سواء نجح مجلس الوزراء الاثنين في التفاهم على مسودة قانون جديد للانتخاب او اخفق، لن تكون جهود الايام المقبلة معنية باجراء الانتخابات النيابية العامة، مقدار بحثها عن المخرج الملائم لتمديد ولاية مجلس النواب في اسرع وقت ممكن

تتساوى في مجلس الوزراء، لدى مناقشته الاثنين قانون الانتخاب، حظوظ النجاح والفشل. الاسباب التي حالت بين عامي 2012 و2014 دون توافق الكتل النيابية على مسودة مشروع، هي نفسها التي حالت ولا تزال دون توافق الافرقاء الاربعة المفاوضين اليوم، مروراً باللجان المشتركة والفرعية وتلك المنبثقة من هذه مذذاك.

ما ينتظر مجلس الوزراء خلاف مزمن لم يعد يقتصر على البندين الرئيسيين الوحيدين في القانون الجديد، وهما نظام التصويت وتقسيم الدوائر، بل أضحى في صلب انقسام وطني من جراء التأويلات المتنافرة حيالهما. إذ بات يُنظر الى اي من اقتراحات نظام التصويت، اكثرياً مطلقاً او نسبياً مطلقاً او مختلطاً، على انها تستهدف هذه الطائفة او تلك، او تلغي تمثيلها او تهيمن عليها. وهو دافع كاف كي لا يتوصل مجلس الوزراء في ساعات الى تفاهم لا يزال مستعصياً. ومن دون ان تمل الكتل النيابية من لعبة المفاضلة بين التمديد والفراغ التي افضت الى تمديدي 2013 و2014، تنجح هذه المرة في ايصال البلاد اليها للمرة الثالثة، وقد بات التمديد الثالث على الابواب، ولم يعد احد يخجل من المناداة به. صار يُنظر اليه على انه قارب نجاة.
بذلك اضحى تمديد الولاية الاستحقاق الوحيد الداهم، من دون أن تكون الدروب اليه بالسهولة المتوخاة بعد، قبل الوصول الى جلسة التصويت عليه وبعده:
1 ــــ لا يزال موقف رئيس الجمهورية ميشال عون مصراً على رفض اي تمديد لا يكون في صلب قانون انتخاب جديد متفق عليه، بحيث يتضمن تأجيلاً للانتخابات ــــ والمقصود التمديد التقني ــــ أشهراً قليلة في البند الاخير منه. وهو سيعيد تأكيده في جلسة الاثنين.
الى الآن لم يتزحزح الرئيس عن هذا الاصرار، ولا يزال يعارض الاكتفاء بتفاهم على مبادىء قانون لا على القانون نفسه برمته، وخصوصاً نظام التصويت وتقسيم الدوائر. لم يعد يتحدث عن الفراغ، الا انه يذكّر في كل حين بالصلاحيات الدستورية التي تمكنه من الاضطلاع بدوره حيال ما قد يرفضه، ويربط بلا هوادة اجراء الانتخابات بقانون جديد للانتخاب. تالياً ليس قصر بعبدا مَن يقتضي ان يستدرك الفراغ، بل السرايا وساحة النجمة.
2 ــــ ما يعني رئيس مجلس النواب نبيه بري تفادي الفراغ بأي ثمن. بعدما وضع الاجتهادات والفتاوى الدستورية جانباً وقد أنبأت الجميع بأن انقضاء ولاية البرلمان تضع السلطة الاشتراعية كلها في الفراغ الشامل، باتت معظم احاديث بري تتركز على ان الفراغ يشمل المؤسسات الدستورية جميعاً بلا استثناء، وخصوصاً الحكومة التي تفقد صلاحية تصريف الاعمال حتى، في غياب مجلس النواب. ما يسمعه منه زواره ان موت الموكل يفقد الوكالة قانونيتها. كذلك حال علاقة الحكومة بالبرلمان. يذهب الى ابعد من ذلك، على طريقته، في استعارة امثال شعبية حينما يقارن بين «مَن يجلّس ميلة البغل بعد ان تميل، ومَن يجلّسها قبل ان تميل».
3 ــــ بسبب وجوده عند تقاطع الافرقاء الثلاثة الرئيسيين المعنيين باستحقاقي القانون والانتخابات، وهم رئيسا الجمهورية والمجلس ورئيس الحكومة سعد الحريري ــــ ولكل منهم مقاربة مختلفة للقانون ونظام التصويت وتقسيم الدوائر ــــ بات حزب الله الاكثر الارباكاً بينهم. حليف متين للرئيسين الاولين ومحاور دائم للرئيس الثالث، وفي الوقت نفسه الاكثر مقدرة على التوصل الى حل يرضيهم على السواء دونما تخليه عن الثلاثية السالبة: لا فراغ، لا لقانون 2008، لا لتمديد مطلق. التقط الحزب اشارة ايجابية اولى عندما لمح الحريري الى احتمال موافقته على قانون نسبي وفق دوائر متوسطة، وهو موقف يلائم الحزب المتشدد في الاصرار على النسبية والمنفتح على دوائر وسطى. بذلك تسهل عليه اجراء مقايضة بين الحريري وبري ــــ المؤيد بحماسة للنسبية ــــ وعون الذي سبق ان أيدها، تأخذ في الاعتبار صوغ قانون انتخاب تبعاً لهذين الشرطين في مقابل موافقة الجميع على الذهاب الى تمديد موقت يرمي الى تأجيل الانتخابات بضعة اشهر. بيد ان التوافق على المقايضة تلك يحتم الخوض في جانب من تفاصيلها تتصل بالمدة المقنعة لتمديد الولاية. ما يُنسب الى الحريري انه يريد تأجيلاً للانتخابات يصل الى سنتين، مع احتمال موافقته على تأجيل لسنة ونصف سنة، بينما يكتفي بري بالقول بتأجيل يرتبط بالمهلة المعقولة كي تستعد الحكومة ووزارة الداخلية لاجراء الانتخابات وفق قانون جديد. اما رئيس الجمهورية فيتمسك بتأجيل لا يزيد على ثلاثة اشهر، ولا يقفز فوق ايلول المقبل بما في ذلك مبررات وجود قانون جديد للانتخاب يحتاج تطبيقه الى تمرين عليه. رفض الرئيس اقتراح تمديد يطول الى سنة، وعدّ هذه المهلة تساوي ربع ولاية قانونية للمجلس.
مقايضة كهذه ليس من شأنها توفير الضمانات المطلوبة للافرقاء الثلاثة فحسب، بل العثور على ورقة تين تغطي المرحلة المشتعلة في المنطقة من خلال ترسيخ الاستقرار السياسي في الداخل: قانون جديد للانتخاب يمنح رئيس الجمهورية ما يصر عليه، دفن الفراغ الى غير رجعة وانقاذ السلطة الاشتراعية من الاختفاء يريح رئيس مجلس النواب، تمديد الولاية الحالية للمجلس يصرف الحريري عن الانشغال بالانتخابات خصوصاً اذا امكن تذليل تحفظ عون بجعل التمديد سنة كاملة، ثمن الوصول الى قانون جديد للانتخاب يلغي نهائياً، واخيراً، قانون 2008.

المصدر: نقولا ناصيف - الأخبار