لا تنخدعوا بألاعيب الدبلوماسية، ولا بالتبعية لوسائل الإعلام الكبرى. ما حصل يوم (الجمعة) في سوريا ليس له أية علاقة، سواء مع ما تم تقديمه إليكم، أو مع الاستنتاجات المستخلصة منه.
في يوم الجمعة 7 نيسان-ابريل 2017، قامت الولايات المتحدة بإطلاق 59 صاروخ كروز من البحر المتوسط، لتدمير قاعدة الشعيرات الجوية السورية. كان تصرفا من جانب واحد لفرض عقوبات على هجوم بالأسلحة الكيميائية في خان شيخون بادلب، نسبته الولايات المتحدة إلى الجيش العربي السوري.
خلُص جميع المعلقين، الذين ذُهلوا من فداحة تصرف إدارة ترامب، إلى نتيجة أنها انقلبت 180 درجة إزاء المسألة السورية. وبدا أخيرا أن البيت الأبيض قد تبنى موقف معارضته الداخلية، وحلفائه البريطانيين، والفرنسيين، والألمان. لكن الواقع غير ذلك تماما. فلقد عبرت صواريخ كروز بسلام المنطقة التي يسيطر عليها السلاح الروسي الجديد، الذي تم نصبه لمنع أي اتصالات وتحكم قيادة، لقوات حلف شمال الأطلسي بعيدا عن عين الجيش الروسي. والملاحظ هنا وفقا للجنرال فيليب بريدلوف، الذي كان القائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي، انّ هذا السلاح سمح لروسيا بإحراز تقدم على الولايات المتحدة من حيث الحرب التقليدية.
لقد كان بوسع هذا السلاح الجديد تعطيل أنظمة توجيه هذه الصواريخ بكل سهولة وافشال العملية برمتّها. إلا أنها لم تعمل على ذلك، إما لأن البنتاغون قد وجد أخيرا صيغة رد تقنية، أو أنه قد تم إيقاف هذا الأسلحة عن العمل، من قبل الروس أنفسهم.
تضمّ أنظمة الدفاع السوري صواريخ: S-400 ويسيطر عليها الجيش العربي السوري وكذلك صواريخ S-300
الروسية. ويعتقد أن هذه الأسلحة قادرة على اعتراض صواريخ كروز، على الرغم من عدم التحقق من هذا الوضع في ميادين القتال حتى الآن. المقصود بذلك بالتأكيد في وضعية الإطلاق الآلي. لكنها لم تنطلق ولا في تلك الوضعية أيضا. ولم يطلق أي صاروخ ضد تلك الصواريخ، لا من قبل الجيش الروسي، ولا من قبل الجيش السوري.
عندما أصابت صواريخ كروز أهدافها، تبين أنها أصابت قاعدة عسكرية خاوية تقريبا، كان قد تم إخلاؤها للتو. فتم تدمير مدرج المطار، والرادار، وبضع طائرات منسقة منذ فترة طويلة، إضافة إلى هنغارات وشقق سكنية. لكن القصف أدى مع ذلك إلى وقوع عشر ضحايا، تسعة منهم لقوا حتفهم.
وفي حين لم ينحرف أي صاروخ كروز رسميا عن مساره، أو يدمَّر، فإن ثلاثة وعشرين صاروخا فقط، وليس 59، أصابت قاعدة الشعيرات الجوية.
السؤال هنا ماذا تعني هذه المسرحية الدراماتيكية؟
يحاول الرئيس ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض تغيير سياسة بلاده، واستبدالها بأشكال من التعاون، بدلا من المواجهات الجارية. ففي مسألة "الشرق الأوسط الكبير"، أخذ الرئيس ترامب موقفا يقضي بـ "تدمير" المنظمات الجهادية الارهابية... يعني كل المنظمات بدءا بالقاعدة و ليس آخرها داعش (وليس تقويضها كما كان يدعي سلفه اوباما).
لقد تابعنا منذ ايام كيف اعترف بشرعية الجمهورية العربية السورية، وبالتالي الحفاظ على سلطة الرئيس المنتخب ديمقراطيا، بشار الأسد، واستقبل الرئيس المصري، المشير عبد الفتاح السيسي، حليف سوريا، وهنأه بمعركته ضد الارهابيين. كما أعاد بناء قناة اتصال مباشرة بين واشنطن ودمشق.
كانت مشكلة ترامب تكمن في إقناع حلفائه تطبيق سياساته، أيا كان حجم الاستثمار الذي وظفوه، لقلب نظام الجمهورية العربية السورية.
من الممكن بالتأكيد أن ترامب قد انقلب على عقبيه في ثلاثة أيام، لمجرد رؤية شريط فيديو على موقع يوتيوب، ولكن من الأرجح أن عمليته العسكرية صباح يوم الجمعة، تندرج ضمن منطق دبلوماسيته السابقة. بشنه هذا الهجوم، أرضى الرئيس ترامب معارضته، التي لن تكون قادرة على الاعتراض على استمرار عملياته لاحقا. لهذا دعت هيلاري كلينتون إلى قصف سوريا، ردا على الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية.
مع ذلك، أمر دونالد ترامب باطلاق صواريخ كروز على قاعدة جوية شبه خاوية، بعد إبلاغ العالم كله، بما في ذلك روسيا وسوريا.
نعتقد ان النظام السوري - بالانخراط في هذه العملية - منح ترامب السلطة لقيادة عملية واسعة ضد جميع أولئك الذين يستخدمون الأسلحة الكيميائية. لكن من المؤكد حتى الآن، أن المستخدمين الوحيدين لهذه الأسلحة التي حددتها الأمم المتحدة هم: الجماعات المسلحة.
اللافت انّ داعش، هي الأخرى تم إبلاغها بهجوم الولايات المتحدة (ولكن من قبل مشغليها البريطانيين، والفرنسيين، والألمان)، فقامت على الفور بشن هجوم على حمص، بعد أن أصبحت محرومة اعتبارا من الآن، من قاعدة جوية.
سنرى في الأيام القادمة كيف سيكون رد فعل واشنطن وحلفائها حيال تقدم الجماعات المسلحة. عندها فقط سنعرف فيما إذا كانت مناورة دونالد ترامب، ورهان كل من بوتين والأسد عليها سيعملان حقاّ.
خبيرة بشؤون السياسة الدولية
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع