أصرّ رئيس الجمهورية ميشال عون على أن يكون استئجار بواخر الكهرباء من ضمن الأصول القانونية للتلزيمات العامة، ما فرض أجندة مختلفة على «ورقة» وزير الطاقة سيزار أبي خليل، التي تضمنت تسويقاً لعرض شركة «كارادينيز» الرامي إلى تأجير لبنان باخرتي توليد كهرباء إضافيتين بكلفة 850 مليون دولار. بعد موقف عون ومداولات الوزراء حول التمويل والخصخصة والتعرفة، وافق مجلس الوزراء على ورقة أبي خليل، باعتبارها «توجهات عامة»، إلا أنه اشترط ان يعود وزير الطاقة إليه في كل بند من بنودها لإقراره على حدة في حينه

ما سُمّي «الخطة الإنقاذية لقطاع الكهرباء: صيف 2017»، كما تبيّن في جلسة مجلس الوزراء، التي عقدت أمس برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، لم يكن سوى محاولة لتسويق اتفاقات بالتراضي مع شركة «كارادينيز» لاستئجار باخرتين بكلفة 850 مليون دولار تُغطّى من خلال رفع تعرفة مبيع الكهرباء، ومع تحالف شركتي «غروث» و«تسلا» لتلزيمهما إنشاء معامل توليد كهرباء بواسطة الطاقة الشمسية... هذه المحاولة كانت واضحة للعيان، ما دفع الرئيس عون إلى لملمة الموضوع بإصراره على أن يكون التلزيم وفق الأصول القانونية وليس من خلال اتفاقات بالتراضي.

لكن المشكلة التي برزت أن بعض الوزراء الذين اتصلت بهم «الأخبار» تحدثوا عن قرار المجلس بالتلزيم استناداً إلى دفتر شروط تلزيم البواخر السابقة ووفق آلية المناقصة العمومية، فيما قال وزراء آخرون إن القرار صدر بأن يكون التلزيم بواسطة «استدراج عروض محصور». الأغرب من سوء الفهم للفرق بين المناقصة العمومية واستدراج العروض المحصور، أن يتضمن تصريح وزير الإعلام ملحم رياشي بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء الآتي: «الموافقة على اقتراح وزير الطاقة وتم تكليفه باتخاذ الإجراءات اللازمة واستدراج العروض وإجراء المناقصات».
على أي حال، إن هذا المخرج لم يحل من دون إبداء الوزراء مجموعة ملاحظات على «ورقة» أبي خليل، فقد كان هناك شبه إجماع على أن ما عرضه وزير الطاقة سيزار أبي خليل ليس إلا «عناوين» مؤلّفة من بنود عدّة، بينها بند طارئ يتعلق بالطلب الإضافي على الكهرباء في صيف 2017 والمبني على توقعات بارتفاع أعداد من السياح الوافدين من الخليج في فترة الصيف، وعن النازحين السوريين في لبنان، ما يبرّر اللجوء إلى استئجار البواخر لتوفير ساعات تغذية إضافية وشراء الوقت في انتظار إنشاء معامل لتوليد الطاقة.

الهدف: زيادة التغذية

العرض، الذي قدّمه أبي خليل في مجلس الوزراء، تضمن الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها من ورقته، وتطرق إلى النقص الكبير في التغذية بالتيار الكهربائي، ما يفرض الاستعجال في استئجار البواخر التي ستؤمن 7 ساعات تغذية إضافية، فيما يؤمن بدء تشغيل معملي الذوق والجية (المحركات العكسية) ثلاث ساعات تغذية إضافية، ليرتفع متوسط عدد ساعات التغذية من 12 ساعة يومياً إلى أكثر من 22 ساعة. وشدّد أبي خليل على مساواة المناطق بعضها ببعض في الحصول على التيار الكهربائي، أي مساواة المناطق مع العاصمة بيروت التي تحصل على معدل تغذية أعلى. كذلك تحدّث عن العرض المقدّم من شركة «كارادينيز» التي يستأجر منها لبنان خدمات باخرتين لتوليد الكهرباء (فاطمة غول وأورهان بيه)، لافتاً إلى أنه يتضمن إلى جانب توليد الكهرباء بقدرة 890 ميغاوات، مجموعة من الأعمال؛ منها خزانات عائمة للوقود، وكاسر للموج، ومحطات نقالة، وأعمال ربط البواخر على شبكة 220 كيلوفولت بسعر 5.8 سنتات لكل كيلوات ساعة يشمل 1.24 سنتاً للتشغيل والصيانة. وعرض آلية رفع التغذية بالتيار الكهربائي إلى 21 ساعة يومياً، وبرنامجاً زمنياً لتشغيل معامل جديدة والتخلي عن البواخر، وإنشاء معامل مستقلة للطاقة عبر القطاع الخاص وعرض إنشاء معامل طاقة شمسية من خلال عرض قدّمه تحالف شركات «غروث ــ تسلا ــ إينرتك ــ غروبو» بكلفة 0.125 دولار لكل كيلوات ساعة مع إمكانية تخزين الطاقة، وحاول أبي خليل دحض الاتهامات بأنه يسعى إلى توقيع عقود بالتراضي مع الشركات، مشيراً إلى تلقيه 177 عرضاً في مجال إنشاء معامل بالطاقة الشمسية وأنه يعرض ما ورد إليه من هذا التحالف «كنموذج»، بالإضافة إلى رفع تعرفة الكهرباء بنسبة 42.6%، وتحدّث أيضاً عن إنشاء خطّ للغاز الساحلي ومحطات عائمة للتغويز، عارضاً مواقع هذه المحطات.

الكل لديه ملاحظات

قبل الجلسة، كانت هناك توقعات تشير إلى أن القوات اللبنانية ستدخل في سوق المزايدة حول خصخصة الكهرباء ترجمةً لموقف رئيسها سمير جعجع، إلا أن موقف نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني لم يكن بهذه الحدّة، بل أبدى مجموعة ملاحظات تقاطعت مع مواقف باقي الأطراف في جزء كبير منها، وأضاف إليها أفكاراً عن التمويل بواسطة الشركات بدلاً من الاستدانة من السوق بكلفة أعلى لتغطية الفجوة الزمنية بين تسديد كلفة البواخر والواردات المرتقبة من التغذية الإضافية.
في المقابل، كان هناك موقف واضح لوزراء «الحزب التقدمي الاشتراكي» الذين تحدثوا عن صفقة بالتراضي، رافضين هذا النوع من التلزيمات، وكان موقف وزراء «حركة أمل» مبنياً على جلسة التفاهم التي عقدت أول من أمس بين وزير المال علي حسن خليل ووزير الطاقة سيزار أبي خليل.
في المقابل، كان هناك موقف واضح من "تيار المستقبل" الذي رحّب بفكرة استئجار البواخر وبخيارات الخصخصة الواردة في ورقة أبي خليل، سواء لتلزيم معامل إنتاج على الطاقة الشمسية للقطاع الخاص أو لإنشاء معامل إنتاج تلزّم وفق طريقة «المنتج المستقلّ للكهرباء» أو ما يعرف بالـ IPP. وبحسب المصادر الوزارية، فإن "المستقبل" اعترض على عدم إنهاء المواضيع العالقة من معمل دير عمار 2، وصولاً إلى خطّ المنصورية، والمعامل الجديدة المنفذة التي لم توضع بالخدمة بعد، والمعامل الجديدة المخطط لها.

التوقيت والتمويل والخصخصة!

اللافت أن الملاحظات الأهم جاءت من وزراء حزب الله الذين أثاروا مجموعة من النقاط تعكس دراسة تفصيلية لهذه الورقة. وبحسب المصادر، فإنه كان يجب التمييز بين خطة الطوارئ للصيف، والخطّة التي تمتد على خمس سنوات، لا دمجهما معاً، إذ إن كلا الخطوتين مرتبط بالوقت، فإذا كان هناك حديث عن أزمة طارئة، فإن التعامل معها يكون مختلفاً عن التعامل مع خطة بعيدة أو متوسطة المدى. ومما أثير، أن الجدول الزمني الذي عرضه أبي خليل لاستئجار البواخر، على أن تصل الأولى في أيار والثانية في آب، أمر مشكوك بدقّته وبالقدرة على تنفيذه، ولا سيما أن أياً من الأعمال التي يتطلبها ذلك من كاسر للموج وأعمال ربط البواخر على الشبكة لم يبدأ به.
وبالنسبة إلى موضوع تلزيم إنشاء معامل بواسطة المنتجين المستقلين للكهرباء بقدرة 1000 ميغاوات، كان للحزب السؤال الآتي: ما ستكون كلفة تلزيم القطاع الخاص إنشاء معامل، مقابل كلفة إنشاء الدولة معامل وتمويلها بواسطة قروض ميسرة من منظمات ومؤسسات ذات طابع دولي وعربي؟ يجب مناقشة هذه الخيارات وعدم الوقوع في فخّ الحسم المسبق لأي منها قبل التأكّد من كلفة كل منها على الخزينة العامة وعلى الاقتصاد وعلى المستهلكين أيضاً.
أما بالنسبة إلى التعرفة، فإن موعد زيادة التعرفة في أول تموز بالتزامن مع ارتفاع التغذية بالتيار الكهربائي إلى 21 ساعة يومياً، هو غير واقعي أصلاً، كما يرى حزب الله. موقف حزب الله في هذه المسألة كان على الشكل الآتي: «يجب الانطلاق من رفع معدل التغذية بالتيار إلى 21 ساعة يومياً، وإيصال الطاقة المنتجة لكل المناطق بالتساوي، قبل أن نناقش موضوع زيادة التعرفة. فضلاً عن أن زيادة التعرفة يجب أن تكون مدروسة حتى لا تؤثّر على الطبقات الفقيرة، ويجب أن تكون على شطور، فيعفى من الزيادة المستهلكون في الشطور التي لا تتجاوز 500 كيلوات شهرياً، على سبيل المثال، وتتدرّج صعوداً على شطور الاستهلاك الأعلى».
يقول أحد الوزراء إن إقرار هذه الورقة يعني، عملياً، أنه «جرى إطلاع مجلس الوزراء على توجهات وزارة الطاقة في موضوع الكهرباء والمستجدات التي طرأت على ورقة سياسة القطاع التي أقرت في عام 2010، وأن كل ما يريد الوزير تطبيقه من هذه التوجهات عليه أن يرفعه أولاً إلى مجلس الوزراء لمناقشته ثم منحه الموافقة أو الرفض، وهو ما يعني تكبيله بقيود مجلس الوزراء». إلا أن هذا التكبيل، كان ضرورياً، إذ نقل عن مصادر في حزب الكتائب أن صفقة استئجار البواخر كانت جاهزة مع شركة «كارادينيز» وأن هناك عمولات دفعت لسماسرة بمبالغ طائلة.

المصدر: محمد وهبة - الأخبار