أيقونة إضافية يخبو وهجها في شارع الحمرا. المبنى القديم لجريدة «النهار» بات رسمياً منذ أمس جزءاً من أمبراطورية مصرف لبنان المتمددة في جميع الاتجاهات. بيع المبنى العريق الذي كان شاهداً على حقبات تاريخية في السياسة اللبنانية المعاصرة بـ13 مليوناً و500 ألف دولار أميركي لمصلحة المصرف المركزي.
منذ أشهر يتردد كلام عن هذا الموضوع. تم التداول بأرقام متفاوتة عن حجم التقدير، قيل وقتها إن مصرف لبنان خمّن قيمة العقار بتسعة ملايين دولار، ثم عشرة ملايين، لكن الرقم النهائي استقر على 13.5 مليوناً، فيما فسّر على أنه دعم غير مباشر من المصرف المركزي لأصحاب الجريدة الذين يعانون من مشكلات مالية متفاقمة. وعزا البعض تضخيم المبلغ الى أن أصحاب العقار كانوا قد رفضوا العروض السابقة. ثم حصل أن خرجت فجأة على صفحات «النهار» أخبار وتقارير ومقابلات تنتقد ما يقوم به حاكم المصرف المركزي.
المحزن في الخبر، بعيداً عن رمزيته، أن «النهار» كجريدة والعاملين فيها، والمصروفين منها، لن يستفيدوا من عملية البيع هذه بشكل من الأشكال، إذ تبين أن المالكين للعقار المبيع هم: الشركة التعاونية الصحفية ش.م.ل.، ومطابع التعاونية الصحفية ش.م.ل. وبنك البحر المتوسط، أي إنه لن يطال الجريدة أي نفع مادي مباشر، باعتبار أن المالكين هم شركات مستقلة لا علاقة لهم بالجريدة كشركة، وأن هذه الشركات كانت من حصة إخوة وأولاد إخوة الراحل غسان تويني بعد توزيع الإرث عقب وفاته.
محامية لجنة المصروفين من «النهار» ماي عازوري تؤكد أن القانون ينص على أنه في حال بيع أي من العقارات التي تملكها أي شركة متعثرة، فإن الأولوية تكون لدفع مستحقات الموظفين وتسديد أجورهم. وتكشف أن العقارات التي صرّحت «النهار» بأنها تملكها مخمَّنة بأسعار تقل عن القيمة الفعلية المقدرة لأسعار السوق. فعلى سبيل المثال، تملك الجريدة نحو 4000 متر مربع في منطقة وسط بيروت تم تخمين سعرها بحسب الإفادات التي قدمت بـ22 مليار ليرة، علماً بأن السعر الفعلي هو أضعاف ذلك بكثير.
أزمة المصروفين من «النهار» متواصلة، وعلى ما يبدو لن يغير بيع المبنى القديم من فصولها؛ فالمسؤولة في لجنة متابعة المصروفين من «النهار»، الزميلة مي أبي عقل، قالت إن اللجنة لم تعلم بعملية البيع، وإن تسعة مصروفين من الجريدة مستمرون بالدعوى المرفوعة ضدها، بعد أن تمت مفاوضة أحد المصروفين وإعطاؤه ثلاثة أشهر على شكل «بونس»، وليس على شكل صرف تعسّفي، مع رواتبه المتأخرة، ووافق على الأمر.
وتبيّن أبو عقل أن آخر فصول الاستهتار من قبل إدارة الجريدة بالمصروفين، ظهر منذ أيام، حين اكتشفوا عن طريق المصادفة أنهم جرى حرمانهم من الاستفادة من تقديمات التأمين الصحي، علماً بأنهم كموظفين يدفعون قيمة التعاقد مع التأمين كجزء من رواتبهم، كذلك تبيّن لهم أنه تمّ شطبهم من الضمان الاجتماعي على الرغم من أن قضيتهم مع المؤسسة لم تسوَّ بعد، ولم يوقّعوا على أيّ مستند بموافقتهم على ذلك.
يشار الى أن وزارة العمل تقوم بدور الوساطة بين العاملين المصروفين وإدارة الجريدة، والتي تبرر قرار الاستغناء عن العاملين بالصعوبات الاقتصادية القاهرة. وتَردّد قبل أيام أن إدارة الجريدة تنوي إبلاغ وزارة العمل قرارها وقف إصدار النسخة الورقية من الجريدة خلال شهور قليلة، وأن إدارتها تبحث فكرة إنشاء شركة جديدة تملك الموقع الإلكتروني أو أي إنتاج إعلامي جديد. ويستند القانونيون إلى أن تصفية المؤسسة من شأنها معالجة كل خسائرها وديونها في آن واحد. ويفرض ذلك سقفاً لأي تعويضات تخصّ العاملين، بخلاف ما يستحق لهم في الحالة الراهنة.
وكانت محاولة وزير الاعلام ملحم رياشي للتوسط بين الجانبين قد انتهت الى عرض من إدارة «النهار» بدفع راتب شهر واحد، إضافة إلى الرواتب المتأخرة التي تستحق للموظفين في ذمة المؤسسة. ويجري التواصل مع العاملين فرداً فرداً لأجل تحقيق تسوية تمنع ذهابهم الى الادّعاء على المؤسسة.
المفارقة في ما يجري اليوم أنه بالتزامن مع عملية بيع المبنى القديم للجريدة، من المتوقع أن يطلق، يوم الإثنين المقبل، موقع «النهار» الإلكتروني بحلته الجديدة. وذكرت معلومات أن الموقع لن يكون متاحاً بالمجان أمام زواره، بل إن الدخول إليه سيكون مدفوع الأجر، ما يطرح تساؤلات عن جدوى هذه الخطوة في وقت أظهرت فيه الكثير من التجارب المشابهة أنها لم تكن عملية موفقة، فهل هي خطوة إضافية لمزيد من التدهور في مسيرة هذه المؤسسة الإعلامية العريقة؟