منذ وصول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض بدأت العلاقات الخليجية الأمريكية بالفتور شيئًا فشيئًا بسبب المواقف التي اتخذتها الادارة الأمريكية تجاه حلفائها في الخليج العربي، حيث عمد الرئيس الأمريكي إلى رفع جماعة الحوثي من قائمة المنظمات الإرهابية في فبراير 2021، محاولًا إيجاد حلول دبلوماسية لإيقاف الصراع في اليمن غير أن تلك الخطوة لم تمنع الحوثيين من إطلاق مسيراتهم وصواريخهم الباليستية تجاه المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، ولم يزدد المشهد في اليمن إلا تعقيدًا، ذلك التصرف أغضب القادة في دول الخليج الذين طالما كانوا يعتبرون أمريكا هي الحليف الإسترتيجي لهم، وحاولوا تفهم موقف الرئيس الأمريكي ومنحه الوقت الكافي لإحلال السلام في اليمن وإنهاء الحرب، غير أن بايدن لم يتوقف عند ذلك وإنما أمر بسحب أنظمة الدفاع الجوي في سبتمبر 2021 التي كانت منتشرة في السعودية وتساهم في التصدي للهجمات الحوثية، ثم عاد للتفاوض مع إيران حول الملف النووي الإيراني.

ومع قرب التوقيع على الاتفاق النووي اندلعت الحرب في أوكرانيا وتبعها العقوبات غير المسبوقة التي فرضت على روسيا والتي أدت أيضًا إلى ارتفاع غير مسبوق في اسعار النفط العالمية، هذا الارتفاع في الاسعار كان كفيلًا بعدم تعرض الاقتصاد الروسي إلى هزة عنيفة جراء العقوبات حيث إن أوروبا والدول الأخرى لم تفرض عقوبات على تصدير الغاز والنفط الروسي عكس الولايات المتحدة التي لا تعتمد على النفط الروسي، وكان على الغرب خفض أسعار النفط لزيادة تأثير العقوبات في روسيا من جهة، ومن جهة أخرى تجنب ارتفاع الأسعار والتضخم التي أصابت الدول التي تستورد النفط خصوصًا أوروبا.

في ظل هذه الأزمة بدأت تتضح للولايات المتحدة أهمية الحليف الخليجي والعضو الأبرز في مجموعة الأوبك +، إلا وهو المملكة العربية السعودية. هنا قررت السعودية أن تتخذ موقفًا مخالفًا للمصالح الأمريكية التي لم تفكر في مصالحها وأمنها وبدأت تبحث عن حليف إسترتيجي آخر، ويبدو أنها وجدت ضالتها في الصين في حين التزمت الإمارات العربية المتحدة بالحياد حتى الآن.

هل اختارت دول الخليج الوقت المناسب لتحدي أمريكا؟
الموقف السعودي وضع الإدارة الأمريكية في موقف صعب جدًا، إذ كان عليها أن تجد بديلًا بإمكانه ضخ النفط إلى الأسواق العالمية لتخفيض الأسعار، ولم يكن أمامها سوى فنزويلا وإيران، ومع قرب الاتفاق النووي كان من السهل على أمريكا التفاهم مع الإيرانيين بصورة أسرع ورفع العقوبات وإطلاق النفط الإيراني للأسواق العالمية حتى لو تطلب الأمر تقديم بعض التنازلات للإيرانيين، غير أنها اصطدمت بواقع الابتزاز الإيراني والتي أصرت على أن تقدم أمريكا المزيد من التنازلات ومنها رفع اسم الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية، وطبعًا الإدارة الأمريكية لن تفكر كثيرًا في عواقب ذلك طالما أن المتضرر من هذه الخطوة هي دول الخليج وقد يتم ذلك قريبًا.

هنا يجب أن نسأل، هل فشلت دول الخليج في اختيار الوقت المناسب لتغيير الحليف الإسترتيجي وبحثت عن بديل في الوقت الذي تستطيع فيه أمريكا إطلاق يد إيران نحو تهديد أمن الخليج؟

حسب رأيي الشخصي نعم، صحيح أن دول الخليج اضطرت إلى ذلك بسبب السياسة التي انتهجتها إدارة الريس جو بايدن، والتي اضرت بدول الخليج وأمنها لكن كان عليهم أن يختاروا الوقت المناسب لتجهيز أنفسهم أولًا والاستعداد للمواجهة مع إيران إذا تطلب الأمر لحماية أمنهم وإيجاد البديل الإسترتيجي قبل ترك الحليف الأساسي.

دول الخليج تحاول الآن الجلوس في مفاوضات مع إيران لإنهاء العديد من المشاكل العالقة بينهم، وحصلت سابقًا عدة جولات للمفاوضات في بغداد، لكن من الواضح أن دول الخليج ما زالت تجهل كيفية التعامل مع إيران ولا يعلمون بالخبث الفارسي، وعليهم أن يفهموا جيدًا أن إيران دولة لا يمكن الوثوق بها ولا تلتزم بأي اتفاقيات أو معاهدات كالتي تتفق عليها كل دول العالم، وأنهم سيشاهدون الوجه الحقيقي لإيران بمجرد أن ترفع العقوبات عنها ويصبح بإمكانها تمويل ميليشياتها في المنطقة.

المصدر: بهاء خليل - ساسة بوست