فيما تستمرّ سياسة "مصرف لبنان" في تقديم الدعم للمصارف التجاريّة عبر هندسات ماليّة خاصّة، وتأمين الدعم للمضاربين العقاريين عبر تحفيز عمليّات اقتراض الأسر بما يحافظ على أرباحهم، كان قطاع الصناعة الذي يشكّل 10% من الدخل القومي، يعاني تراجعاً، إذ هبط حجم الأعمال في هذا القطاع بين عامي 2012 و2015 بقيمة 1.8 مليار دولار أميركي، وتراجع من 10.5 مليارات دولار في عام 2012 إلى 8.8 مليارات دولار في عام 2015. وأقفلت نحو 388 مؤسّسة من أصل 2365 توظّف نحو 78 ألف عامل.
هذا ما تؤكّده المؤشّرات الصناعيّة الصادرة عن جمعيّة الصناعيين اللبنانيين عن الفترة الممتدة بين عامي 2011 و2015، والتي تمّ إنجازها بالتعاون مع وزارة المال ومساهمة البنك اللبناني الفرنسي وشركة إنفدكو، وأعلن عنها أمس في مؤتمر عقد لهذه الغاية. قد لا تكون هذه الأرقام مُفاجئة نظراً إلى التدمير المنهجي الذي تعانيه الصناعة اللبنانيّة في مقابل تعزيز النشاطات الريعيّة في الاقتصاد اللبناني.
تراجع بنسبة 4.4%
في خلاصة الدراسة التي أعدّتها جمعيّة الصناعيين، بلغ عدد المؤسّسات الصناعيّة في عام 2015 نحو 1977، مسجّلة تراجعاً بنسبة 4.4% في الفترة الممتدة بين الأعوام 2011 و2015، بعدما بلغ عدد هذه المؤسّسات في عام 2011 نحو 2365 مصنعاً، أي بخسارة 388 مؤسّسة. وتتوزّع هذه المؤسّسات راهناً على 13 نشاطاً، استحوذت الصناعات الغذائيّة على الحصّة الأكبر منها بنحو 373 مصنعاً، علماً بأن هذه المصانع تضمّ النسبة الأكبر من اليد العاملة الصناعيّة بنسبة 33%، تليها الصناعات الكيميائيّة والبلاستيك بنحو 272 مصنعاً، ومن ثم صناعة الورق والكرتون بنحو 224 مصنعاً. إلى ذلك، تأثرت بهذا الهبوط، في شكله الأكبر، مؤسّسات الصناعات الغذائيّة والمعدنيّة والبلاستيكيّة بنسبة 56%، بحيث سجّلت المؤسّسات البلاستيكيّة تراجعاً بنسبة 4.6%، تليها مؤسّسات الصناعات الغذائيّة بنسبة 5.3%، ومن ثم مؤسّسات الصناعات المعدنيّة بنسبة 6.8%.
انعكس ذلك أيضاً على حجم أعمال هذه المؤسّسات الذي انخفص بمعدّل نمو سنوي مركّب بلغ 1%، إذ شهدت الشركات التي يزيد حجم أعمالها على مليون دولار تراجعاً بنسبة 7.8%، فيما سجّلت الشركات التي يتراوح حجم أعمالها بين 5 ملايين و20 مليوناً بنسبة 6.3%، وهي الخسارة الأكبر نسبة إلى الحجم، فيما تراجع عدد المؤسّسات التي يتراوح حجم أعمالها بين صفر دولار ومليون دولار، بنحو 170 مؤسّسة، علماً بأنها تشكّل نسبة 62% من المؤسّسات الصناعيّة. وأن 83% من حجم الأعمال في عام 2015 نتجت من المبيعات المحليّة. ويعود السبب في تراجع المؤسّسات الصناعيّة التي يتراوح حجم أعمالها بين صفر دولار ومليون دولار، وبين مليون دولار و5 ملايين دولار إلى انخفاض عدد مؤسّسات الصناعات الغذائيّة، إذ خسرت الفئة الأولى 138 مصنعاً والفئة الثانية نحو 221 مصنعاً. في المقابل، سجّلت المؤسّسات البلاستيكيّة الانخفاض الأكبر بين المؤسّسات التي يتراوح حجم أعمالها بين 5 ملايين و20 مليون دولار، أمّا المؤسّسات المعدنيّة فقد سجّلت الخسارة الأكبر بين المؤسّسات التي يزيد حجم أعمالها على 20 مليون دولار.
لدعم القطاع الصناعي
تُعدُّ هذه القاعدة البيانيّة بمثابة معطيات أوليّة تتيح الفرصة أمام الدولة اللبنانيّة لرسم سياسة صناعيّة وواقعيّة، بحسب رئيس جمعيّة الصناعيين فادي الجميل، الذي طالب بدعم هذا القطاع أسوة بقطاعات أخرى، مشيراً إلى أن "ما تقدّم يجب أن يتحوّل إلى حجج وإثباتات للضغط على السلطة السياسيّة، للاستجابة لمطالب القطاع ووضعه في صلب أولوياتها، والنهوض به عبر اتباع سياسة الحماية والتحفيز، وتنفيذ خطّة إنقاذيّة للصادرات الصناعيّة"، كون الميزان التجاري مختلاً، إذ يصل حجم الصناعة اللبنانيّة إلى 8.8 مليارات، فيما نستورد أكثر من 17 ملياراً. في المقابل، شدّد المدير العام لوزارة المال آلان بيفاني على ضرورة دعم القطاعات الإنتاجيّة، وتحديداً القطاع الصناعي لما يؤمّنه من فرص عمل وقيمة مُضافة للاقتصاد، مشيراً إلى أن "إعادة تموضع الاقتصادات العالميّة (الصين وأميركا) وانحدار أسعار النفط، لها انعكاساتها على لبنان، وعلى تراجع التدفقات الماليّة وفرص العمل، ما يستوجب خلق فرص عمل محليّة أقله 30 ألف فرصة (بدلاً من 5 آلاف تتوفّر سنوياً)، ورفع مستوى الإنتاجيّة باعتباره ضرورة لإنعاش الاقتصاد لا خياراً".