«إنت فصّل ونحن منلبس». لا ينطبق هذا المثل على أحد كما على حزب القوات اللبنانية. لم تكد تتشكل الحكومة الجديدة وتقترب الانتخابات النيابية حتى تأبّط وزراء القوات ونوابها ومسؤولوها طروحات وأفكار ومشاريع غيرهم، وخرجوا مزهوّين يستعرضون «إنجازاتهم» الوهمية، معوّلين على ضعف ذاكرة اللبناني، ولامبالاة أصحاب المشاريع المسروقة، و... بعض «الجرأة التي اكتسبوها من أيام الحرب»
لم يكد وفد وزارة التنمية الإدارية الذي يمثل الوزيرة عناية عز الدين يصل إلى دبي ــ منتصف شباط الماضي ــ للمشاركة في «القمة العالمية للحكومات»، حتى باغتها وزير الصحة القواتي غسان حاصباني الذي سبقه إلى الإمارة الخليجية، منغمساً في الحديث عن وضعه مشروع «الحكومة الإلكترونية» على رأس سلّم أولوياته.
قبلها، وفور تسلمه مهماته في وزارة الصحة، كان حاصباني يتنقل من وسيلة إعلامية الى أخرى مغتبطاً بالمشروع الذي أعده والذي ستقدّمه القوات اللبنانية كاقتراح قانون الى مجلس النواب في أول جلسة تشريعية من أجل اقراره؛ والمشروع ليس إلا مشروع الحكومة الإلكترونية الذي أقرته حكومة الرئيس رفيق الحريري عام 2002، لينفذ ضمن مهلة أقصاها سبع سنوات. إلا أن تنفيذه تأخّر الى 2011 عندما وضعه الوزير محمد فنيش على سكة العمل عبر تلزيم المرحلة الأولى لشركة إيطالية، وهو ما تستكمل مراحله اليوم الوزيرة عز الدين.
ويبدو أن الوزير القواتي «يستحلي» ثياب الآخرين فيلبسها، إذ في الحديث الصحافي نفسه أعلن عن سعيه الى إدخال «الباركود» على نظام الدواء، ما يسهل عمل المراقبة؛ وهو المشروع نفسه الذي كان قد أعلن وزير الصحة السابق وائل أبو فاعور عن تنفيذه عام 2016.
ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، فحاصباني «ينضح» بالمشاريع كيفما تحرك. فما كاد يصل الى بيروت حتى نظم احتفالاً كبيراً في 19 شباط الماضي لإطلاق خدمة الشباك الموحد بهدف «التخفيف من المعاناة اليومية للمواطنين داخل أروقة الوزارة». يومها، وصف «الإنجاز» بـ«الخطوة الأولى لتطبيق تبسيط الإجراءات في الدولة اللبنانية في عهد الحكومة الجديدة»، معوّلاً على ضعف ذاكرة اللبنانيين ونسيانهم افتتاح أبو فاعور خدمة الشباك الموحد في 21 كانون الثاني 2016 وإعلانه أن وزارته هي الأولى في تطبيق هذه التقنية. غير أن حاصباني عمد الى فرنجة الاسم «one stop shop» فربما يخوّله ذلك الحصول على براءة اختراع أخرى باسمه.
أرنب حاصباني الرابع كان «خصخصة الكهرباء». وهو لم يرض بالمرور على المشروع مرور الكرام، وآثر ملء الدنيا وشغل الناس والغوص في تفاصيل عدد الميغاوات. لبّاه حزبه سريعاً بزرع اللافتات المعلنة تأمين الكهرباء 24/24 عبر هذا المشروع، وعقد رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع مؤتمراً خاصاً لشرح فوائد «مشروعهم». فعلياً، يسجل للقوات جرأتها اللافتة في «اقتناص» المشاريع على مرأى من أصحابها من دون خجل. فموضوع إشراك القطاع الخاص هو في الأصل مشروع الوزير جبران باسيل حين تولى وزارة الطاقة وأقر في حكومة الحريري الأولى. رغم ذلك، طلب حاصباني من الحريري أمام كل الوزراء إدراج خصخصة الكهرباء في جلسة الموازنة، فتدخل وزير الطاقة سيزار أبي خليل أخيراً مذكراً بأنه نفسه كان طالب في الجلسة الثانية للحكومة بعقد جلسة خاصة لشرح تطورات خطة الكهرباء المرحلية واتخاذ خطوات سريعة بهذا الشأن. يومها، وعد الحريري أبي خليل بعقد جلسة خاصة لهذا الأمر، وما هي إلا دقائق حتى خرج القواتيون ليعلنوا أن رئيس الحكومة طلب من وزير الطاقة تحضير ملف الكهرباء وعرضه على المجلس نتيجة طلب وزراء القوات!
مجدداً، قد يظن البعض أن ما سبق آخر المطاف ولا يمكن أن يكون هناك المزيد. ولكن صدّق أو لا تصدق ما حصل في المؤتمر التنموي الذي عقدته القوات في كسروان، بتاريخ 2 اذار، والذي أعلن فيه القيادي شوقي الدكاش طرح «القوات» مواضيع إنمائية عدة. أما أهمها، فهو أوتوستراد جونية: «نعمل على توسيع الأوتوستراد وإنشاء مخارج سليمة (...)». أغفل الدكاش أن مشروع أوتوستراد جونية موجود في وزارة الأشغال منذ الثمانينيات، ومسألة توسيعه من «اختراع» مجلس الإنماء والإعمار الذي أمّن له قرضاً بقيمة 80 مليون يورو من الاتحاد الاوروبي، شرط دفع لبنان كلفة الاستملاكات، قبل أن يتبين أن الاستملاكات المحجوزة بقيمة 34 مليون دولار أغفلت المباني والمؤسسات المحاذية التي ترفع القيمة الى 120 مليون دولار. فضلاً عن اعتزام تنفيذ الطريق في مكان السكة الحديد القديمة التي تتقاطع مع 18 طريقاً داخلياً وتقع على ضفتيه 5 مدارس كبيرة تضم نحو 7000 طالب. وبالتالي من المستحيل عملياً تنفيذه نتيجة المشكلات التي يسببها.
يبدو انها استراتيجية «القوات»، تقوم على «استعارة» المشاريع وتبنيها وعقد المؤتمرات للإعلان عنها من جديد. وفي إطار «النفضة التنموية» التي تنفذها القوات في بيروت، أطلّ عماد واكيم ــ وهو مرشح الحزب عن المقعد الأرثوذكسي في دائرة بيروت الاولى ــ في اتصال مع اذاعة «لبنان الحر» بتاريخ 3 آذار، ليتحدّث عن الأرض المستملكة لتنفيذ موقف سيارات في الأشرفية، وعن ضرورة بت مشروع طريق فؤاد بطرس، رغم أنه لا ناقة له ولا جمل في المشروعين اللذين أعدتهما بلدية بيروت. وفي الأصل، لا أرض باركينغ الأشرفية الذي استملكته البلدية نتيجة مقايضة بالأراضي، ولا طريق فؤاد بطرس الذي يفترض أن يمتد من مار متر إلى شركة الكهرباء، مروراً بالمنطقة الملاصقة لمدرسة الحكمة ونزولاً إلى مار مخايل، يجديان نفعاً لأهالي الأشرفية. إشارة هنا الى أن مشروع الطريق طرح في عام 2013 وتم تجميده بعد ضغوط مارسها المجتمع المدني والأهالي وأعيد طرحه لاحقاً ليجمّد مرة أخرى نتيجة إضراره بالآثار والبيئة والسلامة العامة. لا يتوقف الأمر هنا، في جعبة واكيم المزيد. يكمل: «هناك مشاريع عدة مطروحة كالمحرقة وتوليد الطاقة، ونحن سنتابعها مع الخبراء والجمعيات الأهلية»!
طبعاً، لا داعي للذكر هنا أن المحرقة هي مشروع بلدية بيروت بالتنسيق مع وزير الداخلية نهاد المشنوق، المتعارضة أساساً مع «رؤية القوات» الرافضة للمحارق، فضلاً عن الأضرار البيئية والتلوث التي تتسبب بها. ولكن للأمانة، يسجل لواكيم قوله في الختام إن «بلدية بيروت ستمول هذه المشاريع» وينبغي تالياً شكره على هذه الواقعة وسؤاله عما يحول دون وضعه وقواتيي الأشرفية مشاريع إنمائية خاصة بهم عوضاً عن استعارة مشاريع الآخرين غير الإنمائية أصلاً. إشارة هنا الى أنه لا واكيم ولا ممثلي القوات في بلدية بيروت تقدموا في السنوات الأخيرة بأي مشروع إنمائي للعاصمة. فيما فاجأ عضو القوات في المجلس البلدي الحالي، إيلي يحشوشي، زملاءه أخيراً بطرح مشروع، ليتبين أن الأخير يريد للبلدية أن تموّل إنشاء ملعب مؤقت في الـ«فوروم دو بيروت»، بقيمة مليون دولار. لماذا؟ لأن رئيس اتحاد كرة السلة بيار كاخيا الذي يصدف أن يكون مسؤول الرياضة في القوات يريد إجراء دورة كأس آسيا هناك. ونتيجة رفض البلدية لطلبه، إذ يمكن إجراؤها في أي ملعب والاستفادة من المليون دولار في مشروع دائم لا في ملعب مؤقت سيزال بعد أسبوعين، تقرر إجراؤها في مجمع نهاد نوفل.
«الأخبار» اتصلت بالقيادي القواتي إدي أبي اللمع للوقوف عند رأيه حول المشاريع التي ينسبها القواتيون لأنفسهم، فأوضح أن المقصود من ذلك أن «القوات وضعت هذه المشاريع على سكة العمل عبر ضغط وزرائها ونوابها ومسؤوليها على المعنيين لتحريك الأمور وبتها». وعن مشروعه الخاص في المتن الشمالي، يقول الأخير إن القوات قدمت طرحاً في ما خص جبل النفايات في برج حمود يعتمد على التفكك الحراري بشكل رئيسي وإنشاء معامل على مساحة الساحل ما بين سد البوشرية وبرج حمود. وقد «نسقنا في هذا الصدد مع القطاع الخاص الذي أعلن استعداده لتمويل المشروع بحيث نرى أن هذا هو الحل البيئي الأفضل للنفايات».
في موازاة ما سبق، «نهفة» قواتية أخرى تعتبر مشاريع البلدية التي يحل على رأس مجلسها قواتيّ أو مقرّب من القوات مشاريع إنمائية خاصة بالحزب. فخلال المؤتمر التنموي الذي عقدته القوات في الكورة يوم السبت 25 شباط الماضي، أفرد النائب فادي كرم أصابعه ليعدد المشاريع الإنمائية التي نفذت في المنطقة خلال السنوات الأخيرة بجهده وجهد حلفائه نواب المنطقة: 1ــ حديقة عامة في كوسبا، علماً بأن الحديقة أنشأتها البلدية عبر برنامج مساعدة من الـ»يو اس ايد». 2ــ معمل فرز للنفايات في بشمزين، هو مشروع البلدية في الأساس التي يفترض أن يكون هذا الإنجاز من بديهيات عملها، وبالتالي لا منّة لها على السكان في شيء. 3ــ دعم بعض الجوامع والكنائس والمؤسسات لتزويدها بالمستلزمات الضرورية، علماً بأن الدعم يدخل ضمن إطار انتخابي حزبي سيترجم في صناديق الاقتراع ولا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال مشروعاً تنموياً. وبالطبع، كان لا بدّ لنائب الكورة «النشيط» من أن يعدّد ما يحلم القوات ونواب الكورة الحاليون بإنجازه: مركز رعاية صحية في الكورة، إنشاء مستشفى حكومي بالتنسيق مع بلدية دار بعشتار التي أخذت قراراً بلديّاً بهذا الأمر، استقدام فروع لكليّات للجامعة اللبنانية، استقدام مستوصف لقوى الأمن إلى الكورة... طبعاً، تبقى هذه المشاريع كلاماً شعبوياً بانتظار تنفيذها الفعلي. ومن يدري، ربما يتضح في الأشهر القليلة المقبلة أن المشاريع الآنفة الذكر فصّلتها أيضاً قوى سياسية وبلديات ووزراء، فتَزيَّن بها حزب القوات وحوّلها الى مشاريع خاصة به يستعرضها على الملء من دون أن يرف له جفن.