بين النظرية والتطبيق فارق كبير. الدولة اللبنانية التي تُحاول استيراد التجربة النروجية وإسقاطها على حقل النفط والغاز المزمع استخراجهما، تبدو أشبه بمن يقيم عرس ألف ليلة وليلة فوق مطمر نفايات
مطلع الشهر الجاري، غادر وفد نيابي موسّع من مختلف الكتل إلى النروج، تلبية لدعوة الحكومة النروجية، بهدف الاطلاع على التجربة المتقدمة في حقل النفط والغاز. الدولة اللبنانية تقول إنها اتجهت نحو النموذج النروجي الذي يأخذ في الاعتبار التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة من النفط في خلال صياغة القانون الذي صدر عام 2012.
غير أنَّ الشرح الذي قدّمه النروجيون إلى الوفد اللبناني بيّن أن الدولة، من باب الجهل أو التراخي، استوحت شيئاً وغابت عنها أشياء. وهذه الأشياء هي ما يعتبره النروجيون حسب ما ظهر في شرحهم للنواب من ركائز القانون، وتتعلّق بالصندوق السيادي، النظام الضريبي وعملية المناقصات. والأهم الدرجة العالية من الشفافية، بحيث يعود الإشراف على النفط إلى البرلمان، وليس الحكومة.
صحيح أنَّ الجولة النيابية كان هدفها تقنياً وتشريعياً بحتاً، وغابت عنها الأحاديث السياسية والنزاعات والتحديات الإقليمية. غير أنَّ من أهم النصائح التي سمعها الوفد اللبناني، وجاءت أقرب إلى الرسائل المموهة، يمكن فهمها كالآتي: على أرض الواقع، الدخول إلى المعترك النفطي ليس كتغيير «مصباح» سيارة. كذلك إنَّ المنتج المعروض ليس «زيت زيتون» سيقف الناس لشرائه بالطوابير. والأهم أنَّ تحقيق الاستفادة من هذه الثروة لن يتحقق قبل 10 سنوات على الأقل، لبلد لا يملك أي خبرة نفطية، ما يفتح المجال أمام الشركات العالمية والدول لاستغلال ثروته. النروجيون أنفسهم اعترفوا بأنَّ «الأميركيين والإنكليز كمّوا أفواهنا بداية، وتحكموا هم بإدارة الملف، قبل أن نصبح أكثر خبرة به».
«هي ليست أكثر من زيارة للتعريف بالنموذج النروجي لإدارة النفط» تقول مصادر الوفد. خصوصاً أنَّ هناك «برنامج تفاهم بين الدولتين حول المساعدة في مجال التنقيب عن النفط، التشريع، الرقابة وإدارة الأموال الناتجة من النفط والغاز». تخلّلت الزيارة لقاءات مع وزارة الخارجية والبرلمان النروجي ووزارت النفط والطاقة والبيئة والمال، بالإضافة إلى زيارة لمدينة ستافانغر، مركز الثقل في الصناعة النفطية النروجية.
من الناحية الشكلية، قدّم النروجيون نموذجهم من باب النصيحة، «وحين كنّا نطرح الأسئلة عليهم، كانوا يجيبون: نحن نفضّل ذلك، لكن أنتم افعلوا ما ترونه مناسباً» بحسب المصادر.
وفي نظرة سريعة على خلاصة الزيارة، يتبيّن أنَّ الفارق بين اللبنانيين والنروجيين جوهري. أهم ما فيه أنَّ «البرلمان النروجي يُعد مرجعية الملف النفطي، لا الحكومة»، بخلاف ما أقرّ في لبنان. ويرى النروجيون أنَّ مرجعية المجلس النيابي تؤمن رقابة وشفافية حقيقية، وإن كانت الهيئة الناظمة تابعة لوزارة الطاقة، يبقى الإشراف من ضمن مهمات البرلمان. فالمراقب العام يتبع للمجلس وليس للحكومة.
ومن أهم الفوارق التي تحدثت عنها المصادر، هو ما لم يُتَّفَق عليه في لبنان. أولها، الصندوق السيادي الذي ستدخل إليه عائدات النفط. فصلت النروج هذا الصندوق عن ميزانية الدولة لعدة أسباب، أهمها عدم تأثر العملة ولا الميزانية بحسب تقلّب أسعار النفط في العالم، كما حصل في المملكة العربية السعودية. وقد استطاعت من خلاله في السنوات الأولى تسديد كل الدين الخارجي. أما في لبنان، فهناك اقتراحات بتخصيص 50 في المئة من عائدات النفط للميزانية، ومن غير المعروف كيف ستصرف عائداته.
ماذا عن الشركة الوطنية؟ كان ذلك واحداً من الأسئلة التي طرحها الوفد اللبناني. في النروج شركة وطنية اسمها «ستات أويل» تبلغ قيمتها أكثر من 57 مليار دولار، وتملك الدولة ثلثي أسهمها. لكن أي شركة بحسب النروجيين «ليست مهمة ما لم يتجاوز دورها النفط والغاز الموجود في البلاد، وبالتالي لا داعي لوجودها إذا لم تدرّ على الدولة الأموال من العمل النفطي خارج البلاد، كما هي حال شركة توتال في فرنسا مثلاً».
منذ أشهر، أقرت الحكومة اللبنانية مرسومين يتعلقان بإطلاق عملية تلزيم التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما من المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر. منذ ذلك الحين، بدأت التحليلات عن الوجهة التي سيسلكها الغاز والنفط. لكن مصادر الوفد، وبناءً على المعلومات التي تناهت إلى مسامعه في خلال الزيارة، باتت ترى أن «الأمور ليست بهذه السهولة». النروج دخلت نادي النفط والغاز لأنَّ وقودها الأحفوري مثّل «حاجة للاتحاد الأوروبي، ونظراً إلى موقعها الجيو ــ سياسي». وهي تصدّر إلى أوروبا «25 في المئة من حاجة دولها للنفط والغاز». لكن الوضع في لبنان مختلف. وواقع الأمور أقرب إلى النموذج القبرصي والإسرائيلي، حيث تجد الدولتان صعوبة في تسييل الغاز والنفط وتصديرهما، نظراً إلى كلفته العالية.
من المفترض أن يزور لبنان في الأسابيع المقبلة وفد نيابي نروجي لاستكمال برنامج التعاون، خصوصاً أنَّ الشركة الوطنية النروجية واحدة من الشركات التي أبدت اهتمامها بالدخول إلى سوق النفط اللبناني. وتعقد القوات اللبنانية الخميس المقبل مؤتمراً بعنوان (النفط والغاز في لبنان ــ خريطة الطريق والشفافية)، ومن المتوقع أن يُعرَض النموذج النروجي، خصوصاً أنَّ النائب القواتي جوزف المعلوف كان في عداد الوفد النيابي.
بوخليل: لن نخضع لضغط إسرائيل
بعد محاولة العدو الإسرائيلي التشويش على مسار التنقيب عن النفط في «بلوكَين» من أصل ثلاثة «بلوكات» بحرية على الحدود الجنوبية، أكّد وزير الطاقة سيزار بوخليل أنه لا يشعر بأي ضغط، ولبنان ماضٍ في دورة التراخيص لتلزيم عملية التنقيب عن الغاز والنفط في المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة. وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد ذكرت أنَّ حكومة العدو طلبت من الأمم المتحدة ومن الولايات المتحدة الضغط على لبنان لمنعه من استخراج النفط والغاز من منطقة يزعم العدو أنها جزء من المنطقة الاقتصادية الفلسطينية. وتبيّن أن بعثة العدو في الأمم المتحدة سلّمت مكتب الأمين العام للأمم المتحدة رسالة في الثاني من شباط الماضي، تعبّر فيها عن القلق من نية لبنان التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الحدودية التي يزعم العدو أنها خاضعة له. في المقابل، قال بوخليل إنَّ «لبنان متمسّك بكل إنش مربّع من حدودنا البحرية، ونحن لا نخضع للضغط». ورأى أنَّ العدو «يشعر بالضغط لأنهم أرجأوا دورة التراخيص من شهر آذار الجاري إلى تموز المقبل».