هل ستقرّ سلسلة الرتب والرواتب أم سيجري تطييرها؟ بقي هذا السؤال عالقاً في نهاية يوم ماراتوني للهيئة العامة للمجلس النيابي. ومع أنّه جرى تحديد جلسة ثانية صباح اليوم، إلاّ أنّ بطء النقاش خلط الأوراق و»خربط» حسابات البعض الذي كان يعوّل على إقرار السلسلة أولاً وفصلها عن مشروع الإجراءات الضريبية

الأجواء «الجدية» التي أشاعها بعض النواب، قبيل دخولهم الجلسة التشريعية أمس، بشأن اتفاق معظم الكتل النيابية على إقرار مشروع سلسلة الرتب والرواتب وإجراء التعديلات التي تلبّي «أفضل الممكن» من مطالب المعترضين في الخارج، لم تترجم داخل جدران القاعة العامة.

وعلى الرغم من أن اقتراح تقديم بند السلسلة الموضوع في آخر جدول الأعمال حظي بأكثرية أصوات النواب، إلاّ أنّ الساعات الأربع من النقاش المستفيض لم تغيّر شيئاً في الأحجية: هل ستقرّ السلسلة أم سيجري تطييرها وإعادتها إلى المربع الأول؟
تعمّد الشرح والإطالة بدا ملحوظاً منذ اللحظة الأولى لبدء الجلسة المسائية برئاسة نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، حتى من جانب المشاركين في إقرار مشروعَي قانونَي السلسلة والإجراءات الضريبية في جلسات اللجان النيابية المشتركة. وكانت النتيجة التصديق على 5 مواد فقط من أصل 16 مادة في مشروع القانون الخاص بالمواد الضريبية لتمويل السلسلة، من دون التطرق إلى مواد مشروع قانون السلسلة. ومن المواد التي أقرّت رفع معدل الضريبة على القيمة المضافة (TVA) إلى 11%، ورفع معدل رسم الطابع المالي النسبي من 2 بالألف إلى 4 بالألف، ورفع رسم الطابع المالي على السجل العدلي من 2000 ليرة لبنانية إلى 4000 ليرة لبنانية، ورفع رسم الطابع المالي على الفواتير والإيصالات التجارية من 100 إلى 250 ليرة لبنانية، ورفع رسم الطابع المالي على فواتير الهاتف بقيمة 1500 ليرة لبنانية، وزيادة رسم الطابع المالي على رخص البناء 1.5%، مع تعديل يتعلق باستثناء الأبنية المخصصة للصناعة من هذه المادة، بناءً على اقتراح وزير الصناعة وبعض النواب، ومنهم أكرم شهيب، وفرض رسم إنتاج على الاسمنت وقدره 6000 ليرة عن الطن الواحد.

تحذير من سلسلة «غير متبصّرة»

وقبل البدء بالتصويت على مواد المشروع، سجّل عدد من النواب ملاحظات عامة. فإقرار النائب روبير غانم بأحقية السلسلة للمعلمين والإداريين والعسكريين لم يمنعه من التساؤل عن عدم تعرض إيرادات السلسلة لأيّ من أماكن الفساد والهدر في الكهرباء والجمارك والتهرب الضريبي ووضع حلول ولو جزئية في هذا الإطار لجهة ترشيد الإنفاق. وبدا نائب القوات اللبنانية جورج عدوان ميّالاً إلى إقرار السلسلة وتأجيل البحث في الإيرادات، و«هي جميعها ضرورية»، كما قال، مقترحاً إعادة المشروع إلى الحكومة على خلفية وحدة الإيرادات والنفقات، وخصوصاً أنّ سقف السلسلة (1200 مليار ليرة) وضع في الموازنة. عدوان رأى أنه يحق للرأي العام اللبناني أن يعلم أن السلسلة ليست المشكلة، بل الإنفاق العام، مستغرباً تحميل السلسلة عبء الإيرادات، باعتبار أنّه لا توجد إيرادات مخصصة للسلسلة فحسب، بل لتغطي كامل النفقات. أما رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة فوصف الجلسة بأنها من أهم وأخطر الجلسات، محذراً من الموافقة على سلسلة «غير متبصّرة كما حصل مع سلسلة القضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية، لا تترافق مع امتلاك الجرأة لإقرار إصلاحات حقيقية تؤدي إلى تحقيق النمو المستدام وإعادة الاعتبار لهيبة الدولة وتحفيز القطاع الخاص ليقوم بدور أفعل في الحياة الاقتصادية وتوفير عناصر الحماية للاستقرار المالي والنقدي وإلغاء مزاريب الهدر ومكافحة الرشوة من دون شفقة على أحد».

شمولية الموازنة

وزير المال علي حسن خليل أيّد ما جاء في مداخلة السنيورة لجهة الحاجة إلى الإصلاحات، مؤكداً أهمية أن نكون دقيقين لجهة شمولية الموازنة وإحداث التوازن بين قدرات الدولة والنفقات، مشيراً إلى «أننا لم ننتظر أصحاب السلسلة ليتظاهروا حتى نبادر إلى تحريك السلسلة ونغطي الحد الأدنى المقبول من حقوقهم من دون إحداث تأثيرات سلبية على الوضع المالي والنقدي». وبينما نفى خليل عدم إمكانية إقرار السلسلة من دون إيراداتها، استغرب بعض مداخلات النواب الرافضة لتوحيد تقديمات الصناديق الضامنة، قائلاً: «هل تعلمون أن في لبنان 11 نموذجاً للتغطيات الصحية والاجتماعية من صناديق التعاضد إلى تعاونية الموظفين إلى الضمان الاجتماعي، إلخ...؟». رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل جدد موقفه الرافض لمناقشة المواد الضريبية خارج الموازنة، مستغرباً الكلام الذي صدر على لسان وزير المال لجهة إقراره بأنّ هناك سراقين محميين، فردّ عليه خليل بأنّه أحال إلى القضاء كل من قُدّمت به شكوى.

وأوضح النائب أكرم شهيب الذي اعترض على تقديم بند السلسلة في جدول الأعمال على عدد من البنود «أننا ما زلنا على موقفنا المبدئي، وهو عدم السير بسلسلة إلاّ بإيرادات مضمونة».
وفي مناقشة الضرائب، جدد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض رفض كتلته للضريبة على القيمة المضافة من باب مبدئي واقتصادي واجتماعي، ومع رفعها إلى 15% على الكماليات. وكذلك فعل النائب سامي الجميّل، مشيراً إلى أن التهرّب الضريبي يبلغ ملياراً و600 مليون دولار. وهنا اقترح النائب أيوب حميد تحويل هذا المعطى إلى إخبار للنيابة العامة. إلاّ أن عضو كتلة المستقبل النيابية النائب غازي يوسف قال إنّ التجربة تفيد بأن TVA زادت مداخيل الدولة ولم تزد الأسعار، ولم يكن لها أثر كبير على الطبقات الفقيرة. ولما سئل وزير المال عمّا إذا كانت إعفاءات المصارف من هذه الضريبة لا تزال قائمة، لفت إلى «أننا لم نغير شيئاً سوى زيادة 1%». وأقرّ بند رفع ضريبة القيمة المضافة من 10% إلى 11%، رغم اعتراض نواب حزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب الكتائب والنائب خالد ضاهر.

نقاش مستفيض حول رسم الاسمنت

البند الأبرز الذي احتل حيّزاً واسعاً من النقاش دار حول الضريبة المتعلقة برفع رسم الانتاج على الاسمنت، وما إذا كان المواطن سيدفع هذه الزيادة، ومدى قدرة وزارة الصناعة على إجبار شركات الاسمنت على عدم تحميل هذه الضريبة لذوي الدخل المحدود. وأشار وزير الصناعة حسين الحاج حسن إلى أن من صلاحية الوزارة مفاوضة الشركات على سعر الطن، لكنها لا تضمن التجاوب. وحمّل المجلس النيابي المسؤولية في حال رفضت الشركات تحمّل هذه الزيادة. ومع أن الحاج حسن طالب بزيادة الرسم على الاستهلاك لحماية هذه الصناعة (مع التذكير بأن الاستيراد ممنوع)، واقترح أيضاً أخذ الرسم على الإنتاج ومن ثم إعادته عند التصدير، إلا أنّه عاد والتزم في التصويت موقف كتلته بزيادة الرسم على الانتاج. وقد ذهب عضو كتلة الوفاء للمقاومة نواف الموسوي أبعد من ذلك، حين اقترح رفع الرسم على الانتاج من 6 آلاف ليرة إلى 10 دولارات. وقد أقرّت الكتل النيابية هذه المادة، ما عدا كتلتي اللقاء الديموقراطي وتيار المستقبل.

التحركات الاعتراضية


في أثناء انعقاد الجلسة التشريعية، كان الأساتذة الثانويون، والمدرسون في التعليم الأساسي المعيّنون في عامي 2010 و2012، ينفذون «اعتصام المظلات» اعتراضاً على المواد المجحفة في مشروع السلسلة التي تضرب الموقع الوظيفي. المفارقة أن يصطدم المعتصمون بشاحنات اعترضت طريقهم من الجنوب والبقاع والجبل إلى بيروت ولم يعرفوا من يحركها، هل هي نقابات النقل أم أصحاب الكسارات والمرامل؟ وقد قدم بعض الأساتذة في الجنوب استقالاتهم من مكتب فرع الرابطة احتجاجاً على ما سمّوه قراراً سياسياً بمنعهم من الوصول إلى ساحة رياض الصلح. إلاّ أن رئيس رابطة الأساتذة الثانويين نزيه جباوي نفى لـ«الأخبار» أن يكون هذا العمل مفتعلاً أو مدبّراً، «لكن من حق الزملاء أن ينفعلوا ضد من منعهم من إيصال صوتهم».
على خط مواز، انتفض أساتذة الجامعة اللبنانية وعلقوا الدروس ثلاث ساعات، احتجاجاً على توحيد الصناديق الضامنة وإعطاء الموظفين الإداريين زيادات تضاهي الزيادات التي نالوها في سلسلتهم المقرّة في 2012. وقبلهم اعترض القضاة على خفض تقديمات صندوق التعاضد وتقليص العطلة القضائية.
أمس، نفذ أيضاً الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين اعتصاماً تحت شعار: دفاعاً عن لقمة العيش الكريم، ومن أجل تصحيح الأجور ورفع الحد الأدنى الى 1,200,000 ل.ل.، ورفضاً لقانون الإيجارات التهجيري الأسود، واعتراضاً على السياسات الضريبية.
وأعلنت رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية الإضراب اليوم في جميع كليات الجامعة، والاعتصام صباحاً، تزامناً مع الجلسة التشريعية.

المصدر: فاتن الحاج - الأخبار