من البارحة باتت انتخابات 2017 في مهلة الايام الـ90 السابقة لنهاية ولاية البرلمان الحالي، يقتضي ابانها توجيه الدعوة الى الهيئات الناخبة، على ان تجري الانتخابات في الايام الـ60 السابقة لنهاية الولاية وهي تبدأ في 20 نيسان

كل يوم كان ينقضي منذ 20 شباط، امهل حكومة الرئيس سعد الحريري مزيداً من الوقت ــــ وإن هو يتناقص ــــ يحملها على توجيه الدعوة الى الهيئات الناخبة، وهي الصلاحية المنوطة بوزير الداخلية نهاد المشنوق، وفي الحسبان اجراء الانتخابات النيابية في مدة اقصاها 20 ايار، شهراً واحداً قبل انقضاء الولاية.

حينذاك، في جلسة مجلس الوزراء، رفض رئيس الجمهورية ميشال عون توقيع مرسوم توجيه الدعوة، وحض افرقاء الحكومة على التوافق على قانون جديد للانتخاب. لم يوقع الرئيس المرسوم في شباط، ولن يوقعه مجدداً في آذار، ويتصرّف على ان الفراغ في السلطة الاشتراعية وراءه وليس امامه. ليس هو المعني بتفاديه، بل الكتل النيابية الكبيرة التي ترفض التوافق على قانون جديد للانتخاب.
بتساقط ايام المهل، القانونية اولاً وهي 90 يوماً، ثم الدستورية وهي 60 يوماً تبعاً للمادة 42 من الدستور، يصبح اليوم الاخير من ولاية المجلس غير ذي اهمية، الا اذا اقبل فعلاً على الفراغ. اذ بات الجدل المستجد يدور من حول التساؤل الآتي: اي نوع من تمديد الولاية ينتظر مجلس النواب؟
اول الاجوبة تحدث عنه وزير الداخلية امس بجزمه بوقوع التمديد التقني، لكن وسط ضباب: تمديد تقني يتزامن مع اقرار قانون جديد للانتخاب فيُدرج في متن القانون، أم تمديد تقني يسبق اقرار القانون بحجة الفسح في المجال امام التفاهم عليه في الايام التالية بعدما ضاقت سبل المهل القانونية او انقضت، وفي ذلك تكرار للحجة التي رافقت تمديدي 2013 و2014؟

في كل مرة يؤتى على ذكر تمديد ولاية مجلس النواب، ترد عبارة «تمديد تقني» فحسب، بيد ان احداً لم يسعه حتى الآن تأكيد مدته. بينهم مَن يقول ثلاثة اشهر حتى ايلول، ومَن يقول اكثر تصل الى ستة اشهر. بينهم مَن يتحدث عن تمديد يطول الى سنة تمثل ربع ولاية مجلس النواب. يلتقي رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه برّي على ان لا تمديد تقنياً لا يقترن بوضع قانون جديد للانتخاب على نحو يمدد مهل توجيه الدعوة الى الهيئات الناخبة من الـ90 يوماً المنقضية الى 90 يوماً جديدة تبدأ في اليوم الاخير من ولاية المجلس. مع ذلك ليست ثمة اشارات ايجابية الى قرب التوافق على القانون الجديد، رغم استمرار اجتماعات التشاور بين الافرقاء الرئيسيين، ما خلا قولهم ان لا مناص من تمديد تقني يقتضي ان يؤول الى الحصيلة الآتية:
1 ــــ يتهيّب الافرقاء جميعاً بلا استثناء وقوع الفراغ في السلطة الاشتراعية منتصف ليل 19 حزيران، ما لم يكن انتخب مجلس نيابي جديد يخلف الحالي او إتفق على تمديد تقني ملازم لقانون جديد للانتخاب. لم يعد احد يتحدث، كالاسابيع الاخيرة، عن نصف فراغ، كأن تستمر هيئة مكتب المجلس بينما تنقطع الهيئة العامة عن الالتئام لفقدانها والنواب جميعاً الصفة القانونية. باتوا مقتنعين تماماً بهول كارثة تهبط عندئذ.
2 ــ بعدما سلّم الافرقاء، في الحكومة ومجلس النواب، بأن رئيس الجمهورية لن يوقع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الآن وغداً ما ان امتنع عن فعل ذلك ماضياً، لن يكون سهلاً عليهم بالتأكيد الذهاب الى تمديد ولاية المجلس على انه هدف في ذاته، في معزل عن التوافق على قانون جديد. عائقان رئيسيان يحولان دون مجازفة الغالبية النيابية باقرار قانون تمديد الولاية: اولهما من داخل البرلمان هو الموقف المتكرر لرئيسه برفضه الخوض في تمديد خارج سياقه الموقت الملازم لوضع قانون جديد، وثانيهما رئيس الجمهورية الذي يملك صلاحيتين دستوريتين احداهما تكمل الاخرى، لمنع اضفاء شرعية دستورية على قانون تمديد منفصل عن قانون جديد للانتخاب: احداهما المادة 57 التي تنيط به اعادة القانون الى مجلس النواب لاعادة النظر فيه حتى اذا اصرّ الاخير عليه حتّم التصويت ثانية لكن بغالبية النصف+1، غالبية كهذه يصبح من الصعوبة بمكان توفيرها على ان الوصول اليها تحد مباشر لرئيس الجمهورية والدخول في اشتباك معه. اما الصلاحية الثانية فهي المادة 19 اذ تمنح الرئيس حق الطعن في دستورية القانون. وما دام طعن في قانون تمديد ولاية المجلس عام 2014 كنائب، لن يتردد فيه كرئيس للدولة.
3 ــــ حري ان المجلس الدستوري في ضوء المبادىء التي ادرجها في قراره رقم 7/2014 في 28 تشرين الثاني 2014، اعادة تأكيد ما ادلى به، وهو دورية الانتخابات النيابية على انها مبدأ دستوري لا يجوز مسه، وقد وجد في ربط اجراء الانتخابات النيابية بالاتفاق على قانون جديد للانتخاب عملاً مخالفاً للدستور، منادياً ــــ حينذاك بعد تمديد سنتين وسبعة اشهر عام 2014 ــــ باجراء الانتخابات النيابية فور انتهاء الظروف الاستثنائية وعدم انتظار انتهاء الولاية الممددة. ومع ان الظروف الاستثنائية تلك كانت انقضت مع صدور قرار المجلس الدستوري، لم يصر الى اجراء انتخابات نيابية عامة، فأكمل مجلس النواب الى الآن ولاية السنتين وسبعة اشهر بذريعة الشغور الرئاسي. مع ذلك، خلافاً لقرار المجلس الدستوري ايضاً، يعاد ربط اجراء الانتخابات بوضع قانون جديد للانتخاب، تارة بذريعة رفض القانون النافذ، وطوراً بذريعة تفادي الفراغ الشامل في السلطة الاشتراعية، ما يؤول الى ما هو ابعد من قرار المجلس الدستوري: الذهاب مجدداً الى تمديد الولاية من جراء تعذر التوافق على قانون جديد للانتخاب.
على ان ما ادلى به امس الوزير المشنوق بعد اجتماعه برئيس الجمهورية، من ان لا انتخابات نيابية بلا قانون جديد للانتخاب ــــ وهو موقف يعكس ربما وجهة نظر الحكم ــــ يقف على طرف نقيض من القرار نفسه للمجلس الدستوري، حينما فصل بين اجراء الانتخابات وبين التفاهم على قانون جديد للانتخاب من جهة، وحينما اكد دورية انتخابات لا تنتظر بالضرورة الاتفاق على قانون جديد بل تذهب وفق مهلها القانونية والدستورية الى القانون النافذ من جهة اخرى.
لا قانون انتخاب جديداً يعني ايضاً لا انتخابات نيابية.

المصدر: نقولا ناصيف - الأخبار