العلاقة السعودية الأمريكية في خضم أزمة، بصفتي سعودياً التحق بالجامعة في الولايات المتحدة، ويحب أمريكا ويريد رؤيتها قوية، فإنني منزعج بشكل متزايد من عدم واقعية النقاش الأمريكي حول هذا الموضوع، والذي غالباً ما يفشل في الاعتراف بمدى عمق وخطورة الصدع.

مناقشة أكثر واقعية يجب أن تركز على كلمة واحدة وهي: “الطلاق”، فعندما تفاوض الرئيس باراك أوباما على الاتفاق النووي مع إيران، فهمنا نحن السعوديين أنه يسعى لفسخ زواج دام 70 عاماً.
 
عيوب الصفقة معروفة، حيث إنه يمهد الطريق لإيران لصنع قنبلة نووية، وإنها تملأ صندوق حرب الحرس الثوري الإيراني، الذي نشر ميليشيات في جميع أنحاء العالم العربي مسلحة بذخائر دقيقة التوجيه.

في نهاية الأسبوع الماضي، انضم وزير الخارجية أنطوني بلينكن إلى مؤتمر في النقب لاستضافه وزير الخارجية يائير لبيد، وحضره عدد من وزراء الخارجية العرب، استغل بلينكن هذه المناسبة للتستر على الخلاف الذي أحدثه الاتفاق النووي من خلال تقديم صورة للتضامن الإقليمي، لكن المنطقة لم تنخدع بذلك.

تم بيع الصفقة بشكل مخادع للجمهور الأمريكي كاتفاقية للحد من الأسلحة، وهي عبارة عن هجوم على النظام الإقليمي الذي أنشأته الولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، معادية صراحةً للمملكة العربية السعودية، ناهيك عن حليف أمريكا الأعظم في المنطقة “إسرائيل”، وتستبدل الصفقة الهيكل الأمني ​​الإقليمي السابق بقيادة أمريكا بنظام الحفل الذي تصبح فيه إيران، بدعم من روسيا والصين، مقاولين من الباطن لأمريكا، وحلفاء أمريكا السابقون – دول الخليج و”إسرائيل” – تم تخفيضهم إلى مرتبة الدرجة الثانية.
 
الأهم من ذلك بالنسبة لمؤلفيها، أن الصفقة تخرج الولايات المتحدة من أعمال احتواء إيران، والتي رداً على ذلك كثفت هجماتها على السلام والاستقرار الإقليميين.

يوم الجمعة الماضي، بينما كان بلينكن يستعد لرحلته إلى كيبوتس “سديه بوكير” القديم التابع لـ “ديفيد بن غوريون”، شنت مليشيا الحوثي المدعومة من إيران هجوماً صاروخياً على أرامكو في جدة، كان هذا الهجوم هو الأحدث في سلسلة طويلة من الهجمات الوقحة التي شنتها إيران، إما مباشرة من أراضيها أو بشكل غير مباشر من خلال وكلاء.

خلال إدارتي أوباما وبايدن، قوبلت اعتداءات إيران بدعوات أمريكية لـ”وقف التصعيد” وإلقاء اللوم المتكرر على المملكة في صراع لم نسعَ إليه مع “الإرهابيين” على حدودنا المدعومين من إيران، وهي قوة أجنبية كما قالت إدارة بايدن: “بأنه يَعِد بالتخصيب بمئات المليارات من الدولارات في تخفيف العقوبات”، وستحصل روسيا أيضاً على اقتطاع، وهو ما سيخصص بلا شك لتمويل حربها في أوكرانيا.

إن التظاهر بـ “التوازن” الذي طرحه أوباما لتبرير الصفقة لم يكن له أي معنى منطقي، فإذا وعد أحد الأصدقاء “بموازنة” احتياجاتك مع احتياجات أعدائك، فيبدو من العدل أن نستنتج أنه لم يعد مهتماً جداً بأن يكون صديقك.

وبدلاً من الصداقة، تبدو أمريكا أكثر ميلاً لاستخدام أصدقائها القدامى كدروع بشرية لإيران، في وقت سابق من هذا الشهر، عندما شنت إيران هجوماً صاروخياً باليستياً بالقرب من القنصلية الأمريكية في أربيل بالعراق، زعمت زوراً أنها تستهدف “منشأة إسرائيلية”، ثم أكد مسؤول كبير الادعاء الإيراني، بينما نفى مسؤولون آخرون ذلك لاحقاً، فقد وقع الضرر، ساعد مسؤول أمريكي إيران في تحقيق أقصى استفادة من دعايتها من خلال العمل.

بالنسبة للدول العربية في المنطقة، وخاصة بالنسبة للمملكة العربية السعودية، كان هذا المشهد الغريب مشهداً تنويرياً، إذا لم يقف الأمريكيون إلى جانب “إسرائيل” ضد إيران، فما هي فرصتهم في الوقوف إلى جانبنا؟

لم يمض وقت طويل على تقديم الولايات المتحدة نفسها لحلفائها كدرع لهم ضد جميع الجهات الفاعلة التي تسعى للهيمنة الإقليمية، كان شعار التحالف هو الدفاع الجماعي.

في هذه الأيام، تصور الولايات المتحدة الردع العسكري ضد إيران على أنه منحدر زلق للحرب – نيابة عن “الحلفاء الجاحدين”، في حين أن هذا الموقف هو الأكثر انتشاراً بين الديمقراطيين، وفشل الرئيس دونالد ترمب أيضاً في مساعدة الرياض في ردع إيران بعد الهجوم على مصفاة بقيق في سبتمبر 2019، جنباً إلى جنب مع تصريحاته عن نيته مغادرة الشرق الأوسط، فإن هذا التخلي عن الردع جعل السعوديين يتساءلون إذا لم يكن الجمهوريون أيضاً يهدفون إلى “الطلاق”.

لكن تصميم إدارة بايدن على إحياء الاتفاق النووي الإيراني هو الذي أقنع السعوديين إلى حد كبير بأن أمريكا مصممة على تفكيك النظام الإقليمي الذي أنشأته، بغض النظر عن الشياطين التي قد تطلقها.

على ما يبدو، لن يصرف أي شيء البيت الأبيض عن هدفه، خلال المفاوضات في فيينا، أصبحت الهجمات من إيران أكثر جرأة من أي وقت مضى، حتى هجوم الوكلاء الإيرانيين على القوات الأمريكية في منطقة التنف بسوريا والهجمات المتكررة على السفارة الأمريكية في العراق لم يصرف بايدن عن هدفه المتمثل في تسليم مئات المليارات من الدولارات إلى الحرس الثوري الإيراني.

في الرياض، لا يُنسى أن الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2014 تلاه سريعاً ظهور تحالف روسي إيراني في سوريا أدى إلى تدمير معظم المدن الرئيسية في ذلك البلد ومنح موسكو قاعدة عسكرية في شرق البحر الأبيض المتوسط، ترسيخ أول موطئ قدم لروسيا في الشرق الأوسط منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.

عندما احتج السعوديون على سلبية أوباما، قال لهم إن عليهم “تعلم كيفية مشاركة المنطقة مع إيران”، ولا يغيب عن الحلفاء الإقليميين لأمريكا الآن أنه حتى عندما يطلب بايدن من المملكة العربية السعودية زيادة إنتاج النفط للمساعدة في دعم الحملة ضد روسيا بشأن أوكرانيا، فإنه يمنح روسيا إعفاءات من العقوبات حتى تتمكن من الاستمرار في ضمان الاتفاق النووي معها، إيران التي ساعدت في التوسط، جزئياً من خلال رعاية احتياطيات إيران من اليورانيوم وحماية منشآتها النووية تحت الأرض المليئة بأجهزة الطرد المركزي غير القانونية التي تقوم بتدوير مواد للأسلحة.

لماذا يجب على حلفاء أمريكا الإقليميين مساعدة واشنطن على احتواء روسيا في أوروبا بينما تعمل واشنطن على تقوية روسيا وإيران في الشرق الأوسط؟

الافتراض الأمريكي الموجه هنا، إذا كان هناك افتراض، هو أن الحلفاء الإقليميين القدامى للبلاد ليس لديهم خيار سوى تناول ما يقدم لنا على الإفطار، وتناوله مرة أخرى على الغداء، هذا الافتراض متعجرف وخاطئ.

بينما تعاني السياسة الأمريكية من تناقضات محيرة، فإن السياسة الصينية بسيطة ومباشرة، وتقدم بكين للرياض صفقة بسيطة: قم ببيع نفطك واختر المعدات العسكرية التي تريدها من الكتالوج الخاص بنا، في المقابل، ساعدنا على استقرار أسواق الطاقة العالمية، بعبارة أخرى، يقدم الصينيون ما يبدو بشكل متزايد على غرار الصفقة الأمريكية السعودية التي عملت على استقرار الشرق الأوسط لمدة 70 عاماً.

ما لم يتضح بعد هو ما إذا كان بإمكان الصينيين المساعدة في ردع إيران، أو ما إذا كانوا يشاركون الولايات المتحدة الإيمان بـ “التوازن”، لكن “شي جين بينغ” سيزور الرياض في مايو، من المؤكد أن القادة السعوديين سيسألونه عما إذا كان قصف إيران الصاروخي للمنشآت النفطية لأكبر منتج للنفط في العالم يصب في مصلحة الصين، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فهل تستطيع بكين التوقف؟

المصدر: محمد اليحيى - جيروساليم بوست - ترجمة الهدهد