يكاد عدّ اقتراحات قانون الانتخاب يماثل عدّ الايام التي تنقضي من المهل المتتالية لاجراء الانتخابات النيابية. بعدما اوشك الحد الاقصى للمهلة المنصوص عليها في قانون الانتخاب لدعوة الهيئات الناخبة، نقترب من دخول المهلة الدستورية لاجراء الانتخابات

في كل مرة تُطرح صيغة جديدة لقانون الانتخاب ترتفع اكثر فأكثر حظوظ الخيارين السلبيين الآخرين المتأهبين: الذهاب الى تمديد ولاية البرلمان الحالي او الفراغ الكامل. لا يدخل في حساب هذين الاحتمالين اجراء الانتخابات النيابية تبعاً للقانون النافذ منذ عام 2008، ما دام رئيس الجمهورية ميشال عون مصراً الى ما لا نهاية على عدم توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة.

من دون موافقة الرئيس على هذا المرسوم ومهره، لا حظ في اجراء الانتخابات وفق قانون 2008، وهي موافقة ملزمة لنفاذه. الا ان ذلك يشير ايضاً، انسجاماً مع الموقف المتصلب لرئيس الجمهورية، الى ان قانون 2008 ــــ وإن هو القانون النافذ ــــ بات اشبه بمعلق، لا يمكن وضعه موضع التطبيق. لا سبيل اليه من دون المرور بقصر بعبدا.

عند هذا الحد يتوقف الجهد الذي يبذله وزير الداخلية نهاد المشنوق كي تصبح المشكلة في مكان آخر: لم تعد الدعوة الى الانتخابات النيابية اجراء ادارياً تقنياً، بل اضحت في صلب الاشتباك السياسي على قانون الانتخاب. بذلك باتت الخيارات ضيقة. ما لم يصر الى التوافق على قانون جديد للانتخاب، لا مناص من ذهاب البلاد الى تمديد ثالث لولاية برلمان 2009 او الى الفراغ. كلاهما في تقدير رئيس الجمهورية يفضيان الى حصيلة واحدة هي الفراغ: الاول مضمر والثاني معلن.
لرئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة سعد الحريري وجهة نظر معاكسة، هي ضرورة الحؤول بأي ثمن دون وقوع الفراغ الذي يؤول في آن الى انعدام وجود سلطة اشتراعية وتحوّل السلطة الاجرائية حكومة تصريف اعمال. عندئذ تسقط السلطات الدستورية جميعاً، بما فيها رئاسة الجمهورية، في الفراغ الشامل، اذ يتعذّر اذذاك اتخاذ اي قرار ــــ بما فيها في ما بعد قانون الانتخاب ــــ في غياب المرجعيات الدستورية المعنية. عندما انهارت الدولة عامي 1988 و1989 بالشغور الرئاسي وانقسام الحكومة والجيش الى اثنين وحل مجلس النواب، امكنت تسوية الطائف تعويم النظام الدستوري في البلاد. كذلك فعلت تسوية الدوحة عام 2008 بعد سنة على شغور رئاسي وتعطيل الحكومة واقفال ابواب مجلس النواب رغم ولايته القانونية في ذلك الحين. على ان الوضع اليوم قد لا ينتهي الى ثالثة ثابتة.
لم يسع الاقتراح المحدث لقانون الانتخاب الذي اعلن عنه الوزير جبران باسيل البارحة، فتح نافذة حل في مأزق مطبق من جهاته كلها. ضاعف من ردود الفعل السلبية عليه موقف كان الوزير في غنى عنه، عندما تحدّث عن ترئيس مسيحي غير ماروني مجلس الشيوخ قبل ان يُنشأ. لم تكن المناسبة لاحداث ربط بين الاقتراح ومجلس الشيوخ، ولا هو الآن اوان الخوض في مؤسسة دستورية جديدة نص عليها اتفاق الطائف وأُلحِقت ببنود الدستور، الا انها مشروطة بتأليف اول مجلس نيابي وطني خارج القيد الطائفي. للفور جلب اقتراح باسيل اول الاعداء اليه، وهم الدروز. وقد لا يكون النائبان وليد جنبلاط وطلال ارسلان وسواهما في حاجة الى ذريعة كهذه لرفض الاقتراح الجديد، والفلسفة التي ينطوي عليها على نحو ما اوردها صاحبه، الا ان ردود الفعل الاولى لا توحي بقرب الوصول الى قانون جديد للانتخاب.
على نحو كهذا، يدور الجدل الفعلي غير المعلن في الدوائر المغلقة على سبل اخراج تمديد ولاية البرلمان الحالي مع حفظ ماء الوجه للجميع، ما داموا يرفضون الوصول الى الفراغ، ولا يستطيعون في المقابل دعوة الهيئات الناخبة الى انتخابات نيابية عامة وفق القانون النافذ.
ثمة فريقان رئيسيان، لاسباب مختلفة، يرغبان في تمديد الولاية تحت شعار تأجيل اجراء الانتخابات بضعة اشهر تستمر الى اكثر من سنة، يمسي معها الوضع الداخلي اكثر استعداداً لها، هما الرئيس سعد الحريري (مزيداً الى مبرراته دوافع شخصية تتصل بمتاعبه غير السياسية) والنائب جنبلاط. في المقابل ثمة فريقان رئيسيان آخران هما الاكثر استعجالاً للانتخابات: رئيس الجمهورية (لا التيار الوطني الحر الذي يحتفظ شأن تيار المستقبل وحزب الله وحركة امل بكتلة نيابية وازنة) ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. الاول يصر على قانون جديد يؤدي الى تصحيح التمثيل المسيحي في البرلمان وفرض توازنه الحقيقي، وينظر اليه على انه الحلقة الثالثة في مهمة مكتملة الهدف بدأت بانتخابه رئيساً للجمهورية، وأُكملت بحصر تعيين الوزراء المسيحيين في الحكومة الحالية بمرجعياتهم الفعلية دون سواهم، وبقي منها الانجاز الثالث لعهده وهو قانون الانتخاب. اما الثاني فيريد من الانتخابات التخلص من الهاجس الذي يطارده مذ انخرط حزب القوات اللبنانية في الانتخابات النيابية للمرة الاولى عام 2005. مذذاك لم يسعه ــــ وهو يردد مرة تلو اخرى ان تمثيله السياسي في البرلمان لا يعكس تمثيله الشعبي في الشارع ــــ سوى الحصول على ثلاثة مقاعد فقط بأصوات ناخبيه (بشريان وبتروني واحد)، فيما المقاعد الاخرى الموزعة بين الشوف والكورة وزحلة لا تعدو موزعة بين ودائع كحال النائب جورج عدوان او دان بها الحزب للصوت السنّي المرجح الذي كفل الفوز شأن مقعد الكورة والمقاعد المسيحية الزحلية.
اما كيف السبيل الى حفظ ماء وجه الجميع بما يحول دون الوقوع في الفراغ، ما دام لا اثر لقانون نافذ او قانون جديد، والخروج تالياً من المأزق المتمادي، فتلك هي المشكلة.

المصدر: نقولا ناصيف - الأخبار