يرفض المضاربون على أسعار العقارات فرض أي ضريبة على أرباحهم. هؤلاء يُمعنون في حرمان المواطن من حقّه في السكن، ولا يكتفون بذلك، بل يحصلون على دعم مباشر من المال العام عبر تحفيز القروض لشراء المساكن

لا يحتاج المرء إلى القيام بدراسات معمّقة لأخذ صورة واضحة عن وضع سوق العقارات، فجولة ميدانيّة كفيلة بإيضاح هذه الصورة، وخصوصاً أن ورش البناء شغّالة باستمرار، بعدما حوّل المطوّرون العقاريون الإنتاج من الوحدات الكبيرة إلى وحدات صغيرة ومتوسطة، ليناسب العرض الطلب في السوق المحليّة، وهو طلب مرشّح للارتفاع مع بدء تطبيق قانون الإيجارات الجديد.

الواقع الميداني تثبته الأرقام أيضاً، إذ إن القروض السكنيّة نمت بنسبة 6% في عام 2016، ففي دراسة نشرها مركز الدراسات في "بنك لبنان والمهجر" عن الربع الثالث من هذا العام، يتبيّن أن القروض السكنيّة بلغت نحو 11.54 مليار دولار أميركي، بالمقارنة مع نحو 10.7 مليارات في عام 2015، أي أنها ارتفعت مليار دولار تقريباً.
المطوّرون العقاريون يموّهون هذا الواقع لتبرير اعتراضهم على فرض ضرائب على أرباحهم الفاحشة، إذ إن هذه الأرباح معفية تماماً من أي عبء ضريبي، ما يساهم في زيادة التشوهات الاجتماعية والاقتصادية.
يشير رئيس جمعيّة تجّار البناء إيلي صوما إلى "وجود ظروف استثنائيّة تحول دون الاستثمار في هذا القطاع أو التهافت على شراء الشقق"، مشيراً إلى "انخفاض البناء سنوياً من 24 ألف شقة إلى 15 ألف شقة يباع منها نحو 9 آلاف عبر القروض المدعومة من مصرف لبنان، وعدد آخر، غير محدّد، نقداً". فيما يصرّ المدير العام لشركة "رامكو" العقاريّة رجا مكارم على نظريّة "الركود المزعوم" منذ عام 2010، ويردّ مكارم ذلك إلى عوامل عدّة؛ منها "خروج المستثمر الخليجي من لبنان، وتراجع أسعار النفط التي أثّرت على استثمارات المغتربين والتي كانت تستحوذ على 40% من الاستثمارات العقاريّة، فأصبح القطاع قائماً بنسبة 90% على تهافت المقيمين من ذوي الدخل المحدود على شراء الشقق والعقارات"، مشيراً إلى تكدّس نحو 4 آلاف وحدة سكنيّة كبيرة في بيروت الإداريّة وحدها من أصل 7 آلاف وحدة قيد الإنشاء خلال أربع سنوات". فيما يقدّر صوما عدد الشقق الشاغرة بنحو "25 ألف شقّة، 1500 منها موجودة في بيروت الإداريّة، ويبلغ متوسط عمر الكتلة الأكبر منها، وتحديداً في بيروت، نحو 4 سنوات". ويضيف صوما: "هل يجوز فرض ضرائب على الشقق والأرباح، فيما البيع قليل؟".

"بروباغندا الركود" و"البيع القليل" التي يروّج لها المستثمرون في قطاع العقارات، تدحضها الأرقام نفسها، إذ بلغت أثمان عقود البيع المسجّلة في الدوائر العقاريّة نحو 12.6 ألف مليار ليرة في عام 2016 (8.5 مليارات دولار)، وهو رقم مرشّح للارتفاع كونه لا يشمل البيع على الخريطة ولا العقود بموجب وكالات بيع التي لا يجري تسجيلها فوراً، والمقدّرة بنحو 2.5 مليار دولار أميركي، ليصل مجموع البيوعات العقاريّة إلى نحو 11 مليار دولار في عام 2016، تشكّل الأرباح نصفها، على الأقل، أي نحو 5.5 مليارات دولار. وهو رقم ثابت منذ خمس سنوات، إذ بلغت نحو 8 مليارات دولار في عام 2015، و9 مليارات في عام 2014، و8.8 مليارات في عام 2013، و8.9 مليارات دولار في عام 2012، و8.8 مليارات في عام 2011 و9.3 مليارات دولار في عام 2010 (تاريخ ذروة الفورة العقاريّة). وهي بيوعات بأحجام هائلة متفلتة منذ أعوام من أي ضريبة على الأرباح، فيما يجري استيفاء رسوم تسجيل من المشترين وضرائب الأملاك المبنية من الشقق المأهولة وتُعفى منها الشقق الشاغرة التي تجري المضاربات على أسعارها.
التهرّب من دفع الضريبة على الشقق الشاغرة يشكّل جزءاً من أزمة ارتفاع الأسعار، لما توفّره من قدرة على تحفيز المضاربة العقاريّة بدلاً من بيعها بأسعار أقل، إذ يُعدُّ فرض الضرائب على هذه الشقق غير المُستثمرة من الحلول القادرة على إحياء هذا القطاع وجزء من حلّ أزمة السكن، أولاً لأنها ستدفع الأسعار إلى الانخفاض تلقائياً وتحدّ من المضاربة العقاريّة، باعتبار أن المالك سيفضّل بيع أو تأجير شقّته بسعر أقل لتفادي دفع الضرائب، وثانياً لانسجامها مع حقّ السكن كونها تسمح لأصحاب الدخل المحدود والمتوسط بالتملّك أو الاستئجار بأسعار أقل.

المصدر: فيفيان عقيقي - الأخبار