في الوقت الذي يتم فيه تنصيب الإدارة الأمريكية الجديدة، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” عن نقل إسرائيل من منطقة “عمليات القيادة الأوروبية” (EUCOM) إلى “منطقة عمليات القيادة المركزية” (CENTCOM – سينتكوم)، المسؤولة عن الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

يُبرهن هذا القرار الذي لا يقل في أهميته وتداعياته عن اتفاقات إبراهام Abraham Accords على ظهور علاقات عميقة وسرية ومُمتدة بين الجانبين الإسرائيلي والأمريكي. ويعكس تغييرًا جوهريًا في المنطقة، يرى المتابعون أن هذا الأمر سيُسهل تعاونًا أكبر بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى في عمليات هذه القيادة. 

فما هي أهمية هذا الأمر؟، وما هي اَثاره؟، يحاول الإجابة على هذه الأسئلة كل من “عساف أوروين” (Assaf Orion)، و”أودي ديكل” (Udi Dekel)، في مقالهما المنشور على موقع “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي” في 20 يناير 2021. 

في 15 يناير 2021، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن تغيير في خطة القيادة الموحدة لعام 2020 (United Command Plan)، وأفادت الأنباء أن إدارة الرئيس “ترامب” قررت نقل إسرائيل من منطقة القيادة الأمريكية الأوروبية (EUCOM) إلى القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM). وأضافت أن القرار يهدف لتعزيز الترتيبات الأمنية الإقليمية، لا سيما في مواجهة التهديدات المتصورة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

على صعيد آخر، فإن انتقال إسرائيل إلى القيادة المركزية الأمريكية له فوائد مٌحتملة للجانبين، كما يُعزز الشراكة والتعاون بينهما في مواجهة التحديات التي تتطلب جهودًا مُشتركة، والعمل على إيجاد حلول لها. ويأتي هذا القرار في إطار إعادة التقييم نصف السنوية لوزارة الدفاع الأمريكية، سعيًا منها للتخفيف من المخاطر وحماية مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها.

في اليوم نفسه، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن الرئيس ترامب أمر البنتاجون بنقل إسرائيل إلى القيادة المركزية، لتحفيز التعاون العربي الإسرائيلي ضد إيران: ويأتي هذا القرار في أعقاب التغيرات في علاقات إسرائيل مع دول المنطقة، بعد عقود من العداء تجاهها من جانب العديد من البلدان العربية في المنطقة. 

أضاف الكاتبان أن نقل إسرائيل إلى القيادة المركزية الأمريكية ليس قرارًا عشوائيًا أو غير مبرر. فعلى مدار تاريخ “خطة القيادة الموحدة”، تم إدخال العديد من التغييرات نتيجة للتطورات الاستراتيجية والتكنولوجية، مما يُبرر رسم خطط جديدة، وإضافة تعليمات وفقًا لما تتطلبه تحديات كل مرحلة زمنية، على سبيل المثال التعامل مع التحديات المرتبطة بالفضاء والمجال السيبراني.

أوضح الكاتبان أن “القيادة المركزية الأمريكية” تأسست في عام 1983، في أعقاب الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979، وربما أيضًا بسبب الثورة الإسلامية في إيران، وتقرر في ذلك الوقت عدم انضمام دول المواجهة كإسرائيل وسوريا ولبنان إلى القيادة المركزية، حتى تُصبح القيادة أكثر فاعلية ومصداقية في التعامل مع الدول العربية والإسلامية الأخرى”، وبالتالي فإن هذه الدول الثلاث ظلت مُنضمة فقط تحت لواء “عمليات القيادة الأوروبية” (EUCOM).

وفي عام 2004، عقب الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، وافق الرئيس بوش على نقل سوريا ولبنان إلى القيادة المركزية الأمريكية. وظلت إسرائيل، إلى جانب السلطة الفلسطينية، تحت مسؤولية قيادة الاتحاد الأوروبي. وبالتالي، فإن تغيير مناطق القيادة هو جزء من روتين البنتاجون، بما يتكيف مع الأوضاع الراهنة. 

A joint exercise for the IDF and the United States Army |

بيَّن الكاتبان أن “عمليات القيادة الأوروبية” (EUCOM)، تُركز حاليًا على روسيا وتهديداتها ضد أوروبا وحلف الناتو، كما أنها مسؤولة عن التخطيط الاستراتيجي والتشغيلي والعمليات الاستخباراتية واللوجستية والتدريب، فضلًا عن التنسيق مع شركاء الولايات المتحدة في أوروبا، إضافة للتنسيق مع إسرائيل في مجال الدفاع الصاروخي، حيث يعملون معًا لتخطيط وتنسيق ومُمارسة وربط أنظمة العمليات الخاصة بهم.  وشارك عشرات الآلاف من الجنود الإسرائيليون وقوات قيادة الاتحاد الأوروبي على مدى سنوات في مهام مشتركة في أوقات السلم والأزمات الطارئة.

لكن يوضح الكاتبان أنه –وحتى في مجال التعاون الدفاعي الصاروخي- الأكثر أهمية بين الجانبين، ظهرت فجوات في مدى الاستجابة الشاملة للتهديدات، وفي حين أن إسرائيل تعتمد على (EUCOM) في مسائل الدفاع والحماية من التهديدات الصاروخية، إلا أن التهديدات الصاروخية ضد إسرائيل تأتي من المنطقة المسؤول عنها “القيادة المركزية الأمريكية”، خاصة مناطق الإطلاق الجوية من إيران ولبنان واليمن.

تمتلك القيادة المركزية الأمريكية، استخبارات قوية، كما لديها القُدرة على توجيه الضربات في المنطقة، وبالتالي، فإن الاستجابة العملياتية الشاملة للتهديدات ضد إسرائيل تتطلب دمج جهود الجيش الإسرائيلي مع جهود القيادة المركزية الأمريكية والقيادة الأوروبية، ومؤسسة الدفاع الأمريكية.

ما الذي تغير حتى تنضم إسرائيل للقيادة المركزية الأمريكية؟ 

وفقًا للبنتاجون، مهدت “اتفاقيات إبراهام – Abraham Accords” الطريق لنقل إسرائيل إلى القيادة المركزية الأمريكية. لكن في الواقع، وكما كان الحال في العلاقات الإسرائيلية مع دول الخليج، لم تظهر العلاقات الإسرائيلية مع القيادة المركزية الأمريكية بين عشية وضحاها، أو حتى في الآونة الأخيرة.

بل يوضح الكاتبان أن السنوات الماضية شهدت نوعًا من التطور الهادئ بين الجانبين. حيث قام الجنرال “جوزيف فوتيل” (Joseph Votel) – الذي لعب دورًا مهمًا في تعزيز العلاقات بين القيادة المركزية الأمريكية والجيش الإسرائيلي –بأول زيارة رسمية لقائد في القيادة المركزية الأمريكية إلى إسرائيل في أبريل 2018.

وقام القائد الحالي للقيادة المركزية الأمريكية، الجنرال “كينيث ماكنزي” (Kenneth F. McKenzie)، بزيارة رسمية إلى إسرائيل في نوفمبر في عام 2019، ولم تكن هذه المرة الأولى التي يقوم فيها بزيارة إسرائيل. بل حدثت زيارات واجتماعات مع قادة القيادة المركزية الأمريكية وموظفيها منذ أوائل العقد الماضي.

في أوائل عام 2016، تم التكهن عن وجود قناة حوار ثلاثية بين جيش الدفاع الإسرائيلي وكل من (قيادة القوات الأوروبية وقيادة القوات المركزية الأمريكية)، بقيادة نائب رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي. بدأت هذه القناة سرًا قبل عقد من الزمان، واستمرت منذ ذلك الحين اجتماعات القادة وضباط الأركان، خاصة في إسرائيل وفي مقر قيادة الاتحاد الأوروبي في ألمانيا.

A joint exercise for the IDF and the United States Army |

أسباب تأخر انضمام إسرائيل للتحالف؟

أشار الكاتبان إلى أن الحجة المتكررة التي كان يتم الاستناد عليها في الماضي ضد انضمام إسرائيل إلى القيادة المركزية الأمريكية هي العداء بين إسرائيل والعرب، والضرر الذي قد يلحق بثقتهم في القيادة المركزية إذا تمت إقامة علاقات مباشرة مع إسرائيل. هذه الحجة –التي كانت مُبررة في ذلك الوقت- فقدت زخمها بعد ذلك. 

ففي عام 2018، شارك الجنرال “غادي آيزنكوت” (Gadi Eisenkot)، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، في مؤتمر لرؤساء الأركان استضافه رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال “جوزيف دانفورد”، مع جنرالات من المملكة العربية السعودية والأردن، وآخرين من منطقة القيادة المركزية الأمريكية. حينها قام قائد الجيش اللبناني المتواجد في منطقة القيادة المركزية مقاطعة المؤتمر. 

التوتر بين الشركاء في منطقة القيادة المركزية، لا يقتصر على إسرائيل فحسب، حيث حدثت الأزمة الممتدة بين قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، والتي تم الإعلان عن تسويتها مؤخرًا، بين الدول المضيفة لقواعد القيادة المركزية الأمريكية، وهناك أيضًا خلافات حادة في منطقة القيادة الأوروبية بين تركيا وحلف شمال الأطلسي.

يؤكد البعض أنه عندما صدت إسرائيل التهديدات الإيرانية في العراق وسوريا، استفادت القيادة المركزية الأمريكية من هذا الأمر، كما أدى عقد الاضطرابات الإقليمية، وتوسع النفوذ الإيراني في المنطقة، والحرب في سوريا، وظهور تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” إلى زيادة كبيرة في الحاجة إلى تنسيق أفضل بين الجيش الإسرائيلي والقيادة المركزية الأمريكية، وإلى تبادل المعلومات الاستخباراتية الضرورية لعملياتهم المُشتركة. 

وأضاف الكاتبان أن التنسيق الأمريكي الإسرائيلي تعمق بشكل كبير في تعاونهم في مسرح العمليات في سوريا ضد النفوذ الروسي. وأبرزا أن مصدر التوترات بين النشاط الإسرائيلي واعتبارات القيادة المركزية الأمريكية لا ينبع من حدود القيادة، ولكن من العمليات العابرة للحدود لإيران ووكلائها في المنطقة، ومن المخاوف من أن القوات الأمريكية في المنطقة سوف تتعرض للهجوم ردًا على النشاط الإسرائيلي، في شرق سوريا والعراق، أو من إيران نفسها.

الآثار المترتبة على انضمام إسرائيل: الفرص والتحديات

على الجانب الإيجابي، سيؤدي انضمام إسرائيل إلى القيادة المركزية الأمريكية إلى زيادة التنسيق والتعاون الحاليين مع القوات الأمريكية، وخلق إمكانية لتكامل أفضل في التخطيط والعمليات المُشتركة. بالإضافة إلى ذلك، ستساعد التشكيلة الجديدة الولايات المتحدة على تعزيز تحالف إقليمي بمشاركة الدول العربية وإسرائيل ضد تهديدات إيران والجماعات الجهادية، وتوفر منصة لتعزيز العلاقات الأمنية بين حلفاء الولايات المتحدة، بالاعتماد على الإنذار المبكر، والمعلومات الاستخباراتية، وعمليات التدريب، والتخزين، والدفاع الصاروخي، والدفاع الجوي. الأمر الذي من شأنه الإسهام في تعزيز الأمن الإقليمي.

وكذلك، فإن انضمام إسرائيل للقيادة المركزية الأمريكية من شأنه أن يُسهم في نقل بعض أعباء الدفاع في المنطقة تدريجيًا من الولايات المتحدة إلى بعض شركائها تحت مظلة القيادة المركزية الأمريكية، وسيكون من السهل على الجيش الإسرائيلي الحفاظ على الاتصالات العسكرية مع الأطراف في المنطقة؛ والحصول على دعم عسكري من الولايات المتحدة في الاتصالات مع الجيوش المجاورة، بما يُحسن الاستجابة الإقليمية للتهديدات المشتركة. 

تتمثل إحدى الخطوات الضرورية أيضًا في وضع ضباط للجيش الإسرائيلي في مقر القيادة المركزية الأمريكية في قاعدة “ماكديل” الجوية في تامبا، فلوريدا، وفي المستقبل، ربما أيضًا في مركز العمليات الجوية المشتركة في قطر، وهذا أمر عظيم لإسرائيل. 

A joint exercise for the IDF and the United States Army |

وفيما يتعلق بالتحديات، تساعد إسرائيل في عمليات القيادة الأوروبي باعتبارها فرعًا عملياتيًا أماميًا، ونادرًا ما يحتاج الأخير إلى تخفيف التوترات بين إسرائيل وشركائها الآخرين، باستثناء تركيا في حالات الطوارئ. لكن في ظل القيادة المركزية الأمريكية، عادة ما تكون حالات الطوارئ الإسرائيلية جزءًا من الأزمات في المنطقة، وبالتالي سيتعين على إسرائيل التعامل مع غطاء قصير من الموارد، والتنافس مع احتياجات القوات الأمريكية والشركاء الآخرين في المنطقة. 

هذا بجانب أن خبرة قيادة القوات الأوروبية وعلاقاتها العميقة مع الجيش الإسرائيلي بمثابة رصيد هام لكلا الجانبين. ومن أجل تعظيم إمكانات انتقال إسرائيل إلى القيادة المركزية الأمريكية، من المهم الحفاظ على علاقاتها مع (EUCOM)، مع إضفاء الطابع المؤسسي على علاقاتها مع القيادة المركزية الأمريكية. يجب على إسرائيل أن تعد خيارًا مسبقًا للاستمرار في الاستفادة من مزايا EUCOM))، بما في ذلك الأزمات الأمنية المستقبلية.

انضمام إسرائيل…نهاية وبداية

في الأخير يوضح الكاتبان، أن الجيوش مؤسسات مطلوبة لتعزيز السياسة في المجالات ذات الشأن. ففي الوقت الذي تسعى فيه السياسة إلى مواكبة الواقع سريع التغيير، قد يتم الاستعانة بالجيوش للقيام بعمليات مرنة، مع فهم أن المشاكل العابرة للحدود تتطلب استجابات خارجة عن الحدود. على سبيل المثال –وكما حدث مع إسرائيل ودول الخليج- تمكّن الجيش الإسرائيلي والقوات المسلحة الأمريكية في مرحلة مبكرة من رصد التحديات التي يتشاركانها والشركاء الأساسيون للتعامل معها، وبالتالي عملوا معًا بهدوء. تمامًا كما ظهرت العلاقات العميقة التي تمت بشكل سري لسنوات عديدة علنًا مع “اتفاقيات إبراهيم”. 

كما يرى الإسرائيليون أن تحول إسرائيل إلى القيادة المركزية الأمريكية وباعتراف البنتاجون رسميًا بهذه الضرورة يأتي من أجل مصالح وأمن الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. 

لكن يوضح الكاتبان أن هذا القرار مجرد البداية، والتصريحات ليست سوى خطوة أولى. ويجب على إسرائيل وشركائها في المنطقة أن يدركوا بحكمة إمكانات المرحلة الجديدة في علاقتهم القوية، وتعظيم فوائدها، وتجاوز ما قد تفرضه من قيود وتحديات، لصالح أمن وسلامة الجميع في المنطقة.

 

المصدر: المرصد المصري