إنتهى حظر الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن الدولي على إيران منذ العام 2007، والذي سيسمح لطهران بشراء أسلحة، في حين صرحت الأخيرة مراراً أنها لا تنوي شراء أسلحة دمار شامل إذ ليس له مكان في عقيدتها. أيضاً، قالت وزارة الخارجية إن إيران تستطيع الآن شراء أية أسلحة ومعدات ضرورية من أي مصدر كان دون قيود قانونية وبناءً على إحتياجاتها الدفاعية فقط، مضيفةً أنها باتت قادرة على تصدير أسلحة دفاعية بناءً على سياساتها.

في أغسطس/آب الماضي (2020)، بدأت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عملية تهدف إلى إستعادة جميع عقوبات الأمم المتحدة ضد إيران من جانب واحد بعد أن رفض مجلس الأمن، حيث أنها لم تكن سوى محاولة أمريكية لتمديد حظر الأسلحة التقليدية على البلاد.

الاتفاق النووي الإيراني

في يوليو/تموز 2015، توصلت إيران وست دول، الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة والصين وروسيا، بالإضافة إلى ألمانيا، إلى اتفاق تاريخي أطلق عليه خطة العمل الشاملة المشتركة – JCPOA، والمعروف أيضاً بإسم الإتفاق النووي الإيراني، والذي إستغرقت مباحثاته الصعبة عامين، وهدف إلى تقييد قدرة إيران على تطوير أسلحة نووية مقابل رفع العقوبات الإقتصادية عنها.

وافقت إيران على خفض أجهزة الطرد المركزي بمقدار الثلثين، وتقليص مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 98%، والحد من تخصيب اليورانيوم إلى 3.67%، الأمر الذي سيسمح لها بالحصول على ما يكفي من اليورانيوم المخصب للحفاظ على إحتياجات البلاد من الطاقة دون الحاجة إلى امتلاكها القدرة على صنع قنبلة نووية. كما وافقت إيران على السماح لمفتشين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية – IAEA، وهي وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة، بالوصول إلى منشآتها النووية، حيث وجدت الوكالة بأن طهران ملتزمة مراراً وتكراراً بشروط الإتفاق.

شهد يناير/كانون الثاني 2016 إعلان الوكالة إلتزام إيران بالإتفاق ورفع جميع العقوبات الدولية المتعلقة بالمجال النووي عنها، والتي تزامنت مع تولي الرئيس ترامب مقاليد الرئاسة في واشنطن.

كانت الصفقة الإيرانية أحد الإنجازات الدبلوماسية التي توجت فترة الرئيس السابق، باراك أوباما، مما جعلها هدفاً مباشراً للرئيس ترامب، الذي أراد تفكيك كل ما يمكن إعتباره جزءاً من إرث سلفه. فلقد تراجع الرئيس الأمريكي عن الصفقة، 8 مايو/أيار 2018، وأعاد فرض عقوبات قاسية جديدة، على الرغم من أن إستطلاعات الرأي تظهر أن غالبية الأمريكيين يؤيدون بقاء الصفقة، فيما أعد بأنه أحد أكبر القرارات التي إخذها منذ دخوله البيت الأبيض.

لماذا خرق ترامب الإتفاق؟

تسببت مخاوف إسرائيل بشأن برنامج الصواريخ الباليستية طويل المدى الإيرانية بإنسحاب الرئيس ترامب من الإتفاق النووي، إلى جانب مخاوف الجمهوريين الذين شعروا أن الإتفاق لم يقطع شوطاً كافياً للحد من قدرة البلاد على تطوير أسلحة نووية. فخلال الحملة الإنتخابية لعام 2016، تعرض الرئيس ترامب لإنتقادات حادة من قبل السيناتور تيد كروز وماركو روبيو لعدم انحيازه لجانب إسرائيل في أية تعاملات مستقبلية مع الدول العربية. بعد الإنتقادات، غيّر الرئيس تكتيكاته فوراً عندما أخبر الجمهور، في المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية – AIPAC، أن “أولويته الأولى هي تفكيك الصفقة الكارثية مع إيران”، والتي إستندت إلى الأدلة التي قدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لتطوير إيران للصواريخ الباليستية، التي لم تتناولها خطة العمل الشاملة المشتركة.

إلى جانب انحناء الرئيس ترامب أمام تل أبيب، كان السبب الثانوي لترك خطة العمل الشاملة المشتركة شخصي تمام. فلقد هاجم الرئيس ترامب جميع إنجازات سلفه محاولاً التراجع عن كل نجاح، بما فيها قانون التأمين الصحي المعروف بإسم “قانون الرعاية الميسرة” أو “أوباما كير”.

ما حدث منذ كسر الإتفاق؟

منذ إنسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، قامت إدارة الرئيس بفرض عقوبات إقتصادية خانقه على إيران، بينما إتهمت الأخيرة واشنطن بشن “حرب اقتصادية” عليها رافضة مقترحات الرئيس ترامب بإجراء محادثات جديدة ما لم تُرفع العقوبات وتعود إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.


أدت رئاسة ترامب إلى تصعيد التوترات بين واشنطن وطهران، والتي وصلت إلى نقطة الغليان خلال صيف 2019، ومرة أخرى في الأيام الأولى من العام 2020، وأبرزها من خلال هجمات على ناقلات نفط في خليج عُمان وهجوم على منشأتين نفطيتين رئيسيتين في السعودية، حيث واصل الجانبان إصدار التهديدات، مما أثار مخاوف من إندلاع حرب إقليمية في الشرق الأوسط.

أيضاً، كان لحدث إغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، 3 يناير/كانون الثاني 2020، صدى سلبي كبير حيث وصفه الإيرانيون بأنه عمل من أعمال “الإرهاب الدولي”. بعد أيام قليلة، أعلنت إيران أنها لن تمتثل بعد الآن للخطة، وبدأت بالتخلي الفعلي عنها تدريجياً وضمن مراحل بعد أن إستهدفت بهجوم صاروخي القوات الأمريكية وقوات التحالف في العراق، في قاعدة “عين الأسد” التي لم تسفر عن أية إضابات بشرية.

من هنا، حذر وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، كلاً من روسيا والصين تجاهل فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران والتي طالبت بها واشنطن. وعندما سئل عما إذا كانت الولايات المتحدة ستستهدف روسيا والصين بعقوبات حال الرفض، قال بومبيو “بالتأكيد”.

في المقابل، قال سيد حسين موسويان، المفاوض النووي الإيراني السابق والسفير السابق لدى ألمانيا والباحث في جامعة برينستون، إن إنسحاب الرئيس ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة وجه ضربة كبيرة للسلم والأمن العالميين، مضيفاً “أعتقد أن أمن أمريكا قد تضاءل. إن عدم إنتشار الأسلحة النووية جزء لا يتجزأ من الأمن العالمي.”

صحيح أن الرئيس ترامب تسبب في أضرار إقتصادية بمليارات الدولارات لإيران من خلال سياسة العقوبات، ولكن مع إنسحابه الإتفاق وسعت طهران من نطاق أنشطتها النووية ومنسوب التخصيب، الأمر الذي يعتبره الأمريكيون أنفسهم مهدداً لأمن الولايات المتحدة. ففي 8 مايو/ أيار 2019، بعد عام واحد بالضبط على خروج واشنطن عن الإتفاق، قالت طهران إن “صبرها الإستراتيجي” قد إنتهى وبدأت في تقليص إلتزاماتها جزئياً ضمن فترات نصف شهرية. وفي 5 يناير/كانون الثاني 2020، أصدرت بياناً يعلن تعليق جميع القيود المتعلقة بالإتفاق.

الموقف الأوروبي

أُدين قرار الرئيس ترامب الأحادي الجانب على الفور من قبل حلفائه، لا سيما المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، حيث قالت الدول الثلاث في بيان مشترك “نحن لا نقبل الحجة القائلة بأن لإيران الحق في الحد من الإمتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة”، ومشيراً إلى أنهم يقومومن بذلك “بحسن نية بهدف شامل يتمثل في الحفاظ على خطة العمل المشتركة الشاملة وعلى أمل مخلص في إيجاد طريقة للمضي قدماً لحل المأزق من خلال الحوار الدبلوماسي البناء مع الحفاظ على الاتفاقية والبقاء في إطارها.”

وخلص البيان المشترك بالقول “وبذلك، لا تنضم دولنا الثلاث إلى حملة لممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران. أملنا هو إعادة إيران إلى الإمتثال الكامل لإلتزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة.”

نتائج الإنتخابات الرئاسية المحتملة

فشلت سياسة “الضغط الأقصى”، التي ينتهجها الرئيس ترامب بمواجهة إيران، بتحقيق أهدافها، وأيا كان الفائز في الإنتخابات الرئاسية، 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، فسيتعين عليه إعادة النظر بتلك “السياسة الفاشلة”.

وقال الدكتور فؤاد إزادي، أستاذ السياسة الخارجية في جامعة طهران، إن على أي مرشح رئاسي أمريكي تغيير السياسة، لأن نتيجة الضغط الأقصى لم تفض إلى إنهيار أو إستسلام الجمهورية الإسلامية، متافئل بأن بلاده ستستفيد في حال فاز أي من المرشحين؛ إذا أعيد إنتخاب الرئيس ترامب، فسيسرع من تراجع الولايات المتحدة التي تؤيده إيران. وإذا تم إنتخاب جو بايدن، فسيتم تخفيض العقوبات المفروضة عليها وهو ما سيفيد طهران أيضاً.

الموقف الإيراني

طورت إيران صناعة أسلحة محلية كبيرة في مواجهة العقوبات والحظر الدولي، الذي منعتها من إستيراد العديد من الأسلحة وتعتمد على نفسها في قدراتها الدفاعية. وفي بيان لها، قالت وزارة الخارجية أن “عقيدة الدفاع الإيرانية تقوم على الإعتماد القوي على شعبها وقدراتها المحلية.. لا مكان للأسلحة غير التقليدية وأسلحة الدمار الشامل وشراء الأسلحة التقليدية في عقيدة الدفاع الإيرانية”، مشدداً على أن “إيران قوة إقليمية مهمة، والولايات المتحدة قوة عالمية، وإلى أن يتحقق التعاون بين هاتين القوتين، لن يكون هناك أمل في حل الأزمات الإقليمية.”

أمن أمريكا المتضائل

مع وجود الرئيس ترامب على رأس هرم السلطة، يمكن القول بأن الولايات المتحدة إقتربت من الحرب وأثارت أزمة عالمية بعد الإنسحاب من الإتفاق، حيث قال جون ولفستال، الذي عمل كخبير نووي لمجلس الأمن القومي في عهد أوباما، أن “هناك خط مباشر يمكنك إستخلاصه من إنتهاك ترامب للإتفاق الإيراني وخطر نشوب صراع اليوم.”

 

المصدر: ستيفن صهيوني - مركز سيتا