لم يعد الكلام عن تمديد ثالث لمجلس النواب هذا الشهر مثار جدل مقدار التساؤل عن علامات استفهام يحوط الغموض ببعضها، ولا ترتبط حكماً بتوقيت التصويت عليه: اي ضمان باقرار قانون جديد، المدة المطلوبة للتمديد، رد فعل رئيس الجمهورية
بعض اجابات الاسئلة الثلاثة تلك سهل، مثلما هو محرج لاصحابها كمدة التمديد: الرئيس نبيه بري مصر على تمييز التمديد التقني ــ ويصفه بـ«تدبير» ليس الا ــ عن التمديد المطلق شأن ما حدث عامي 2013 و2014، لكن دونما تحديد مدة سوى قوله ان التمديد التقني «هو ما تتطلبه المهلة للتحضير للانتخابات النيابية»، ويتمسك بربط التمديد التقني بقانون جديد او التزام حكومي بـ«تفاهم على مبادىء» قانون جديد. الرئيس سعد الحريري يُنسب اليه طلب تمديد لسنتين لكنه يستجيب تمديداً لسنة.
الرئيس ميشال عون لا يتحدث سوى عن ثلاثة اشهر لا تزيد يوماً واحداً. اما الكتل النيابية الرئيسية، فتتحدث عن التمديد كأنها منزعجة منه ولا تريده، فيما اجراء كهذا يريحها حيال استحقاق تفضّل ان لا تذهب اليه في الوقت الحاضر.
قد يكون حزب القوات اللبنانية وحده آخر المنادين به لسبب مبرر، هو حاجته الى اختبار جديد لقوته التمثيلية في الشارع ومنها الى البرلمان. لا يشكو من تمثيله السياسي في الحكومة الحالية، بيد انه يعرف ان معظم كتلته النيابية بالإعارة (الشوف والكورة وزحلة)، ولا يسعه سوى ايصال ثلاثة نواب فقط بناخبيه في البترون (متحالفاً مع احد) وبشري. حصول التمديد يبقي له كتلة اكثر من نصفها ليس من صنعه، ما يحمله على المناداة باجراء الانتخابات لكن ليس بقانون كيفما كان.
على ان الاجابة عن السؤالين الآخرين لا تبدو في بساطة ثالثهما:
اولهما ضمان سياسي بوضع قانون جديد للانتخاب يلي التصويت على تمديد الولاية:
يتحدث رئيس البرلمان عن موقف مبدئي هو عدم موافقته على تمديد تقني لا يكون بنداً اخيراً في القانون الجديد. في الايام الاخيرة ابدى بري مرونة وهو يتخوف من ولوج البلاد الى فراغ شامل مع تعذر التوافق على قانون جديد، بقوله انه يؤيد التفاهم على «مبادىء» قانون جديد لا على القانون في ذاته، على ان تتعهد الحكومة ــ ما ان تضع يدها على هذا الموضوع ــ وضع الصيغة النهائية له في المدة التي يستغرقها التمديد الثالث، على ان يصير الى التصويت على هذا التفاهم بثلثي مجلس الوزراء كما لو انه يصوّت على القانون نفسه عملاً بالمادة 65 من الدستور.
الثلثان الحكوميان يعنيان لبري ان اكثر من النصف +1 في مجلس النواب اقترع للتفاهم والالتزام، كون مجلس الوزراء يختصر كتل البرلمان. اذذاك يسارع هو قبل سواه الى طلب عقد جلسة لتمديد تقني. ما يثير قلقه الوصول الى فراغ يدمّر السلطات كلها. هنا يتذكر عبارة للعلامة الدستوري الدكتور ادمون ربّاط القائل ان الفراغ «يولد حالاً ثورية».
يضيف بري: «لا ينشأ عن الفراغ سوى شيء ما تأسيسي او مشاكل لا نعرف كيف تنتهي؟».
يقول كذلك ان التمديد وسيلة لتفادي الفراغ ـ ولذا لا يتكلم سوى عن تمديد تقني ـ بيد ان الهدف هو وضع قانون جديد للانتخاب.
لكن ثمة خياراً آخر يجري تداوله، في موازاة الكلام عن احتمال تلقف حكومة الحريري المبادرة ونقل مهمة صوغ القانون اليها، هو التزام مجلس النواب في جلسة التصويت على التمديد، عقد جلسات مفتوحة الى حين الاتفاق على القانون الجديد للانتخاب. ربما لا تكمن الحكمة تماماً في تعهد كهذا، بعدما سبق للمجلس ان اخذ به مرتين على التوالي سبقتا تمديدي 2013 و2014 لاستعجال انجاز القانون. لكنه لم يفعل. لم يرد ان يفعل.
ثانيهما هو السؤال ــ المشكلة: ماذا يفعل رئيس الجمهورية اذا ذهب البرلمان الى تمديد ثالث بلا قانون جديد للانتخاب، وهو شرطه للقبول بتمديد تقني؟
في التمديدين السابقين طعن عون وكتلته في القانونين لدى المجلس الدستوري. يملك الرئيس المادة 59 لمنع حصول التمديد، ويملك المادتين 57 و19 لمنع نفاذه بعد اقراره. في وسعه تعطيل المهلة المنصوص عليها في المادتين 57 و59 وهي الشهر الذي يسبق نهاية العقد العادي الاول في 31 ايار. يملك ايضاً كرئيس للجمهورية ــ بعد ان فعل كنائب ــ مراجعة المجلس الدستوري. في الطعن الاول حيل دون التئام المجلس الدستوري في حزيران 2013، فانقضت المهلة المنوطة به لاصدار القرار (15 يوماً) بسبب تعطيل متعمد لنصابه القانوني والحؤول دونه، فإذا قانون تمديد 2013 نافذ. في الطعن الثاني افتى قرار المجلس في تشرين الثاني 2014 بدستوية التمديد للحؤول دون فراغ في السلطة الاشتراعية يقطع الطريق على انتخاب رئيس للجمهورية حينذاك، واقرن القرار بخمسة مبادىء اهمها عدم ربط الانتخابات النيابية بوضع قانون جديد لها، واجراؤها بعد زوال الظروف الاستثنائية وعدم انتظار نهاية الولاية الممددة. لم يُصغَ اليه. وها هو البرلمان نفسه يذهب ــ بالذريعة تلك ــ الى تمديد ثالث.
الى الآن، الموقف المعلن لرئيس الجمهورية رفضه تمديد الولاية ــ وإن تقنياً ــ ما لم يقترن بقانون جديد، وتالياً عدم ممانعته الذهاب الى الفراغ ما دام التمديد والفراغ ومعهما القانون النافذ (2008) يتساوون. قد يكون رئيس الجمهورية اكثر المنزعجين من التمديد ــ إن لم يكن وحده ــ للسبب المعلوم، وهو انه يقوّض عهده قبل ان يعبر نصف السنة الاولى من ولاية حدد لها الرئيس مهمة جوهرية هي تصحيح التمثيل المسيحي وعدالته والمناصفة الفعلية. حقق انتخابه خطوة اولى، ثم تسمية المسيحيين وزراءهم خطوة ثانية، وبقيت الثالثة التي تمثل الوعاء الارحب للاولين.
في المقلب الآخر من موقفه، ثمة مَن يقول ان الرئيس قد يأخذ في الاعتبار واقعاً سياسياً خطيراً ينجم عن الفراغ، يتأثر به عهده، اكثر منه حال دستورية ترتبت على عدم اجراء انتخابات نيابية.