تناول تقرير نشره مركز “صوفان” للاستشارات الأمنية بالولايات المتحدة مصير تنظيم القاعدة الإرهابي عقب القضاء على قياداته من الحرس القديم، وأنباء موت أكبر قيادتين للتنظيم وما سيواجه التنظيم من تحولات خطيرة في المنطقة وتغير الشكل المركزي للقاعدة، ونقل مركز قيادتها من جنوب آسيا إلى سوريا، وكيف يمكن أن يؤدي الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من أفغانستان، واتفاقية تقاسم السلطة من تمكّن حركة طالبان من بث حياة جديدة في تنظيم القاعدة.

ضربات موجعة للتنظيم وفقد لحراسه القدامى

أورد التقرير أنه وفقًا لما تناولته صحيفة نيويورك تايمز الأسبوع الماضي، أنه في أغسطس من هذا العام قتل عملاء إسرائيليون الرجل الثاني في القاعدة أبو محمد المصري في مدينة طهران الإيرانية، وفي هذه الأثناء نقل خبراء بارزون في شؤون تنظيم القاعدة عن مصادر خبر وفاة أيمن الظواهري، الذي جاء خلفًا لأسامة بن لادن كزعيم للتنظيم لأسباب طبيعية، ولكنها أخبار لم يتم تأكيدها بعد.

كما يعد تاريخ 7 أغسطس وهو التاريخ الذي قد قٌتل فيه أبو محمد المصري تاريخ رمزي للغاية لأنه كان أحد الشخصيات العملياتية الرئيسية في هجمات القاعدة في 7 أغسطس 1998 التي نُفذت على سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا على التوالي.

وكان يعيش نائب زعيم التنظيم عبد الله أحمد عبد الله، المعروف بأبو محمد المصري في إيران منذ عام 2003 تقريبًا كشكل من أشكال الإقامة الجبرية من قبل النظام الإيراني، على الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح بالضبط مقدار حرية التنقل التي تمتع بها خلال فترات تواجده المختلفة.

ويأتي مقتل أبو محمد المصري بمثابة ضربة كبيرة للتنظيم وذلك بالنظر إلى دوره كخليفة محتمل لزعيم التنظيم الحالي أيمن الظواهري، هذا إلى جانب ما تلقاه التنظيم مؤخرًا من ضربات موجعة للتنظيم تمثلت في مقتل قدامى مقاتليه أبو القسام وأبو محمد السوداني في سوريا في يونيو وأكتوبر من هذا العام على التوالي، لزيادة التعقيدات التي تواجهها القاعدة.

ويذكر أنه منذ أغسطس من العام الماضي كانت هناك معلومات استخباراتية تشير إلى معاناة الظواهري من “شكوى في القلب”، وذلك بحسب تصريحات حسان الحسن مدير “سنتر فور جلوبال بوليسي- مركز السياسة العالمية” بأن الظواهري مات منذ شهر لأسباب طبيعية، وهو ما أكدته ريتا كاتز، مديرة “موقع سايت المتخصص في مراقبة المواقع الجهادية” حول أن ثمة تقارير غير مؤكدة متداولة تشير إلى موت الظواهري، وأضافت أن “تنظيم القاعدة من المعتاد له ألا ينشر الأنباء عن وفاة زعمائه بشكل مباشر”.

ويعد نبأ وفاة الظواهري ليس المرة الأولى التي يتم فيها تداوله، ليظهر بنفسه في عدة مناسبات لنفي الخبر، كما أكد الحسن أن الخبر لا يزال غير مؤكد من قبل القاعدة أو الحكومة الأمريكية، فيما قال باراك مندلسون الأستاذ المساعد في كلية هارفورد في حديث للوكالة الفرنسية للأنباء إنه “في نهاية الأمر، إذا لم يحدث هذا الآن، فإنه سيحدث قريبًا”.

من سيتولى قيادة التنظيم حال التأكد من خبر موت الظواهري

يتوقع التقرير أنه في حال ثيوب خبر وفاة الظواهري، فإن سيف العدل الرجل المخضرم في القاعدة، والذي يعتقد أيضًا أنه يعيش في إيران، هو المرشح الرئيسي لتولي زمام القيادة؛ فبحسب مركز أبحاث مشروع مكافحة التطرف الذي يقع مقره في الولايات المتحدة، كان سيف قد اعتقل في إيران عام 2003 وأطلق سراحه عام 2015 في عملية تبادل للسجناء، ولا يزال يعتقد أنه في إيران وبرز عام 2018 كأحد أبرز مساعدي الظواهري، ولعب العادل “دورًا حاسمًا في بناء قدرات تنظيم القاعدة العملياتية وصعد بسرعة عبر التسلسل الهرمي للتنظيم”.

وأضاف التقرير أن صعود سيف العدل ليس أمرًا واقعيًا، ويمكن أن يقابل بمعارضة قوية من داخل القاعدة، مع دعوات من داخل قيادة التنظيم متوسط ​​المستوى لأمير الجماعة القادم ليكون مقره في سوريا، إذ كان مقاتلو القاعدة في سوريا في قلب العمل خلال الجزء الأكبر من العقد الماضي، بينما تواصل القيادة العليا للقاعدة الاختباء في جنوب آسيا. 

علاوة على ذلك، في حين أن تعيين سيف العدل سيكون بمثابة إشارة إلى الاستمرارية وتقديم مستوى من المصداقية الداخلية بالنظر إلى الاعتراف باسمه باعتباره جهاديًا مخضرمًا، فقد يتساءل البعض عن الحكمة من تعيين زعيم مقره في إيران يمكن أن يكون ضعيفًا ومن الممكن أن يتعض لما تعرض له أبو محمد المصرى للقتل، كما التواجد في إيران سيفتح اتهامات بتصرف أمير القاعدة كعميل إيراني سواء كان ذلك صحيحًا أم لا.

ماذا عن احتمالية نقل مركزية القاعدة؟

يرى التقرير أنه يتزامن احتمالية أن تكون القاعدة في خضم انتقال قيادي كبير، مع تساؤل البعض عما إذا كان مركز ثقل التنظيم يمكن أن ينتقل من جنوب آسيا إلى منطقة أخرى، سواء كانت بلاد الشام أو دول الساحل أو شبه الجزيرة العربية، بعد التعرض لعدة ضربات من الطائرات بدون طيار التي قضت على التنظيم في جنوب آسيا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تلاها عدم استقرار منطقة الشرق الاوسط التي شهدت ما يسمى بفترات “الربيع العربي”، هذا إلى جانب موت بن لادن وصعود تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وحيث إن التنظيم لم يعد هو الجماعة المتطرفة الكبرى، فقد شهد تنامي تنظيمات أخرى بل وأحيانًا اشتبك معها على الأرض، وبالتالي فلم يعد تنظيم القاعدة يبدو منيعًا بل أصبح يعاني من عدد من العقبات الكبيرة التي يجب التغلب عليها.

كان التنظيم قادرًا على التكيف والتطور  وعودة قياداته إلى العمل وبناء الكوادر على مستوى القواعد الشعبية في مناطق خارج جنوب آسيا، مع التركيز على نقل الاستقلال التشغيلي للتنظيمات التابعة له في جميع أنحاء العالم، مع لعب المنتسبين للقاعدة دورًا عمليًا أكثر، وبالتالي أصبحت القيادة الأساسية المتمركزة في جنوب آسيا أقل أهمية على المستويين التكتيكي والتشغيلي، مع وجود مناطق نزاع نشطة في سوريا واليمن والصومال، واكتسب المقاتلون المتحالفون مع القاعدة في هذه البلدان خبرة في ساحة المعركة، وبالتالي صقلوا شرعية أي محاولات للتنافس على دور أكثر بروزًا في المنظمة الأوسع.

وانتهى التقرير بأنه لا يزال الوضع متقلبًا وقد يكون للأحداث الجيوسياسية على مدى الأشهر العديدة القادمة تأثيرًا كبيرًا على كيفية استجابة القاعدة، كما أن الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية في أفغانستان واتفاقية تقاسم السلطة التي تشمل طالبان يمكن أن تبث حياة جديدة في تنظيم القاعدة.

وفيما يتعلق بعلاقة القاعدة مع طالبان، يبدو أن بعض صانعي السياسة ينخرطون في التفكير من خلال التمني، حيث يواصل أولئك الذين يضغطون بشدة من أجل التوصل إلى اتفاق تقاسم السلطة إلى أن طالبان ستنأى بنفسها عن القاعدة، لكن على النقيض فهناك تقرير صدر مؤخرًا للأمم المتحدة يوضح كيف تواصل المجموعتان العمل معًا عن كثب، مع احتفاظ طالبان بقبضة أوثق على السلطة السياسية في أفغانستان، ويبدو أنه من المرجح أن تستفيد القاعدة بشكل مباشر مما يوفر لها من فرصة لإعادة بناء شبكتها في جميع أنحاء جنوب آسيا.

ويقول محللون إن التنظيم لا يمكن مقارنته بالتنظيم الذي قاد هجمات 11 سبتمبر بالولايات المتحدة، فأيديولوجية التنظيم قد خلقت العديد من الفروع التي تحمل اسمه حول العالم لكن التنظيم لا يسيطر على أفعال تلك الفروع أو على التحالفات التي قد تكوّنها على المستوى المحلي، ويتوقع المحللون أن تتصرف قيادة القاعدة بصورة أكبر في المستقبل كما لو كانت “مجلس مستشارين”، كما أن أعضاء التنظيم في فروعه المختلفة سيستمعون لقيادة القاعدة المركزية إذا رغبوا في ذلك وليس كالتزام أو طاعة برؤيتها. وأضافوا أن “الناس سوف يستمعون لقيادة القاعدة المركزية إذا أرادوا، وليس لأنهم يعتقدون أنهم ملزمون بإطاعة رؤيتها”.

 

المصدر: رحمة حسن - المرصد المصري