رؤيةٌ واضحة قائمة على الحسم، رسمها المرشد الإيرانيّ السيد علي خامنئي بشأن الاتفاق النوويّ، بعد ما رافقهُ من سجالات وتجاذبات، منذ وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير الماضي.

السيد خامنئي اشترط إلغاء جميع العقوبات عملياً، لعودة طهران إلى التزاماتها في الاتفاق، مؤكّداً أنّ إيران هي الطرف الوحيد الذي يحقّ له وضع الشروط. 

وأشار المرشد خامنئي إلى أنّ سبب خطأ تقدير أميركا المتكرر حيال إيران، هو "عدم معرفتها بالشعب الإيرانيّ"، ورأى أن ما شهدته أميركا أخيراً من فضائح "لن ينتهي وستكون له تبعات". 

السيّد خامنئي عاد وشدد على موقفه، مؤكداً في تغريدة له مساء الأحد، إنّها "بداية عصر ما بعد أميركا".

طهران حددت السقف إذاً، وقطعت الطريق أمام أيّ تأويلات. لكن في المقابل أكد الرئيس الأميركيّ جو بادين في مقابلة مع "سي.بي.إس نيوز" اليوم الأحد، أنّ واشنطن لن ترفع العقوبات عن إيران، ما لم توقف تخصيب اليورانيوم أوّلاً. 

فهل الهدف من كلامه الابتزاز وزيادة الضغط لتحصيل المكاسب وتحسين الشروط؟ أم هي محاولةٌ لنسف أيّ حلول ولعرقلة المسارات الإيجابيّة والعودة إلى الاتفاق النووي؟

وفي العرقلة يبرز الموقف الأوروبيّ المتناغم مع الأميركيّ بشأن الاتفاق، وهو ما يتناقض مع محددات موسكو، التي تستقبل رئيس مجلس الشورى الإيرانيّ محمد باقر قاليباف، بدعوة واشنطن للعودة إلى التزاماتها. 

هكذا تبدو أرضيّة الاصطفافات والتشنج وانعدام الثقة، بين انحياز روسيّ لطهران وأوروبيّ لواشنطن، حيث يشتدّ السجال إلى نقاط كثيرة عالقة بين أطراف الصراع. 

المرشد الإيرانيّ والرئيس الأميركي، كلاهما متمسّك بألّا تكون بلاده هي المبادرة بالعودة إلى الاتفاق النوويّ، لكن مع ذلك، تبقى الكرة في ملعب واشنطن، فهي المتنصلة من التزاماتها في عهد دونالد ترامب، هذا ما يُدركه الأميركيّون أنفسهم، وهو ما يقوله إعلامهم. 

وهذا ما شددت عليه مجلة "بوليتكو" الأميركيّة، بأن تكون مبادرة العودة أميركيّة، فالولايات المتحدة هي المخلّة بالتزاماتها والمنسحبة من الاتفاق. 

يتعلق الأمر بمصداقيّة دبلوماسيّة واشنطن، ليس فقط بشأن النووي الإيراني، ولكن في اتفاقات دوليّة عديدة. ولأن إقدام إدارة بايدن على رفع العقوبات سيثير مخاوف الحلفاء وأعضاء في الكونغرس، تماماً كما هم الإيرانيون يرفضون عودة مسبقة، تستدرك "بوليتيكو" بأن الحل الأمثل هو عودة متزامنة. 

تكتفي إدارة بايدن، وفق ما سربته وكالة "بلومبيرغ" عن مصادرها مؤخراً، بدراسة سبل تخفيف الضغط المالي على طهران، وعبر مسوغات إنسانيّة. لا رفع للعقوبات، وإنما تخفيف العقوبات المانعة لوصول مساعدات دوليّة متعلقة بفيروس كورونا، هو الخيار الوحيد قيد الدراسة. 

في هذا السياق، أشار محلل الشؤون السياسيّة والدوليّة في معهد "كاتو"، دوغ باندو، إلى أنّه "بما أن واشنطن هي التي انسحبت من الاتفاقيّة فلا يمكن لها وضع الشروط".

باندو اعتبر في مقابلة مع الميادين، أنّ ما نراه من تصريحات هو "نوع من المفاوضات بين القيادتين الأميركيّة والإيرانيّة"، مؤكداً أنّ "العقوبات التي فرضها ترامب على إيران صعبت الأمر أمام إدارة بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي".

وقال باندو: "إدارة ترامب هي المسؤولة بشكل رئيسي عن حالة الفوضى التي نحن فيها اليوم"، مبرزاً أنّ "إدارة بايدن تقرّ بأن ترامب اقترف خطأً كبيراً بخروجه من الاتفاق النوويّ".

وعن الموقف الأوروبي، رأى باندو أنّ الأوروبيين "اتخذوا موقفاً مستقلاً عن إدارة ترامب فيما يتعلق بإيران والاتفاق النووي". 

أمّا الخبير في الشؤون الإيرانيّة والإقليميّة الدكتور محمد مهدي شريعتمدار، فوافق باندو الرأي، مشدداً على أنّه "لا يمكن للطرف الذي خرج من الاتفاق النووي أن يضع الشروط على إيران".

وتسائل شريعتمدار في حديث مع الميادين، عن "ما هي الضغوط التي يمكن أن تفرضها الإدارة الأميركيّة الحاليّة أكثر من حصار ترامب؟". 

شريعتمدار أبرز أنّ "تهديدات واشنطن طالت حلفاءها الأوروبيين ولم تقتصر العقوبات الأميركيّة على روسيا وإيران"، مؤكداً أنّ طهران "أثبتت أنها لا ترضخ للضغوط الأميركيّة".

وبينما أشار شريعتمدار، إلى أنّ إيران "على تنسيق مستمر مع روسيا في العديد من الملفات وأبرزها مواجهة العقوبات الأميركيّة"، رأت مديرة مركز آسيا والشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، ايلينا سوبونينا، أن موقف موسكو "يتطابق مع موقف إيران لجهة ضرورة رفع العقوبات عن طهران". 

سوبونينا أوضحت لـ الميادين من موسكو، أنّ روسيا "مستعدة للتعاون مع أميركا لكنها لن تتقبل أيّة ضغوط أو ابتزاز". 

وبانتظار أيّ موقف جديد من الإدارة الأميركيّة وإلى أيّ مسار ستتجه التجاذبات بين الطرفين، تصمّم إيران ومرشدها، بدعم روسيّ، على ضرورة رفع العقوبات والعودة إلى الاتفاق النووي كما هو عليه، بما أن أميركا في عهد ترامب، هي الوحيدة التي أخلّت بتعهداتها كاملةً. 

 

المصدر: الميادين