«وضْع إسرائيل في مواجهة إيران أسوأ ممّا كان عليه عشية الاتفاق النووي عام 2015». هي شهادة صدرت، حديثاً، من داخل «الموساد» الإسرائيلي، المسؤول عن قيادة الحرب ضدّ إيران في السنوات الأخيرة، وتضمّنت توجيه اتهام إلى رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، بالفشل، بالنظر إلى أن طهران لا تزيد عمليات تخصيب اليورانيوم ونسبته وتقترب أكثر من «القنبلة النووية» فحسب، بل طَوّرت أيضاً من قدراتها العسكرية وزادت من نفوذها وحضورها في المنطقة.
ورد ذلك وأكثر في مقابلة نائب رئيس «الموساد» المنتهية ولايته، والذي لا يزال يُعرَّف عنه بالحرف الأول من اسمه، وفق القواعد التي تفرضها الرقابة على الإعلام العبري. المقابلة، التي نُشرت في صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس، تشتمل الكثير مما يجب إطلاع القارئ عليه، كونها تُعبّر عن نوع من اللوم والمحاسبة الذاتيَّين والإقرار بالفشل في أكثر من جانب من جوانب المعركة التي تقودها إسرائيل ضدّ إيران، ليس فقط في الملفّ النووي، بل على مستوى وجود إيران نفسها ونفوذها وتأثيرها في المنطقة، خاصة أن الظرف الإقليمي والدولي في السنوات الأخيرة كان أكثر من مؤاتٍ لتل أبيب حتى تُحقّق مصالحها بمواجهة عدوّها الأول.
إلا أن اللافت في كلام نائب رئيس «الموساد» هو استمرار نَفَس العجرفة والتعالي، وإن في سياق الإقرار بالضعف أمام الآخرين. إذ يُفهَم من حديثه أن خسارة الحرب في مواجهة إيران تعود إلى إخفاق قادة إسرائيل نفسها، من دون أن يعني ذلك، ولو بالإشارة، دوراً إيرانياً في إفشال هذه الحرب، علماً أن الهجمة على إيران، التي تحرص تل أبيب على تظهيرها وكأنها إسرائيلية في المقام الأول، هي أممية متعدّدة الأطراف، تقودها الولايات المتحدة ويتضافر معها الغرب، من دون استثناءات تُذكَر. على أن الإشارة واجبة، هنا، إلى أن إسرائيل معذورة في تعاليها، الذي يُعدّ واحداً من موروثات اكتسبتها عبر سنوات وجودها، في مواجهةٍ أدارتها كيفما شاءت مع الحكّام العرب.
وفي ما بدا أنه جردة حساب أمام الجمهور الإسرائيلي عبر «وضع النقاط على الحروف»، يكشف «أ»، الذي غادر الموساد في الشهر الماضي فقط، أن «انسحاب (الرئيس الأميركي السابق، دونالد) ترامب، من الاتفاق (النووي) مع إيران كان هدفاً لعملية إسرائيلية علنية وسرّية، نَفّذ فيها الموساد توجيهات القيادة السياسية، عبر سلسلة من الإجراءات المختلفة لتحقيق ذلك»، مضيفاً أنه «كان واضحاً أن إخراج الأميركيين من الاتفاق يؤدّي إلى الانتهاء منه بشكل نهائي». لكن لِننظُر ما حدث من حينه إلى الآن.

«إذا نظرْت اليوم، في آذار 2021، فستجد تخصيباً لليورانيوم في منشأة فوردو، وهناك عمل نووي آخر في كاشان، وكذلك في نطنز. بل تراكَم لديهم 2.5 طن من اليورانيوم المخصَّب، والآن (شغّلوا) أجهزة متطوّرة للطرد المركزي، في حين أننا الآن مع إدارة (أميركية) ديمقراطية».
وفقاً لـ«أ»، الذي خدم أكثر من 34 عاماً في «الموساد»، قاد فيها - من بين مناصب أخرى - مديرية العمليات الخاصة التي تتضمّن وحدات قتالية لتنفيذ عمليات أمنية واغتيالات، فإن وضع إسرائيل الآن أسوأ ممّا كان عليه في الماضي، أي عشية الاتفاق النووي مع إيران؛ «فهم أيضاً لم يوقفوا توسُّعهم الإقليمي لثانية واحدة، ويعملون كذلك على إنتاج وتطوير قدراتهم الصاروخية، في حين أن الاتفاق الذي أُبرم معهم ليس جيداً، وها نحن نعود من جديد إلى المكان نفسه». ويعتبر أن نتنياهو قَدّم نفسه على أنه «صدامي تماماً» أمام إدارة (الرئيس الأسبق، باراك) أوباما، ما أضرّ بقدرة إسرائيل على تقليص الأضرار التي لحقت بها جرّاء الاتفاق. ويرى أن المشكلة الرئيسة هي أنه في حين أن التهديد النووي الإيراني هو التهديد الوجودي، فإن الحكومة لا تتعامل معه على هذا النحو، بل تطالب بأن تضيف إلى المفاوضات مع إيران قدرتها الصاروخية وكذلك تمدّدها ونفوذها على المستوى الإقليمي والإرهاب، الأمر الذي من شأنه أن يُرحِّل المسألة النووية إلى تموضع متأخّر. ويقول: «أنت تساوم على النووي لكنك تريد تحقيق كلّ شيء، فيما هم يُكدّسون المواد الانشطارية».
إلى ذلك، نشرت صحيفة «جيروزاليم بوست»، أمس، خلاصات تقرير صادر عن مركز «جيماندر» (Gemunder ) التابع لـ«المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي» (JINSA)، نبّه فيه إلى الأضرار التي تلحق الآن بالمواجهة مع المشروع النووي الايراني، محذراً من أن العودة إلى اتفاق عام 2015، بعد فترة تملُّص إيرانية من الالتزامات، لا تعيد إيران نووياً إلى ما كانت عليه، بل إلى موقع وعلم وخبرة نووية مغايرة تماماً، مع تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. وعليه، رأى معدّو التقرير أن تحقيق رغبة إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، في التوصُّل إلى اتفاق شامل ومُقيِّد لإيران، لا يكون عبر العودة إلى اتفاق 2015، بل عبر التأكيد أن لا عودة إليه. وأشاروا إلى أن حديث إيران عن أنها تعتزم التراجع عن خطواتها النووية الأخيرة يخالف الواقع، إذ إن أهمّ ما في هذه الخطوات لا يقبل في ذاته التراجع عنه. ووفقاً للتقرير، «يمكن لإيران من الناحية الفنّية إلغاء تثبيت وتشغيل أجهزة الطرد المركزي المتطوّرة والبنية التحتية المرتبطة بها، لكن سيكون من المستحيل إلغاء تثبيت تجربة التعلُّم التي لا تُقدَّر بثمن، وهي التي اكتسبها علماؤها جرّاء تصنيع هذه النماذج المتطوّرة واختبارها وتجميعها في مجموعات متتالية وتغذيتها باليورانيوم». ويختم التقرير بخلاصة تختصر المعادلة إزاء الملفّ النووي الإيراني، وفحواها: «رسالة إيران العامة تقول، بما أن الدول الغربية لا تريد الحرب، فعليها أن تستسلم».

 

المصدر: يحيى دبوق - الميادين