أخرج الرئيس ميشال عون المواجهة من الشارع وأعادها الى طاولة المفاوضات. ما سيكون قاطعاً من الآن فصاعداً، ان لا تمديد بعد اليوم لسنة، وستكون مهلة الشهر المقبلة كافية مجدداً للافرقاء كي يتفقوا على قانون جديد للانتخاب

تكمن أهمية ما أعلنه رئيس الجمهورية ميشال عون مساء أمس ليس في استخدامه صلاحيته المنصوص في المادة 59 من الدستور فحسب، بل تعمده استخدامها كي يفتح باباً على تسوية سياسية اكثر منها خوض مواجهة مباشرة مع مجلس نواب لم يسبق ان اختبر الزامه مفاعيل صلاحية كهذه، ولا يروق له بالتأكيد ـ وإن يلحظ الدستور ذلك ـ تقييد ممارسته صلاحياته هو الآخر في القرارات التي يتخذها.

على نحو كهذا اختبر الرئيس والبرلمان للمرة الاولى صلاحية غير مجرّبة، لكن بقفازات ناعمة، فلم تتسم بصفة الفرض والالزام، ولم تتسبب باحراج الهيئة العامة مقدار ما تسبب سعيها الى تمديد الولاية سنة باحراج حقيقي لرئيس الجمهورية.
حينما رفض الرئيس في شباط الفائت توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الى انتخابات 2017 وفق قانون الانتخاب النافذ، قُلِّب موقفه بأوجه مختلفة: تارة هو يعطل اجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها القانونية، وطوراً يجمّد مفاعيل قانون الانتخاب النافذ ويحيله حبراً على ورق، ومرة ثالثة بالقول ان الرئيس يدفع نحو الفراغ. لم يتقبّل افرقاء كثيرون، في جلسة مجلس الوزراء يومذاك، لجوء الرئيس الى ممارسة صلاحية ليست نادرة التطبيق، وغالباً ما امتنع رئيس للجمهورية عن توقيع مرسوم عادي بسبب عدم موافقته على مضمونه. على ان المصادفة وحدها جعلت مرسوم توجيه الدعوة الى الهيئات الناخبة يدخل في نطاق المراسيم العادية التي لا تكتمل طبيعتها الدستورية، ولا تصبح تالياً نافذة، ما لم يوقعها الرئيس.
على طرف نقيض من الصلاحية الدستورية تلك، استخدم رئيس الجمهورية الصلاحية المنصوص عليها في المادة 59، بتأجيل انعقاد مجلس النواب شهراً، باسلوب مرن، انطوى على السعي الى تفاهم اكثر منه الاستفزاز، وعلى رغبة في حل مشكلة اكثر منها التسبب بازمة اكبر على نحو ما وُصف رفضه توقيع مرسوم شباط.
ولأنها المرة الاولى يمارس رئيس للجمهورية تطبيق المادة 59، اتاح تفسيرها على نحو مرن نزع فتيل انفجار سياسي يوشك على ان يصبح طائفياً، من جراء انقسام المجلس ــــ والشارع خصوصاً ــــ حيال تمديد ولايته للمرة الثالثة بين مؤيد ومعارض، بلا مبررات جدية ما خلا التخفي وراء الظروف الاستثنائية. حتّمت خطورة الحدث وخشية تفاعله وما ينجم عنه من تداعيات، تالياً، ان يخاطب رئيس الجمهورية مجلس النواب بداية من خلال التلفزيون ليل أمس. اجراء غير مألوف، وغير مسبوق في علاقة رئيس الدولة بالسلطة الاشتراعية. لكن للمخاطبة هذه ما كان يبررها لديه، اذ يتوجه الى الاصل في السلطات الذي هو اللبنانيون. في وقت لاحق اوجد الرئيس الآلية المرجعية لتطبيق المادة 59 من خلال توجيه رسالة الى رئيس مجلس النواب نبيه بري يعلمه بقراره.
على نحو كهذا، كان الرئيس ــ وهو يطبق المادة 59 ــ أقرب الى تدخله في سبل الوصول الى تسوية سياسية وليس توجيه ضربة الى مجلس النواب، او الدخول في مواجهة مباشرة. اذ ان مهلة الشهر، من 13 نيسان الى 13 ايار، لا توصد الباب ابداً امام العودة الى التئام مجلس النواب لاقرار التمديد بعد 13 ايار، والبرلمان لما يزل حتى 31 ايار في فلك العقد العادي الاول الذي يختتم في 31 ايار. وهو سرّ موقفه رئيس الجمهورية وعدم رغبته في الايحاء بأنه يمارس صلاحية تستهدف البرلمان، مقدار ما تتوخى التعاون معه على الخروج من مأزق خطير كاد يتسبب به اقرار تمديد ولاية مجلس النواب في معزل عن الاتفاق على قانون جديد للانتخاب. فدعا الافرقاء جميعاً الى ضخ الروح مجدداً في المشاورات والاتصالات بغية التوافق عليه.
الواقع ان الطريقة التي أُخرج بها التحضير لجلسة تمديد ولاية المجلس المقررة اليوم، فيها ما يكفي من مقومات الاستفزاز وتوجيه الاشارات السلبية والعدائية الى عون، الى ان عهده ينتهي في هذا اليوم قبل ان يتسنى له ان يبدأ حقاً:
ــــ قال الرئيس بقانون جديد للانتخاب تجرى على اساسه انتخابات 2017، فردوا عليه بتعطيل التوافق عليه واهدار المهل القانونية لفرض امر واقع.
ــــ قال بتمديد تقني للمجلس لا يتجاوز ثلاثة اشهر، فردوا عليه بتمديد طويل العمر يصل الى سنة كاملة هو ربع ولاية كاملة.
ــــ حذر ضمناً من استخدامه صلاحيته في المادة 59 بتأجيل انعقاد المجلس شهراً، فردوا عليه بوضع اقتراح قانون معجل مكرر يلزمه مدة خمسة ايام فقط للموافقة عليه او اعادته الى المجلس كي لا تُفوَّت مهلة اعادة التئامه، وفرض اقتراح قانون التمديد في حال طلب اعادة النظر فيه تبعا لما تنص عليه المادة 56.
ليس خصوم رئيس الجمهورية وحدهم مَن دفعوا الخلاف على قانون جديد للانتخاب الى ما يشبه ازمة وطنية، كيانية حتى. من بين مَن أذوه في كل ما نادى به، بعض اهل البيت.
لم تكن المادة 59 وحدها محور الاجتماعات والمشاورات ليل الثلثاء وطوال امس الاربعاء. في بعض الاروقة السياسية الفاعلة القليلة الظهور، كان ثمة حديث تدرجت جديته على نحو حيك معه ان يصير الى تأجيل انعقاد جلسة مجلس النواب، بمبادرة منه، في ما تبقى من العقد العادي الاول والفسح في المجال امام معاودة الافرقاء المعنيين مناقشة خلافاتهم حيال القانون الجديد للانتخاب، حتى اذا اخفقت امكن الذهاب مجدداً الى تمديد الولاية بدءاً من الاول من حزيران ـــــ والوقت اذذاك يظل متاحاً ــــ من خلال توقيع 65 نائباً عريضة تطلب من رئيس الجمهورية اصدار مرسوم فتح عقد استثنائي ــــ وهو طلب مقيِّد ملزم للرئيس لا يسعه التخلص منه او تجاهله ــــ فيصير عندئذ الى التئام المجلس والتصويت على تمديد الولاية وتفادي الفراغ قبل ان يطل برأسه منتصف ليل 19/20 حزيران المقبل.
كلا المخرجين متوافران، وصار الى تداولهما في الساعات القليلة المنصرمة بحثاً عن حل يحفظ كرامة كل من رئاسة الجمهورية ومجلس النواب، ولا يُستهان بالشارع الغاضب، ولا تُدفع البلاد خصوصاً الى ازمة ذات بعد طائفي في غنى عنها.
مخرج امس ربح فيه رئيس الجمهورية من غير ان يخسر البرلمان. لكن الخاسر الفعلي بعد الآن هو مدة التمديد. لا سنة بعد اليوم.

المصدر: نقولا ناصيف - الأخبار