قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية إنه بعد أيام قليلة من تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رُسمت خطوط المعركة، فقد قال مستشار الأمن القومي الأميركي آنذاك مايكل فلين إن الإدارة الجديدة كانت "تحذر إيران رسمياً" بسبب أجندتها المزعومة للأنشطة المزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط. لكن فضائح فلين السياسية التي أفقدتها وظيفته في وقت قريب وجعلته يعترف لاحقاً بالذنب في الكذب على محققي مكتب التحقيقات الفيدرالي. أما ترامب وحلفاءه فقد مضوا قدماً، وأطلقوا حملة من "الضغط الأقصى" خنق الاقتصاد الإيراني وانقلبوا على الاتفاق النووي المبرم في عام 2015 بين طهران والقوى العالمية.
وأضافت الصحيفة أنه مع بقاء شهرين فقط في رئاسته، لم يعد لدى ترامب الكثير لإظهاره مقارنة بأربع سنوات من سياسته الصقرية المناهضة لإيران. فعلى عكس خطاب إدارته، فإن إعادة فرض العقوبات لم يعد إيران إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق أكثر صرامة. كما أن "الضغط الأقصى" لم يحد من نفوذ إيران والتدخل في جوارها. إذ يحافظ النظام الإيراني على موطئ قدم له في اليمن والعراق ولبنان وسوريا من خلال الوكلاء والحلفاء الذين أصبحت مواقفهم في بعض الحالات أقوى الآن مما كانت عليه قبل بضع سنوات، بحسب "واشنطن بوست".
وأعلنت إدارة ترامب أنها "أعادت الردع" مع إيران بعد أن قتلت غارة أميركية استهدفت الفريق قاسم سليماني، القائد الإيراني المؤثر، في بداية العام. لكن ذلك كذّبته سلسلة الإجراءات التصعيدية التي تلت ذلك من قبل القوات التابعة لإيران. وأصبح من الواضح أن بعض مسؤولي إدارة ترامب المدفوعين أيديولوجياً ينظرون إلى "الضغط الأقصى" على أنه استراتيجية لإنهاء النظام الديني في طهران في نهاية المطاف.. فقد أدت تكتيكات "الضغط الأقصى" التي تتبعها الولايات المتحدة إلى تقوية معسكر المتشددين في إيران قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل.
وغرّد مات داس، مستشار السياسة الخارجية للسناتور بيرني ساندرز قائلاً: "تولى ترامب منصبه باتفاق نووي قوي وفعال تفاوضت عليه الولايات المتحدة بشق الأنفس جنباً إلى جنب مع حلفائنا. كان بإمكان ترامب اختيار تطبيقه مع الضغط على قضايا أخرى. لكن المتعصبين المناهضين لإيران في العاصمة الأميركية كانت لديهم أفكار أخرى، وها نحن هنا".
وبينما ألحقت العقوبات الاقتصادية بألم عميق بالاقتصاد الإيراني والإيرانيين العاديين، فقد أجبرت حكام إيران على استئناف بناء مخزونهم من اليورانيوم المخصب، والذي قد يتجاوز الآن 12 ضعف الحد الذي حدده الاتفاق النووي لعام 2015. فإيران من الناحية النظرية أقرب إلى صنع سلاح نووي مما كانت عليه عندما تولى ترامب منصبه. زكتب جيسون رضائيان كاتب العمود في صحيفة "واشنطن بوست" يقول: "وفقاً لمجموعة من التقييمات الاستخباراتية، كان ذلك الاتفاق يحقق هدفه المقصود المتمثل في تقييد إمدادات اليورانيوم المخصب لإيران. لكن بعد ذلك أمر ترامب الولايات المتحدة بالانسحاب منه من جانب واحد في عام 2018. نادراً ما كان فشل السياسة الخارجية واضحاً للغاية"، كما هو الآن.
وقالت الصحيفة: لقد سئمت أجزاء من العالم من تصرف ترامب. من المقرر أن يجتمع المستثمرون الأوروبيون في مؤتمر أعمال الشهر المقبل بتمويل من الاتحاد الأوروبي والذي سيستكشف فرصاً جديدة للاستفادة من السوق الإيرانية بعد تولي الرئيس المنتخب جو بايدن منصبه. فإذا أوفى بايدن بالتزامه بإعادة الدخول في الاتفاق النووي، فقد يستلزم ذلك رفع التهديد بالعقوبات المفروضة على الكيانات التجارية الأوروبية التي تفكر في الاستثمار في إيران.
وفي الوقت نفسه، تجد إيران بالفعل طرقاً للتغلب على القيود التي تفرضها الولايات المتحدة، مع وصول شحنات النفط السرية (وغير السرية) إلى أماكن مثل فنزويلا والصين. فحجمها يمثل زيادة بأكثر من عشرة أضعاف منذ الربيع، كما يقول المحللون، ويشير إلى ما يراه الخبراء على أنه إضعاف كبير لعقوبات "الضغط الأقصى "التي فرضتها إدارة ترامب منذ انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018، بحسب تقرير آخر لـ"واشنطن بوست" الذي أضاف أن دولاً أخرى، كثير منها يزدري سياسة ترامب أحادية الجانب تجاه إيران، تظهر تردداً متزايداً في فرض القيود عليها.
وقال روبرت ليتواك، النائب الأول لرئيس مركز وودرو ويلسون الدولي ومقره واشنطن، للصحيفة: لقد واجه نظام طهران حملة "أقصى ضغط" بضغوطه الخاصة. وأضاف أن نهج ترامب المؤلم في مواجهة إيران - بما في ذلك مناورة فاشلة في الأمم المتحدة لإعادة العقوبات بموجب شروط اتفاق تراجعت عنه الولايات المتحدة بالفعل - قد عزل الولايات المتحدة دبلوماسياً، وليس إيران.
ورأى تقرير الصحيفة أن الرئيس المنتخب جو بايدن قد يرث وضعاً أكثر فوضوية. إذ تخطط إدارة ترامب لفرض عقوبات جديدة على إيران ربما كل أسبوع حتى يوم تنصيب الرئيس. وقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز يوم الاثنين أنه كان لابد من ثني الرئيس الأسبوع الماضي عن توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، وهي خطوة يمكن أن تلحق الضرر بعمليات التخصيب في البلاد، لكنها ربما تقوض أيضاً قدرة بايدن على تهدئة التوترات وإقناع النظام الإيراني.
وقال كوري شاك، الذي خدم في مجلس الأمن القومي بقيادة جورج دبليو بوش الإبن، للإذاعة الوطنية العامة إن "السيناريو الذي يقلق معظم رجال الأمن القومي هو توجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية. لأن حملة "الضغط الأقصى" التي كانت تحمل توقيع السياسة الخارجية لإدارة ترامب لم تحقق سوى القليل من النتائج الإيجابية".
ويعتقد مسؤولو ترامب أن جهودهم تمنح بايدن طريقاً لانتزاع المزيد من التنازلات من إيران. وقال إليوت أبرامز المبعوث الأميركي الخاص بشأن إيران، لوكالة أسوشيتيد برس الأسبوع الماضي: "آمل أن يتم استخدام النفوذ الذي بنيناه من خلال برنامج العقوبات الخاص بنا في العام المقبل [مع] أي شكل من أشكال الضغط بما في ذلك، على سبيل المثال، المخاوف الإيرانية بشأن تطور العلاقات بين إسرائيل والدول العربية في المنطقة. يجب ممارسة كل هذا الضغط لحمل إيران على تغيير سلوكها".
وكتبت تريتا بارسي، نائبة الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي لفن الحكم المسؤول، أن انتهاك ترامب للاتفاق النووي أضر بشدة بفكرة التفاوض مع الولايات المتحدة، وستكون إعادة تجميع أحجية الدبلوماسية الأميركية الإيرانية معاً أمراً صعباً للغاية. لكن السنوات القليلة الماضية أظهرت أن عدم المحاولة لن يؤدي إلى اختفاء الصعوبات.