تعوّل الحكومة اللبنانية على مؤتمر بروكسيل، بخطاب سياسي موحد حول أزمة النازحين، لطلب عشرة مليارات دولار لتأهيل البنى التحتية التي تضررت من أزمة النازحين
بعد أكثر من عام على مؤتمر لندن، يعقد في الخامس من نيسان المقبل في بروكسيل المؤتمر الدولي الخاص لعرض ملف المساعدات لسوريا، بدعوة من الاتحاد الأوروبي، على أن تشارك الأمم المتحدة في رئاسته. وهدف المؤتمر، بحسب ما أعلنت وزيرة خارجية الاتحاد، «دعم السوريين داخل سوريا وفي الدول المجاورة».
لبنان الذي يشارك كإحدى الدول المضيفة للاجئين في الشرق الأوسط، بوفد برئاسة الرئيس سعد الحريري، يعدّ تقريراً لرفعه الى المؤتمر. ويعقد الحريري لهذه الغاية اجتماعات تنسيقية مع الوفد الوزاري والوزراء الذين يشاركون في اللجنة المختصة لدرس التقرير الذي يفترض أن ينجزه مجلس الإنماء والإعمار ودار الهندسة ومناقشته قبل اعتماده.
تنقسم قضية النازحين السوريين في لبنان الى ثلاثة مستويات، أمنية واجتماعية (أي ما يتعلق منها بالمساعدات) وإحصائية. وإذا كان الشق الأول متروكاً للأجهزة الأمنية المعنية، فإن موضوع إحصاء النازحين لا يزال لغزاً حقيقياً منذ أن بدأت عملية النزوح وتفاقمت طوال سبعة أعوام.
فالرقم الذي أعطته المفوضية العليا لشؤون النازحين أواخر عام 2014 بلغ مليوناً و38 ألف لاجئ، ومنذ ذلك الوقت أصبح الحديث عن العدد يتأرجح بين معلومات رسمية وغير رسمية ليصل الى مليون ونصف مليون نازح، مع الإشارة الى أن المفوضية نفسها كانت قد قدرت بأن يصل العدد الى مليون ونصف مليون بنهاية عام 2014. الى جانب المفوضية، يملك الأمن العام اللبناني ووزارة الداخلية أرقاماً تتعلق بتسجيلات السوريين لديها. لكن هناك مشكلة حقيقية في اعتماد أرقام وإحصاءات دقيقة، إذ إنه ليس كل السوريين يسجلون إقاماتهم أو يجددونها، عدا عن الدخول غير الشرعي، وعثرات أخرى تعترض عملية إحصاء دقيقة للنازحين، هذا مع العلم بأن ثمة أزمة حقيقية تتعلق بعدم تسجيل الولادات السورية، سواء في المستشفيات أو في عيادات القابلات القانونيات، أو في المخيمات وأماكن سكنهم. وهذه الولادات، بحسب معطيات غير رسمية، تتزايد بشكل مطرد منذ سبعة أعوام. وتتحدث بعض المعطيات عن عدد يقارب خمسين ألف ولادة سنوياً، لا يسجلون كسوريين، والخشية أن يتم تسجيلهم لاحقاً كمكتومي قيد، فضلاً عن الزيجات المختلطة مع لبنانيات والتي لا تسجل أيضاً. وهذا أمر يستوجب معالجته عبر الأجهزة المعنية. وقد طرحت اقتراحات عدة لإجراء عملية إحصاء شاملة للنازحين، مع توفير كامل المعطيات حولهم من خلال مراكز الخدمات التي تنتشر على كامل الأراضي اللبنانية ويفوق عددها المئتين، إضافة الى أن وزير الشؤون الاجتماعية الحالي بيار أبو عاصي اقترح القيام بإحصاء «بيومتري» أي إعطاء النازحين «بطاقة ذكية» تتضمن كل المعطيات، بما في ذلك بصمة العين.
أما في الشق المتعلق بالمساعدات، فيحمل لبنان الى بروكسيل أربعة عناوين تندرج تحت عنوان أساسي هو مساعدة لبنان واللبنانيين والسوريين على مواجهة عبء النزوح.
ويعوّل أبو عاصي الذي يشارك في الوفد الوزاري، بحسب ما قال لـ»الأخبار»، على «الموقف اللبناني الموحد من هذه القضية، علماً بأن الحكومة، وخلافاً للحكومة السابقة، تتعامل معها بخطاب سياسي واحد، وبمركزية قرار عبر الأقنية الرسمية واللجنة الوزارية التي تضم ثماني وزارات، والوزارات المختصة، ولا سيما الشؤون الاجتماعية، وبخطة عمل متكاملة وورقة سياسية كاملة».
وتنص ورقة الحكومة على أربعة عناوين: ضرورة تقديم المساعدة الإنسانية للنازحين ودور المجتمع الدولي في تقديم هذه المساعدة لأنه لا قدرة للبنان على مواجهة هذه الأعباء، وضرورة دعم المواطنين المحتاجين كافة ودعم المجتمعات المضيفة للاجئين محلياً، عبر خدمات محلية كتأمين البنى التحتية.
وإضافة الى الشق السياسي الذي يتعامل به لبنان مع النازحين وضرورة تأمين عودة آمنة لهم، يطلب لبنان عملياً في الوقت الراهن، بحسب أبو عاصي، من مؤتمر بروكسيل مساعدة لبنان (عبر هبات أو قروض ميسّرة وبفوائد مخفضة جداً)، لإعادة تأهيل البنى التحتية التي لم تعد تستوعب متطلبات اللبنانيين والسوريين معاً. لأن لبنان لم يعد ينظر إليه فقط كدولة مضيفة عابرة، وكمناطق متفرقة تستوعب النازحين، وخصوصاً بعد مرور سبعة أعوام على الحرب السورية. وإعادة تأهيل البنى التحتية بحسب الخطة تشمل كل لبنان، وكل القطاعات من مياه وكهرباء وصرف صحي وجسور وطرق، بقيمة عشرة مليارات دولار على مدى ثماني سنوات. ومن شأن هذه الخطة أن تحرك الاقتصاد اللبناني وتوفر فرص عمل للبنانيين، وتساهم في إحياء كل المناطق التي تستضيف نازحين سوريين.
يركز لبنان في خطابه السياسي على حث المجتمع الدولي على تقديم هذه المساعدة. ولا تكمن المشكلة في قيمة المبلغ المطلوب، أو حتى تأمينه لأن الأموال متوافرة لدى عدد من الدول، إضافة الى أن الأموال تتدفق عبر جمعيات كثيرة، كما يشهد لبنان علماً بأنها لا تمر بالأقنية الرسمية وهي تقدم مساعدات تعتبر جيدة بمعيار الإغاثة. إلا أن ثمة معطيات يجب الانتباه لها، بحسب أبو عاصي. وهي أن مؤتمر بروكسيل ليس مؤتمراً للدول المانحة، بل هو بمثابة محطة انطلاق تساهم في تحفيز المانحين عبر وضع هذه القضية على الطاولة بجدية، أي أنه يجب توجيه الأنظار نحو ما بعد بروكسيل لعقد مؤتمر دولي يخصص لتأمين المساعدات، على أن يكون المؤتمر مخصصاً لهذه القضية ولا يكون مؤتمراً جانبياً يعقد على هامش أي مؤتمر دولي. وهذا يعني أنه يجب على لبنان التطلع الى ما بعد مؤتمر بروكسيل.
والمعطيات الأخرى تتعلق بالإيجابيات والسلبيات التي يمكن أن يتعاطى بها المجتمع الدولي مع لبنان وأزمة النازحين. فمن الإيجابيات أن لبنان شهد انتخابات رئاسية وقيام حكومة تتوجه إليه بخطاب موحد. أما السلبيات فهي أن المجتمع الدولي يراقب بدقة موضوع الشفافية ومكافحة الفساد، وهذا الأمر يجب أن يتصدر الاهتمام اللبناني. وكذلك فإن الأزمة السورية طالت، وهذا ضاعف من عدد النازحين، علماً بأن لبنان شهد في المقابل هجمة من المنظمات الدولية التي تقدم كميات من المساعدات لهؤلاء.
لكن السؤال، ماذا لو لم يستجب المجتمع الدولي للمطلب اللبناني، وماذا لو لم يحصل لبنان على المبلغ المذكور، وما هي الخطوة التالية بعد بروكسيل؟ وبعيداً عن موضوع الهبات والمساعدات المالية، هل يمكن أن نشهد قراراً حكومياً جامعاً بضرورة إجراء إحصاء فعلي للنازحين مع المعطيات كلها، طالما أن الأفرقاء المنضوين في الحكومة باتوا يتحدثون جميعاً عن رؤية واحدة لهذا الملف؟