انتهت أعمال القمة العربية في البحر الميت، في بيان شبيه بما سبق. وقد تكون الكلمة التي ألقاها الرئيس ميشال عون، وحضور لبنان العربي القوي العنصر الجديد الوحيد في القمّة هذا العام. بان ذلك في الأوراق الخاصة بلبنان والصادرة عن المجتمعين لجهة «عدم اعتبار العمل المقاوم عملاً إرهابياً»

البحر الميت | فيما كان رؤساء الوفود المشاركة في القمة العربية يلقون كلماتهم، كانت الكاميرات تنقل وجوه «المستمعين» داخل مركز الملك الحسين بن طلال للمؤتمرات حيث عُقدت الجلسة. البعض يتثاءب، والبعض الآخر ترك النعاس يتسلل إلى عينيه. أما آخرون، فتلهَّوا بهواتفهم النقالة. الكلمات المستهلكة في الخطابات العربية التي تمتاز برتابتها، فرضت هذه التصرفات. بيانات تكتفي بالإدانة ورفع شعارات من دون طرح خطة عمل لإحداث خرق في الواقع العربي «الميت».

من خارج هذا السياق أتت كلمة لبنان التي ألقاها الرئيس ميشال عون. ليس من باب المبالغة القول إنّ خطاب عون كان استثنائياً، إن كان في اللغة المباشرة والتعابير الصريحة، أو في المضمون. «أصوات الانفجارات ومشاهد القتل تطغى على أي موضوع آخر. لذلك لم أستطع أن أنزع من مخيلتي الغيمة السوداء التي تخيم على أجوائنا العربية، ولا اللقاءات السابقة التي كانت في كل مرة دون مقررات عملية تزيد خيباتنا خيبة، وطعم المرارة فينا يزداد مرارة»، قال عون. وفي وقت تعتبر فيه المملكة العربية السعودية، ومن يتصرف وفقاً لاملاءاتها، أنّ السعي إلى قلب نظام الحكم في سوريا ومحاصرة الشعب اليمني وتجويعه، من خلال شنّ الحروب هو «حقّ»، أعاد الرئيس اللبناني التذكير بالمادة الثامنة من ميثاق جامعة الدول العربية التي «تفرض على كل دولة من الدول المشتركة أن تحترم نظام الحكم القائم في الدول الأخرى المنتسبة إلى الجامعة، وتعتبره حقاً من حقوقها، وتتعهد بأن لا تقوم بأي عمل يرمي الى تغييره». لبنان هذا البلد «الضعيف»، حيث تعيين أدنى موظف في الدولة بحاجة إلى جمع تواقيع كل القوى السياسية، يتصرف عربياً من موقع «القوي». يتجرأ على رفع الصوت، سائلاً: «من أجل من نتقاتل، ومن أجل ماذا نقتل بعضنا البعض؟ أمن أجل تحرير القدس والأراضي العربية المحتلة؟ أم من أجل الوطن الفلسطيني الموعود وإعادة اللاجئين؟». العلاقات اللبنانية ــ الخليجية يحكمها مدّ وجزر، كان في الأغلب يأتي على حساب الاستقرار المحلي، ولا سيّما حين «يقاوم» لبنان وصاية السعودية. فقبل أيام قليلة، كانت الرياض وحلفاؤها يلوحون بإمكانية حجب التضامن مع لبنان في مواجهة التهديدات الإسرائيلية. إلا أنّ ذلك لم يمنع الرئيس اللبناني من القول إنّ لبنان «في ما له من علاقات طيبة مع جميع الدول الشقيقة، يبدي كامل استعداده للمساعدة في إعادة مد الجسور، وإحياء لغة الحوار. لأننا، نحن كلبنانيين، عشنا حروباً متنوعة الأشكال، ولم تنته إلا بالحوار». ويزيد بأنّ «خطورة المرحلة تُحتم علينا أن نقرر اليوم وقف الحروب بين الإخوة، بجميع أشكالها، العسكرية والمادية والإعلامية والديبلوماسية، والجلوس إلى طاولة الحوار (…) وإلا ذهبنا جميعاً عمولة حلّ، لم يعد بعيداً، سيُفرض علينا».
الرئيس سعد الحريري ومستشاره نادر الحريري عبّرا عن ارتياحهما لكلمة لبنان، علماً بأنهما لم يطّلعا عليها مسبقاً. أما مصادر ديبلوماسية عربية فقد قالت لـ«الأخبار» إنّ كلمة عون لم تمرّ مرور الكرام في جلسة القمة العربية، «بل تركت تأثيراً إيجابياً لدى رؤساء الوفود الذين اعتبروا أنّ لبنان يجب أن يؤدي دوراً قيادياً».
لم تكن كلمة رئيس الجمهورية «الخرق» الوحيد في خلال جلسة القمة، بل أيضاً المقررات التي صدرت عنها في ما خصّ «التضامن مع لبنان ودعمه». في خمس أوراق تضم تسع نقاط، وافقت الدول العربية على رؤية لبنان السياسية والاقتصادية. من أهم ما جاء فيها «التأكيد وضرورة التفريق بين الإرهاب والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال الإسرائيلي التي هي حق أقرته المواثيق الدولية ومبادئ القانون الدولي، وعدم اعتبار العمل المقاوم عملاً إرهابياً». ودعم لبنان «في تصديه ومقاومته للعدوان الاسرائيلي المستمر عليه وعلى وجه الخصوص عدوان تموز من عام ٢٠٠٦ والترحم على أرواح الشهداء اللبنانيين، واعتبار تماسك ووحدة الشعب اللبناني في مواجهة ومقاومة العدوان الإسرائيلي عليه ضماناً لمستقبل لبنان وأمنه واستقراره». المضحك في النص هو الترحيب «بالمساعدات التي قدمتها دول شقيقة وصديقة للبنان وفي طليعتها المملكة العربية السعودية وحث جميع الدول على تعزيز قدرات الجيش اللبناني». ففي كانون الثاني ٢٠١٦، قرّرت «مملكة الخير» معاقبة لبنان وإلغاء هبة المليار دولار، بعد أن نأى لبنان بنفسه في اجتماع وزراء خارجية العرب، ذلك العام، عن إدانة إيران لأنه كان هناك بند يُصنف حزب الله بأنه منظمة ارهابية.
البيان الختامي للقمة العربية كانت نسخة عن الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية العرب، وعن البيانات السابقة التي تمتلئ بها أدراج الجامعة العربية. «هو نصف فشل ونصف نجاح»، تقول المصادر الديبلوماسية. سبب الفشل هو عدم قدرة «الجامعة» على لعب أي دور جامع بين العرب وفقدانها لعنصر المبادرة منذ سنوات طويلة، حتى باتت قرارات هذه الدول تُصنع في الدول الغربية. أما النجاح، فهو «تمكن ملك الأردن عبد الله الثاني من تحقيق أهدافه وأهداف الولايات المتحدة التي يزورها بعد أسابيع». وكانت أمس، قد انتشرت معلومات أنّ «الموفد الأميركي إلى القمة العربية تدخل من أجل توجيه قرار القمة في ما خص الصراع العربي ــ الإسرائيلي. بعد أن رُفضت مبادرة السعودية لتعديل مبادرة السلام العربية بضغط من السلطات الأمنية الأردنية واللوبي الفلسطيني في الأردن». و«النجاح» الذي يُسجل أيضاً للملك الأردني، بحسب المصادر الديبلوماسية، هو تمكنه من «جمع الملك سلمان بن عبد العزيز مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث غادر الاثنان مع وفديهما قاعة الاجتماعات حين كان أمير قطر تميم بن حمد يلقي كلمته». إضافة إلى اللقاء بين الملك السعودي ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. «حتى ولو لم يكن بالإمكان التعويل كثيراً على هذه اللقاءات، ولكنها في الشكل مهمة».
في الأصل، قبل الأردن استضافة القمة العربية لعدّة أسباب، أبرزها «طموحه الدائم إلى لعب دور إقليمي، خاصة كوسيط بين الدول المتنازعة»، كما تقول مصادر أردنية. وكان لدى السلطات «تحدّ أن يكون هناك تمثيل قوي في القمة، بصرف النظر عن العناوين المطروحة. فعمل الملك على تخدير وتسكين الخلافات». برز هذا الأمر من خلال الاجتماع التحضيري الذي سبق القمة «الذي استغرق ساعة و٤٠ دقيقة تقريباً، في حين أنّ هذه الاجتماعات كانت تستمر على مدار يومين». والأمر الثاني، هو «الحَجْر» الذي فُرض على الصحافيين الأجانب والمحليين. فعلى الرغم من امتلاك الصحافيين لتصاريح أمنية تُخولهم التنقل في منطقة البحر الميت المقفلة أمنياً، إلى حين انتهاء الأعمال، إلا أنهم منعوا من الاختلاط والتواصل مع الوفود العربية ومن دخول مقر الاجتماع. «اتُّخذ ذلك بموجب قرار تحت عنوان أمني، ولكن الهدف كان الحدّ من التسريبات التي من شأنها أن تُظهر الخلافات».
غُيبت سوريا عن القمة العربية، ولكنّ طيفها كان مسيطراً. بعد ست سنوات من الحرب فيها، تأكيد عربي بأنّ «الحل الوحيد الممكن يتمثل فـي الحـل السياسي القائم على مشاركة جميع الأطراف السورية». تقول المصادر الأردنية إنّ «الملك يُدرك أننا، كعرب، لا نمون على أي ملف، فلماذا نختلف حول قضايا نحن غير مؤثرين فيها؟».
انتهت قمة عربية صُرفت لأجلها آلاف الدولارات من دون أن تُقدم أي جديد، في وقت أنّ شعوبها تموت جوعاً وعوزاً. السيناريو نفسه سيتكرر العام المقبل، ولكن هذه المرّة من الرياض بعد أن تنازلت الإمارات العربية عن دورها في استضافة القمّة، مسلفة موقفاً مجانياً إلى السعودية.

المصدر: ليا القزي - الأخبار