يدور حول كوكب الأرض نحو 3000 مركبة فضائية عاملة ويتزايد هذا العدد باستمرار بفضل توافر المواد الأرخص سعراً والأقمار الصناعية الأصغر حجماً.
قد يؤدي وجود هذا العدد الكبير من الأقمار الصناعية في مدار كوكبنا إلى حدوث مشكلات، من بينها النفايات الفضائية والطريقة التي يغيرون بها نظرتنا إلى السماء الليلية. ومع ذلك، تُقدّم تلك الأقمار الصناعية خدمات حيوية.
بات الكثير من الناس على دراية بنظام التموضع العالمي (GPS)، الذي يساعدنا في الملاحة البحرية. ربما يعرف البعض أنَّ الأقمار الصناعية توفر بيانات مهمة لتوقعات الطقس على كوكب الأرض، لكنها في الوقت نفسه تؤثر في حياتنا بعدة طرق مختلفة، بعضها قد يفاجئك، كما يذكر موقع The Conversation الأسترالي.
1- دفع المال
سواء كنت تدفع ثمن قهوتك الصباحية باستخدام إحدى وسائل الدفع الإلكترونية غير التلامسية أو جوجل باي أو حتى من خلال السحب النقدي من ماكينة الصراف الآلي، ينبغي لك معرفة أن أياً من تلك الوسائل ما كان سيكتب لها الوجود بدون الأقمار الصناعية. في الواقع، تعتمد جميع المعاملات المالية –بدايةً من المعاملات في سوق الأوراق المالية بملايين الجنيهات إلى اشتراكك الشهري في شبكة نتفليكس- على خدمات تحديد الموقع الجغرافي والتوقيت عبر الأقمار الصناعية.
تدور الأقمار الصناعية لأنظمة الملاحة العالمية على ارتفاع نحو 20 ألف كيلومتر فوق سطح الأرض وتتصل بالهواتف وأجهزة الكمبيوتر باستمرار لتخبرهم على وجه الدقة بموقعهم الجغرافي والوقت. يعد نظام التموضع العالمي، وهو أمريكي، أشهر أنظمة الملاحة البحرية عبر الأقمار الصناعية على مستوى العالم. ورغم ذلك، يقدم نظاما "Galileo" الأوروبي و "GLONASS" الروسي خدمات مماثلة.
نعتمد على هذا التوقيت الدقيق لضمان حدوث المعاملات المالية على نحوٍ متزامن. فإذا حدث خطأ في التوقيت، قد تصل الأموال إلى حساب شخصٍ ما قبل أن تكون قد غادرت حساب الشخص الآخر. يُمثّل هذا الأمر إشكالية خاصة بالنسبة للتداول في سوق الأوراق المالية، حيث يمكن أن تتغير الأسعار إلى حدٍّ كبير في غضون ثوانٍ معدودة. ومع ذلك، تبقى تلك الأنظمة أحد متطلبات الأمان للمؤسسات المالية في جميع أنحاء العالم.
2- إنقاذ الأرواح
باتت الكوارث الطبيعية مثل حرائق الغابات والعواصف الاستوائية أكثر تواتراً وأشد تدميراً بسبب تغير المناخ. لحسن الحظ، توفر الأقمار الصناعية وسيلة لرصد تلك الكوارث ودراسة سلوكها، وحتى تطوير استجابتنا ودعم جهود الإغاثة.
تستخدم شركة "OroraTech" الألمانية بيانات من مجموعة من المركبات الفضائية للكشف عن حوادث اندلاع الحرائق فور وقوعها. تستخدم تلك المركبات الفضائية صوراً بالأشعة تحت الحمراء لتحديد النقاط الساخنة عند ظهورها، بالإضافة إلى قياسات سرعة الرياح للتنبؤ بمسار الحريق، وخريطة التضاريس والغطاء النباتي لمساعدة رجال الإطفاء في تخطيط استجابتهم.
تُستخدم البيانات المأخوذة من الأقمار الصناعية أيضاً لرصد العواصف الاستوائية والتنبؤ بمسارها ومساعدة المجتمعات على الاستعداد لتأثيرها المتوقع.
ورغم أنَّ كل هذه الجهود رائعة حقاً، لكننا بحاجة إلى استجابة عالمية مُنسّقة لمواجهة مثل هذا التحدي العالمي الشديد. وافقت 17 دولة في عام 2000 على حرية تبادل البيانات المرسلة من الأقمار الصناعية في حالات الطوارئ. حتى الآن، استُخدم هذا الميثاق في ما يقرب من 700 حالة من أجل دعم جهود الاستجابة للكوارث في 126 دولة، استناداً إلى بيانات مجمعة من أكثر من 60 قمراً صناعياً.
3- معرفة الحقيقة والدفاع عنها
تعمل الأقمار الصناعية في "منطقة مشاع" لا تستطيع أي دولة أو كيان المطالبة بحقه في بسط سيطرته على منطقةٍ ما في الفضاء باعتبارها منطقة خاصة به. لهذا السبب، تستطيع الأقمار الصناعية تصوير أي مكان على الأرض، على عكس المركبات الجوية أو الطائرات بدون طيار التي قد تحتاج إلى إذن لدخول المجال الجوي لدولة أخرى.
تعمل معظم الأقمار الصناعية بالقرب من الأرض، على ارتفاع يتراوح من 300 كيلومتر إلى 1000 كيلومتر فوق رؤوسنا وتستغرق 90 دقيقة فقط لإكمال مدار كامل حول الأرض. وبينما يدور كوكب الأرض أسفل المركبة الفضائية، تدخل مناطق جديدة من الأرض في مجال الرؤية والتصوير لتلك المركبة الفضائية مع كل مدار.
يصعب جداً الاختباء من كل هذه العيون الراصدة في السماء مع وجود ما يقرب من 3000 قمر صناعي في الأعلى. لهذا السبب، أصبحت بيانات الأقمار الصناعية مصدراً حيوياً للنشطاء والصحفيين والمحققين. لقد ساعدت في تمكين المجتمعات المحلية من التصدي لعمليات الإزالة غير القانونية للغابات ومحاكمة مجرمي الحرب وفضح الأكاذيب الحكومية مثل إسقاط الطائرة التابعة للخطوط الجوية الماليزية "MH17".
4- التصدي للقراصنة
يتعيّن على جميع السفن التي تتجاوز حجماً معيناً بث إشارات موقعها كل دقيقة أو نحو ذلك. يمكن تحديد تلك الإشارات من خلال هوائيات أرضية في حال القرب من الشاطئ. لكن عندما تكون السفن في عمق البحر، يتعذر استقبال الإشارات إلا عبر الأقمار الصناعية، وبالطبع إشارات السفن الأخرى القريبة.
غالباً لن يحمل القراصنة والصيادون غير الشرعيين وأصحاب النوايا السيئة الآخرين مرشداً لا سلكياً أو سيوقفون تشغيله لتجنب اكتشاف موقعهم. لحسن الحظ، تستطيع صور الأقمار الصناعية عالية الدقة تمييز تلك القوارب باستخدام تقنية تسمى رادار الفتحة التركيبية (SAR).
فمن خلال مقارنة مواقع السفن التي شوهدت مع موقع المرشدات اللاسلكية المكتشفة، يمكننا تحديد تلك السفن المُتخفّية التي قطعت إشاراتها عمداً، وتنبيه السلطات بأنَّ ثمة شيئاً مريباً يحدث.
5- اكتشاف الأنواع المهددة بالانقراض
يعتبر إحصاء عدد الحيوانات مهمة شائكة وشديدة الصعوبة، وتزداد صعوبتها بسبب الحيوانات التي تعيش في أماكن نائية يصعب الوصول إليها. اُستخدمت الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية للتعامل مع هذا التحدي من خلال تقدير حجم مستعمرات طيور البطريق بقياس كمية فضلات هذه الطيور في الأماكن الجليدية.
استطاع العلماء مؤخراً تعيين أنواع متميزة من الحيوانات وإحصاء عددها، مثل الحيتان والفيلة، وذلك باستخدام بيانات وصور عالية الدقة مأخوذة من الأقمار الصناعية في الفضاء. على هذا النحو، تعد الصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية أداة مذهلة لأنصار حماية البيئة الذين يحاولون حماية أنواع الحيوانات التي أصبحت مهددة بالانقراض بسبب عمليات الصيد الجائر والتعديات البشرية وتدمير البيئات الطبيعية للعديد من الكائنات الحية.
6- البحث عن الحياة
ليست كل الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض تنظر إلى الأسفل -فبعضها يتطلع إلى الفضاء السحيق. تُستخدم العديد من التلسكوبات الفضائية (أو المراصد الفضائية) لدراسة فضائنا الخارجي –حركة الكواكب والمجرات وغيرها من الأجسام الفلكية- الأمر الذي يمنحنا رؤية أوضح للكون بأكمله.
تُعد هذه الرؤية الواضحة مهمة بشكلٍ خاص في بحثنا عن الكواكب الخارجية، وهي الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى خارج نظامنا الشمسي. على عكس النجوم، لا تصدر الكواكب أي ضوء خاص بها، لذا نكتشفها من خلال قياس الخفوت الضئيل للغاية الذي يحدث لضوء النجم أثناء مرور الكوكب، الذي يدور حوله، أمامه.
ثمة أمل في أنَّ بعض هذه الكواكب تكون مثل كوكبنا الأرض، قادرة على استضافة حياة مماثلة. أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية قمراً صناعياً يحمل اسم "خوفو" في عام 2019 لدراسة الكواكب الخارجية. بدأت مهمة "خوفو" للتو في إرسال معلومات حول أول عوالم بعيدة مكتشفة. قد يبدو الطريق طويلاً للغاية، لكن قد تستطيع المهمات الفضائية يوماً ما الإجابة عن السؤال القديم بشأن ما إذا كان هناك أي حياة موجودة في مكانٍ ما خارج كوكب الأرض.