منذ أكثر من شهر، تُوِّجت تحركات المجتمع المدني الرافضة لمشروع المرأب في ساحة التل، بانتزاع قرار بلدي بإلغائه نهائياً، وذلك بعد ما يزيد على عامين من انطلاق هذه التحركات. لكن هذا القرار لم يلغ الهواجس المتعلقة بكيفية صرف الاعتمادات المرصودة للمشروع؟ فما هو البديل؟ أي مشاريع مطروحة؟ ومن يطرحها؟ ولماذا؟
منذ أن أطلقت لجنة متابعة مشاريع طرابلس حملتها ضد مشروع مرأب ساحة التل، كانت أولى مطالبها إشراك المواطن في اتخاذ القرارات المتعلقة بأي مشروع قد يُنفّذ في مدينته، فضلاً عن سلة مطالب قدمتها اللجنة كحلول متكاملة لأزمة السير، التي جرى تسويق المرأب بحجتها، تنطلق هذه الحلول من خطة تنموية شاملة ومخطط توجيهي عام، يلحظ أهمية المدينة التاريخية وكيفية تطويرها، والإسراع باستكمال مشروعي الحزامين الغربي والشرقي، وإنشاء وتفعيل محطتي التسفير الشمالية والجنوبية، وتحويل وسط المدينة إلى منطقة خالية من السيارات أسوة بالتوجه العالمي للتنظيم المدني، وإنشاء وتشغيل مرائب سطحية بديلة صديقة للبيئة في مواقع تتلاءم مع انسيابية السير وتمركز المدارس والمطاعم.
ورغم أن مجلس الإنماء والإعمار تجاوب مع بعض المطالب، وبدأ بوضع خطة سير للفيحاء منذ أكثر من عام، واتخذ خطوات جدية مؤخراً للإسراع في تنفيذ الحزامين، إلّا أن بلدية طرابلس، على ما يبدو، لها رأي آخر.
قمر الدين: قدمت الاقتراحات لرئيس الحكومة
في اتصال لـ "الأخبار" مع رئيس البلدية المهندس أحمد قمر الدين سألناه عن مصير الاعتمادات المخصصة لمشروع المرأب، والبديل الذي اعتمدته البلدية، قال: «لقد تقدمت من رئيس الحكومة بكتاب رسمي تضمن الاقتراحات التي تقدم بها أعضاء المجلس، وتتضمن البنية التحتية لمشاريع الضم والفرز الشمالي وزيتون أبي سمراء، إنارة وتأهيل ملعب رشيد كرامي البلدي، الجسر الذي يربط بين القبة وأبي سمراء (جزء من الحزام الشرقي) لحل مشكلة السير، دراسة للسير، تأهيل منطقة التل وفق الرؤية التي وضعها المهندس شوقي فتفت خلال العهد البلدي السابق، وتتضمن تأهيل واجهات الأبنية وتحويل المنطقة إلى ساحة للمشاة دون مشروع المرأب»، ولكن هل ستكفي الأموال لكل هذه المشاريع؟
إن الأموال المرصودة للمشروع كانت نحو 20 مليون دولار، اقتُطع منها ثلاثة ملايين دولار للمتعهد كبند جزائي نتيجة التراجع عن تنفيذ المشروع بعد توقيع العقد.
يوضح مصدر مطلع أن الدفعة الأولى للتنفيذ كانت ثمانية ملايين دولار، لم تُسترد. وأياً يكن المبلغ المتبقي ومصادر التمويل للمشاريع المقترحة فهي متفاوتة الأهمية، بعضها أساسي، وبعضها يأتي في آخر قائمة الأولويات كمشروع إنارة الملعب البلدي الذي خصص له المجلس البلدي في موازنة 2017 مبلغ مليار ونصف مليار ليرة، بما يساوي ضعفي ونصف ضعف المبلغ المخصص لإنارة المدينة كلها! ما يدفع للتساؤل عن الأسس المعتمدة لاختيار المشاريع وإقرارها، ولا سيما أنها لم تأت ضمن خطة إنمائية شاملة ولم تُجرَ حولها الدراسات. فالخطة المعلن عن المضي بإعدادها منذ أشهر لم تنتهِ بعد، وقد أُجِّل الإعلان عنها مراراً وتكراراً، وإمعاناً في التسويف تم إقرار إنتاج فيلم مدته 23 دقيقة لشرح الخطة (التي لم تنتهِ) بقيمة ثمانية عشر مليون ليرة.
بخاش: احتجاج على تهميش دورنا
يقول عضو المجلس البلدي المهندس باسم بخاش بأن «البدائل المُقدَّمة لرئيس الحكومة طُرحت خلال اجتماع غير رسمي ضمّ 8 أعضاء من أصل 24 عضواً، وكانت مجرد اقتراحات وأفكار لمشاريع لم تبحث بشكل جدي ومعمق، علمنا بعدها من خلال التلفزيون (!) باللقاء بين رئيس البلدية ورئيس الحكومة لتقديم البدائل، وذلك قبل عقد الجلسة المحددة لمناقشتها واتخاذ قرارات رسمية بشأنها، فقاطع الجلسة أكثر من 12 عضواً احتجاجاً على تجاهلنا وتهميش دورنا».
السراي... رهناً بالأتراك
أما عن البديل الآخر المطروح لشغل ساحة التل منذ بداية الحديث عن المرأب، هو إنشاء قصر مؤتمرات بهبة تركية لإعادة إحياء السراي العثماني التي هُدمت في خمسينيات القرن الماضي، قال بخاش: «لم يناقش هذا المشروع مطلقاً، لا في لجنة الهندسة ولا في المجلس، رغم تقدمي بطلب رسمي لوضعه على جدول الأعمال أكثر من مرة، وقد تم تخطيه بحجة أنه موضوع جدلي تجنباً لخلق انقسام في المجلس وخارجه بين مؤيدي المشروع ورافضيه».
يعتمد مؤيدو مُقتَرَح إنشاء قصر المؤتمرات على قرارات المجلس البلدي السابق، التي تلازمت مع إقرار المرأب، وهي التمني على مجلس الإنماء والإعمار تعديل مشروع المرأب ليلحظ فوقه إنشاء السراي، وكذلك التمني على الحكومة التركية تبني الاقتراح. ورغم أن قرارات التمني لا تُعَدّ سوى موافقة مبدئية، لأن الموافقة التامة على أي مشروع تتطلب الاطلاع على الدراسات المتعلقة به وخرائطه وتفاصيله، والموافقة المبدئية تعتبر لاغية بإلغاء قرار الموافقة على المرأب والقرارات المتعلقة به، ما يستوجب إعادة طرحها على المجلس البلدي ليتخذ اللازم، فضلاً عن الحاجة إلى موافقات ومراسيم خاصة من مديرية التنظيم المدني ومديرية الآثار ومجلس الوزراء، نظراً إلى خصوصية الموقع وإنشاء أي مشروع فيه يخالف المخطط التوجيهي العام.
يعلّق رئيس البلدية على ذلك بأن «المشروع رهن بالأتراك. هناك مساع من الدكتور خالد تدمري ولكن لا شيء جدياً حتى الآن». كما تشير المصادر إلى أن المشروع لم يعد من أولوياتهم بعد التداعيات في الداخل التركي.
مصير أموال المرأب!
على جانب آخر، وفيما البلدية تسعى لاستخدام الاعتمادات المخصصة للمرأب في مشروع بديل، تردد أن الأموال أحيلت لتأهيل البنية التحتية في المنطقة الاقتصادية الخاصة. علماً أن أموال المرأب مقتطعة من المئة مليون دولار التي أُقرّت لتمويل تنفيذ بعض المشاريع الإنمائية في طرابلس بقانون خاص صدر عام 2012، ولم يعرف على وجه الدقة مصيرها، وصرفها على المنطقة الاقتصادية لا يصبّ بنفس الهدف الذي خُصِّصت لأجله، فلم توهب لها حصة طرابلس الإنمائية المتواضعة في الأصل، ومن قرر ذلك؟
نعمة: علينا الرفض المسبق لأي مشروع معزول
انقسمت أسباب اعتراض المجتمع المدني على مشروع المرأب إلى ثلاثة مستويات، كما يقول الخبير في التنمية أديب نعمة، وهي «الاعتراض على آلية اتخاذ القرار غير التشاركية، إذ أنها تمت داخل الغرف المغلقة، وانفرادية المشروع، إذ لم يكن ضمن تصور تنموي شامل، والمستوى الثالث كان متعلقاً بطبيعة المشروع نفسه. لذا يُعدّ وصف المرأب بأنه مشروع تنموي وصفاً زائفاً بالكامل، وينطبق هذا على أي مشروع مفرد وعلينا تسمية الأمور بأسمائها، فهذا كاراج وذاك مبنى، وعلينا الرفض المسبق لأي مشروع معزول». يضيف نعمة «إن أي مشروع يجب أن ينطلق من خطة تنموية مبنية على تصورات الناس وفق آلية حوار صحيحة ومرتبطة بصورة المدينة ووظيفتها وعلاقتها بالاقتصاد والاجتماع والثقافة الوطنية، ويجب أن يكون له أساس في المخطط التوجيهي الذي عملت عليه منذ سنوات مجموعة كبيرة من المختصين، ليكون له دور في وقف التآكل والتدهور الحضري من المناطق الفقيرة إلى باقي المدينة، وعكس هذا المسار انطلاقاً من التل باتجاه المدينة القديمة. إن أهم ما يجب البدء به هو تنظيم المدينة بمجملها، والاهتمام بساحاتها الفارغة والتي تشكل رئتها، وهذا هو الاستثمار الحقيقي فيها وعلينا زيادتها واستخدامها كمساحات لتفاعل الناس، ولذلك إلغاء مرأب التل واستبداله بمشروع آخر سواء كان قصر مؤتمرات أو غيره هو إلغاء للساحة. ثم إن اتخاذ القرار بشأن أي مشروع يجب ألا يكون مرتبطاً بجهة التمويل أياً كانت».
تجدر الاشارة إلى أن ستة عشر عضواً وصلوا إلى المجلس البلدي في الانتخابات على أجنحة حملة المرأب، رغم أن عدداً منهم لم يكن له علاقة من قريب أو بعيد بالحملة، وإنما تبنى التوجه ذاته، ولكن الجميع ينتظر منهم أكثر من قرار بوقفه، ينتظرون مشاريع تنموية تنطلق من خطة شاملة، واتخاذ إجراءات حاسمة للقضاء على الفساد والمحسوبية، ولكن الأمل يخبو يوماً بعد يوم، إذ أن البلدية بعد ثمانية أشهر من انطلاقها لا زالت تتخبط وغير قادرة على إعداد خطة تنموية إنقاذية للمدينة التي تتدهور أوضاعها يوماً بعد يوم، ولا هي قادرة على القيام بالأعمال الروتينية!