بعد الهجمات المتتالية التي وقعت في فرنسا في الأسابيع الماضية، يعتبر أوليفييه روا، المفكر السياسي الفرنسي والأستاذ في المعهد الجامعي الأوروبي في فلورنسا، في مقابلة مع «الأخبار»، أننا أمام نمط جديد من الإرهاب لا يندرج في سياق الجهادية المعولمة

 ما هو تحليلكم للهجمات التي وقعت في فرنسا خلال الأسابيع الأخيرة؟ هل هي مِن فعل تنظيمات أم هي تُمثّل قطيعة مع نمط العمليات السابق، كتلك التي وقعت في عام 2015 مثلاً؟
نحن نشهد قطيعة بالفعل. أمامنا هجمات فردية قام بها أشخاص لا يتمتعون بدعم شبكة أو مجموعة، ما يفسّر بدائية الوسائل المستخدمة من قِبَلهم (سكين مطبخ، ساطور، إلخ). العنصر المستجدّ الآخر هو الخلفيات الشخصية المتباينة للمهاجمين. فمنذ عام 1995 (عمليات خالد قلقال) وحتى عام 2015 (هجوم قاعة الباتاكلان في باريس)، كان المنفذون في غالبيتهم من أبناء الجيل الثاني من المهاجرين القادمين من شمال أفريقيا والشرق الأوسط. بعد عام 2016، بتنا نجد بين هؤلاء أناساً قادمين من خارج البيئة الفرنسية، ومعتنقين جدداً للإسلام، وأشخاصاً من أصول قومية، كالشيشان مثلاً، لم يسبق أن شارك متحدّرون منها في عمليات في فرنسا. علاوة على ذلك، فإن هؤلاء الأشخاص غير منخرطين في معارك دائرة في ساحات محدّدة، ما يعني غياب البعد الجيوسياسي في عملياتهم لمصلحة البعد الرمزي: أي حرب شاملة بين الإسلام وملّة الكفر. هم يقدّمون أنفسهم على أنهم توّاقون للشهادة. منذ قلقال، تحتلّ الشهادة موقعاً مركزياً، وقد قُتلوا جميعاً عبر تفجير أنفسهم أو خلال المواجهة مع الشرطة. لكن الطابع «الاستشهادي» أكثر قوة لدى الجيل الجديد الذي أشرنا إليه من المنفذين.

 كيف تفسّرون هذا التحوّل؟
هذا التحوّل مرتبط أساساً بتَغيّر المشهد الجيو استراتيجي. أصبح من الصعب جدّاً التماهي مع قضية إسلامية في العالم. تَبدّلت المعطيات الميدانية جذرياً: دُمّرت «داعش»، ولا يمكن النظر إلى المعركة في سوريا من خلال ثنائية المسلمين والكفار. نرى، إضافة إلى ذلك، نسجاً لتحالفات غير متوقّعة كالتقارب السعودي - الإسرائيلي، في سياق أضحت فيه القضية الفلسطينية تبدو مجرّد قضية أخلاقية فاقدة لأيّ مضمون جيوسياسي. إنها ظروف مناسبة لنموّ القضايا «الشخصية». لم يعد المنفذون يندرجون في أطر مؤسّساتية، بل يسلكون مساراً فردياً لتحقيق الذات من خلال الانتحار.

 ما هي قراءتكم للتغطية الإعلامية - السياسية لمقتل المُدرّس صامويل باتي في فرنسا، وللوحدة «المقدّسة» التي أبدتها غالبية مكوّنات الطبقة السياسية عند اعتبارها الإسلام السياسي وَلّادة للإرهاب؟
سادت هذه الفرضية لأنها نجحت في التقريب بين معسكرين كانا على طرفَي نقيض في فرنسا: اليمين المحافظ المتمسّك بالهوية المسيحية لفرنسا، واليسار الجمهوري العلماني والسلطوي. التياران متّحدان اليوم بفضل إيمانويل ماكرون الذي بلور توليفة مناسبة لهما. هما مقتنعان بوجود استراتيجية أسلمة لفرنسا عبر بناء فضاءات مستقلّة عن سلطة الدولة ونشر للسلفية المنتجة للإرهاب. في الحقيقة، ليس هناك من فضاءات مؤسلمة خارجة عن سلطة الدولة في فرنسا. من جهةٍ أخرى، فإن الإرهابيين ليست لديهم خلفية سلفية اكتسبوها من خلال تربية دينية أو دراسة في معاهد سلفية قادتهم إلى التطرّف. هم في غالبيتهم شبان من أصحاب السوابق الجنائية جنحوا نحو التطرّف عبر صلات شخصية مع أفراد آخرين أو عبر الإنترنت. لم يكن أيٌّ منهم على صلة بمسجد أو بجمعية إسلامية. لم يحرص أيٌّ منهم على تقديم خطاب تبريري لفعله. معارفهم الدينية ضعيفة جدّاً. لهؤلاء الشبان دوافع عديدة للتجذّر، وهم مبهورون بالعنف، ويُدرجون راديكاليتهم في إطار سردية إسلامية كبرى. هي بالتالي ليست ناجمة عن وجود فضاءات سلفية.

 ما هي تداعيات الأيديولوجيا السائدة حالياً في فرنسا على سياسة مكافحة الإرهاب المعتمَدة من قِبَل حكومتها؟
هي تقود إلى اتباع سياسة أن تنجح في تحقيق الأهداف المعلَنة. محاولة التقاط مؤشّرات إلى جنوح نحو التطرّف، هي في الواقع مؤشّرات إلى التزام ديني يُفسَّر على أنه مقدّمة لارتكاب أعمال عنف، لن تؤدي للوصول إلى الغايات المنشودة. فكما أسلفْت، ليس للإرهابيين ماضٍ طويل من الالتزام الديني. لكننا، عبر تجريم هذا الالتزام، نستهدف في الواقع المسلمين العاديين، ونخدم المتطرّفين عبر الحؤول دون تطوّرِ إسلامٍ مواطني يبلوره أفراد مؤمنون. هناك محاولة جارية راهناً لفرض إسلام يعاد تعريفه وفقاً لقوانين الجمهورية الفرنسية على جموع المؤمنين، وهي محاولة خرقاء بكلّ ما للكلمة من معنى.

المصدر: الاخبار