أن تقع أسيرًا لدى الاحتلال يعني أنّك منذ لحظة الأسر معرّض لكلّ أشكال التعذيب الجسدي والمعنوي، وأنّ هذا التعذيب لن يقتصر عليك بل يتعداه إلى أفراد أسرتك وربما أقاربك وأصدقائك. شهدنا في قرانا المحتلة قبل التحرير مئات القصص التي تروي أساليب الصهاينة وعملائهم في الضغط على الأسرى سواء عبر تدمير بيوت عائلاتهم أو اعتقال فرد آخر من العائلة ووصل الأمر مرات كثيرة حدّ التعذيب على مرأى من الأسير.
تضع هذه المسألة الأسرى كلّهم وعائلاتهم في حال من الضغط النفسي المتواصل، ولا سيّما في الفترات التي تنشط فيها "الحركة الأسيرة" داخل معتقلات الاحتلال. ولعلّ الإضراب عن الطعام، سلاح الأسرى الوحيد والذي استخدموه مرارًا للضغط على قوات الاحتلال، كان يترافق دائمًا مع ضغوط هائلة يتلقاها الأهل والأقارب بشكل مباشر وتضاف إلى وجعهم الأساسي المتمثل بمتابعة وضع ابنهم او ابنتهم في الأسر.
هذه الضغوط لا تتوقف، تستمر في كلّ زيارة يقومون بها إلى ابنهم أو ابنتهم، في كلّ جلسة محاكمة، في كل يوم وعند كلّ حدث. هم عمليًا يعانون مع أبنائهم الأسرى لحظة بلحظة، ويتعرّضون حتى لو لم يتمّ اعتقالهم إلى القيود التي تمنعهم من إيصال صوت وقضايا أبنائهم وبناتهن. ومن هنا، وُلدت فكرة تبني الأسرى الذين يرغبون بأن نحمل قضاياهم على الأقل إلى ساحات العالم الافتراضي. فالفكرة تخفّف الضغط ولو قليلًا عن أهاليهم، وتتيح لنا الإضاءة على معاناتهم عبر بناء رابطة وجدانية بالدرجة الأولى وافتراضية ما دامت تفصلنا الحدود المزنّرة بالمحتلين ودائمة لأن الصلة موجودة أصلًا ولا تحتاج لافتعالها أو لأي ادعاء حولها. فنحن أبناء المعاناة الواحدة والجرح الواحد ولن نشفى إلّا معًا.
اذًا، حملة "تبنّى أسير"، الفكرة التي ولدت منذ أسابيع قليلة والتي بدأت بمبادرة فردية وضعت نفسها على سكّة الانطلاق: تحولنا إلى عائلة تجمع الأسرى محمد عدنان مرداوي، نورهان ابراهيم عواد، منذر خلف ومحمد مهدي سليمان بالأمهات سيلفيا عمون، سلام عياد حركة، جوليا مرداس، كاتيا ناصر، ربى يوسف شاهين، وليلى عماشا. عائلة تربطها صلة وجدانية، تعاون من أجل إيصال معاناة الأسرى جميعهم إلى كلّ البيوت، وقضايا وحكايات وصوت كلّ أسير يرغب بالانضمام للعائلة.. قد لا يتطلب الأمر جهدًا جبارًا، لكنّه يهدي الأسرى وأهلهم وكلّ مشارك في الحملة طاقة من حب نحتاجها جميعًا كي نبقى على قيد انسانيتنا وأخلاقنا، وكي نستحق مكانة فلسطين في ارواحنا وايامنا.
