.. فليكن، فالعاطفة أمّ الوعي وأرضه. قد يتناول البعض هذه الحملة بقياس ما لا يمكن لها أن تحقّقه، ونجيب أنّه يكفي أن تحقّق إيصال صوت الأسرى كي تكون ناجحة، لا سيّما وأنّ الحركة الأسيرة لطالما أمدّتنا نحن الذين خارج أسوار السجن الفعلي للاحتلال بكلّ الدعم المعنويّ.. فهؤلاء الأبطال الذين لطالما خاضوا معاركهم وهم في الأسر، ليسوا بحاجة لنا بقدر ما نحن بحاجة إليهم.
وبعد، هي حملة "تْبنّى أسيرْ" التي بدأت بشكل فردي من مناضلة تهوى فلسطين، السيدة سيلڤيا عمّون، والتي قرّرت تبنّي الأسير "محمد عدنان مرداوي" ومتابعة شؤونه في الأسر، وتحوّلت إلى دعوة نأمل أن تجد الصدى الذي تستحقه في قلوب أمهات يرغبن بالمشاركة بالحملة ومتابعتها. وبهذا نكون قد حقّقنا الربط بين الحركة الأسيرة وبين أمهات يردن ردّ الجميل لمقاومين أسرهم الإحتلال بتهمة الدفاع عن فلسطين، فلسطيننا جميعا.
(تفاصيل المشاركة بالحملة قيد التحضير النهائي ونوافيكم بها أولًا بأوّل.)