ويسألونك ما الارض؟ ولمَ نتحدّث عنها بهذا الفيض العاطفي الذي ملؤه الحبّ والشّجن؟ يخبرونك بتذاكٍ سطحيّ انّها مجرد قطعة من سطح الكوكب، انّها شيء والاشياء لا تشعر ولا ينبغي لنا ان نمنحها عاطفة. ثم يحاولون "تسطيح" هذا الحب بتصويره ساعة ضربا من التعصّب وفي ساعة اخرى نوعا من الجهل. لا تجبهم ولا تجادل. فقط، دعنا في يوم الارض نجوب ارضنا، نحدثّها، نصغي اليها ونواصل حبّنا لها.

هنا ارض عاملة، تستقبلك بهديل النسائم التي تمر من خلال صور الشهداء المرفوعة كجسور تربط المكان بالسماء. تخبرك عن العدو يوم عبرها اجتياحا، وعن جروح التراب فيها وعن وجع الثلوج المكللة جبل الشيخ، وقبل ان تدمع، تكمل حكايتها عن رجال ونساء غرسوا فيها اجسادهم بالدم وبالشهادة وبالسلاح وبالحب. وتخبرك عن هدير النصر يوم اندحروا وعن عويل جنودهم حين وادي الحجير هبت اغصانه ورجاله ذات انتصار واقتلعت فخر صناعاتهم العسكرية من لوائح التفوق العسكري. تسلك عامل الى فلسطين، الى حيث الارض امّ القضية وخابية حبّها، الى حيث رائحة التراب نشيد يتردد في الارواح.مرغما تهمس "موطني.. موطني" وتحاصر الدمع بضمة من تراب ويقين، تخبرها بأن باب الحرية ينفتح بسكين بناتها وابنائها اذ تنغرس في اجساد الصهاينة، وينفتح بدَوس يدهس هذه الكائنات الهجينة الغريبة، وتحدثك هي عن الحجر الذي صار سلاحا تشهره بيد ابنائها، كبارا واطفالا، فيطل من خلف الغيم طيف فارس عودة، وبيده ما زال الحجر مرفوعا بوجه الدبابة وفي عينيه ما زال الغضب حرّا، وما زال الحقّ ساطعا كشمس تقبّل خد البيارات في يافا، لتفوح في رام الله اشتباكا يعلّي الصوت إحدى وعشرين رصاصة في صدر باسل الاعرج، الذي استشهد "ولا رصاصة بظهره" ثم تمر فوق غزة العز المحاصر بالوجع ولا يئن الا منتصرا، عابرا فوق الخيانات والمؤامرات، شامخا كشموخ الاسرى الاحرار خلف قضبان الاعتقال. وما بعد اعتاب الاستشهاد يبسم مازن فقها. انا هنا يقول، وجميعنا هنا، احرارا كما عشنا وكما مضينا ونتأمل من هنا كيف تخرج فلسطيننا من الاحتلال، مثقلة بالفخر وبوجوه كثيرة.. 

تملؤك فلسطين عشقا يلفك وشاحا تذهب به الى الشام، الى ارض الياسمين والحبّ والامان. تلثم بعينيك الطريق. تلامس وجوها تعرفها، لم يغيّبها الاستشهاد عن سكنى الضوء السوري. وتشهد، كيف التكفير مزّق الجفن الدمشقي الذي رغم النزف لم يترك للدم ان يطفىء العين التي تبصر ان كل الحريق ما هو الا ثمن المواقف الداعمة للمقاومة. تجول في سوريا، تتلقفك الدروب الشاسعة وبضحكة الواثق تخفف عنك ثقل الحزن على ارضها التي لطالما استقبلت كلّ عربي بحب باذخ، ومنحت مع الحب قوة ودعما لكل حرّ. ها انت بالقرب من العراق، حيث صوت الرصاص المجبول بالشجن الجميل يهدر في ماء دجلة، يتردد في الفرات صداه. تخبرك الارض بتلك اللهجة الآسرة ان الشدة ستزول وانها اعتادت خوض غمار الوجع لتخرج في كل مرة منتصرة قوية، كنبتة صبّار لا يعييها العطش ولا يسرق سحرها. تخفي دهشتك بوابل من الحب تزرعه نخيلا وتعرف ان في العراق اشداء مقاتلين سيحمون ترابهم المشحون بالشهادة وتتمنى لو كان بامكانك ان تكون فيئا يقيهم حر الشمس الغاضبة.

ومن العراق تعبر الى ارض الحجاز المحتلة والمسماة زورا السعودية نسبة الى سلالة ملعونة نهبتها. ترى النخيل يود لو يعتذر عما فعل السفهاء الذين سرقوا جذوره ومحتوى ارضه، وتأخذك عيون الحزن عند الكثير من اهل البلاد، تستقبلك بصمت خجول، تدّلك الى طريق اليمن وتحمّلك، بصمت ايضا، اعتذارا عما سبّبه ملوك الرمال من وجع لتلك الارض الطيبة. تصل الى اليمن. وهنا، ذاكرة لك في الارض ترتفع. ايا بلاد الحب ماذا يقال لك وصوت المجازر المدوي يخترق جدران القلب؟ تنهمر اسئلة ويجيبك وجه تشعر بأنك تعرفه، هنا ارض اليمن والارض لا تخشى الظلم لأن فيها ما يكفي من عزّ جميل تدرك من خلاله ان الخنجر كما الصاروخ، لا يرضخ ولا يساوم، ولا يكسره الجرح العربي ولا ينسيه انه اصل العرب واصل الحب فيواصل المقاومة. لا يُحاصره انين الاطفال المذهولين تحت ركام البيوت التي في حزنها ابيّة. يخبرك بثقة المبصر العارف الاصيل ان المعركة معركة حق فلا بحث في نتائجها. يهمس لك ببسمة سمراء "اليمن حتما منتصر وسعيد".

تكمل طريقك محلقا من بلد الى بلد. تخبرك ام الدنيا مصر عن حالها وتختار شموخ اهراماتها وطيبة ناسها لهجة تحدثك بها وتشكو هول الظلم من  باعة الاوطان وتغني لك اغنيات العبور فيما ما زال صوت عبد الناصر يتردد في ارجاء كل الحارات المصرية. تمر بالبحرين وتخبرك ارضها بدورها عن ايمانها بأن هيهات من ترابها ومن شبابها ومن اصحاب الحق فيها الذلة. تعبر الارض العربية مسكونا بفيض العشق فيها. تلمح في الاردن جمعا معظمه اصنام انعقد قِمّة عربية الاسم صهيونية الهوى. تحجب بيديك المشهد وتحلّق محمّلا برائحة الارض، تهتف بملء النبض: سجّل انا عربي!

 

المصدر: شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع