التيار: الجميع مشوا باقتراح باسيل ــ 2 والموافقات أُعطيت أمام الرئيس

بعدما وصلت البلاد إلى حافة الهاوية، سُحب فتيل التوتر من الشارع: رئيس الجمهورية منع المجلس النيابي من الانعقاد لمدة شهر، والقوى السياسية الرئيسية اتفقت على مشروع قانون انتخاب يعتمد «التأهيل الطائفي» للمرشحين

قال الرئيس ميشال عون كلمته، فأخرج البلاد من مأزق كادت تقع فيه. والمأزق هنا مواجهة في الشارع، حملت قبل أن تبدأ أبعاداً طائفية. استخدم رئيس الجمهورية حقاً دستورياً لم يستعمله قبله أي رئيس، منذ عام 1927، فقرر منع انعقاد المجلس النيابي لمدة شهر كامل، استناداً إلى صلاحية منحته إياها المادة 59 من الدستور.

صحيح أن الرئيس لم يطرح مبادرة، لكن ما قام به كان نتيجة للاتصالات التي أُجريت في الليلة السابقة، وطوال يوم أمس، وأفضى إلى اتفاق القوى السياسية الرئيسية على واحد من اقتراحات الوزير جبران باسيل الثلاثة، وهو الاقتراح الذي ينص على إجراء الانتخابات على مرحلتين، الأولى يحصل فيها التأهيل وفق الاقتراح الأرثوذكسي الأكثري وعلى مستوى القضاء، وثانية، يجري فيها الانتخاب على أساس النسبية الكاملة، وعلى مستوى عشر دوائر.
وبعد تفاهم أولي جرى ليل أمس الأول، بين التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل، انضم إليهم ليل أمس تيار المستقبل وتيار المردة، مع تسجيل «إيجابية أولية» من جانب النائب وليد جنبلاط، مع بقاء المعارضة الرئيسية من جانب «القوات اللبنانية».
وبحسب المعلومات، فإن التيار الوطني الحر سيعمل بالتعاون مع الرئيس سعد الحريري على تأمين موافقة «القوات» والحزب التقدمي الاشتراكي، ليصار إلى دعوة الحكومة إلى اجتماع لإقرار المشروع بعد انتهاء عطلة الفصح الاثنين المقبل، ليُحال بعدها على المجلس النيابي، على أن يصار في خلال هذه الفترة على تقدير الوقت الذي تحتاجه الإدارات المعنية بإجراء الانتخابات، حتى تُحدَّد مدة «التمديد التقني» المفترض إنجازه بقانون في المجلس النيابي، وسط استمرار مطالبة الحريري بسنة على الأقل، ورغبة الرئيس عون بمهلة تنتهي آخر الصيف المقبل.
هذا القانون الذي اقترحه الرئيس نبيه بري قبل أشهر، ثم أُدخل عليه تعديلات باسيل، هو أقل سوءاً من مشروع باسيل المختلط. لكنه سيواجَه بمعارضة قوى كثيرة في البلاد، من الأحزاب العلمانية، إلى القوى الناشطة تحت اسم المجتمع المدني. ومشكلة القانون أنه يكرّس كون اللبنانيين رعايا طوائف، ولا مجال لأيٍّ منهم بالتغريد خارج السرب المذهبي. ورغم أن نظام «الوساطة الطائفية» المعتمد في لبنان هو أمر طارئ، وأن دستور الطائف نص على إلغاء الطائفية السياسية، إلا أن مشروع القانون هذا يسير عكس المسار الدستوري. وكما لو أنَّ اللبنانيين لم يختبروا القوى السياسية ووعودها، فإن الاتفاق يتضمّن التخلي عن «التأهيل الطائفي»، فور إنشاء مجلس للشيوخ يُنتَخَب أعضاؤه طائفياً، وفق قانون اللقاء الأرثوذكسي.
فكرة الاقتراح الجديد تقوم على أن تُجرى الانتخابات على مرحلتين:
الأولى، مرحلة التأهيل الطائفي. يجري فيها الاقتراع في دوائر قانون «الستين» المعتمدة حالياً، شرط أن ينتخب المسلمون مرشحين مسلمين، والمسيحيون مرشحين مسيحيين. وبعد فرز النتائج، يتأهل إلى الدورة الثانية مرشحان اثنان عن كل مقعد، وهما مَن حلّا في المركزين الأول والثاني. مثلاً، في دائرة جبيل (فيها مقعدان مارونيان ومقعد شيعي)، يتأهل إلى المرحلة الثانية أربعة مرشحين موارنة، هم من حصلوا على المراتب الأربعة الأولى بين المرشحين الموارنة، ومرشحان شيعيان هما من حازا المركزين الأول والثاني بين المرشحين الشيعة.
وفي المرحلة الثانية، تُعتمد النسبية الكاملة، في 10 دوائر، هي: دائرة عكار، ودائرة لبنان الشمالي (تضم باقي أقضية الشمال)، دائرة بعلبك الهرمل، دائرة زحلة والبقاع الغربي، دائرة جبل لبنان الشمالي (جبيل وكسروان والمتن وبعبدا)، دائرة جبل لبنان الجنوبي (تضم الشوف وعاليه)، بيروت الأولى (الأشرفية، الرميل، المدور المرفأ، الصيفي، الباشورة)؛ بيروت الثانية (رأس بيروت، دار المريسة، ميناء الحصن، زقاق البلاط، المزرعة، المصيطبة)؛ دائرة الجنوب وتضم صيدا وصور والزهراني وجزين؛ ودائرة النبطية (النبيطة، بنت جبيل، مرجعيون، حاصبيا).
وإضافة إلى كون هذا المشروع يثبّت مرة جديدة انتماء اللبنانيين إلى طوائف، فإن فيه الكثير من السيئات الأخرى، أبرزها:
ــ عشرات آلاف اللبنانيين سيكونون ممنوعين من الاقتراع في الدورة الأولى، وهم الناخبون المسيحيون في أقضية صور والنبطية وبنت جبيل والمنية ــ الضنية وصيدا، والناخبون المسلمون في جزين والأشرفية والمتن وكسروان والبترون وزغرتا والكورة وبشري.
ــ نظرياً، يمكن القوى ذات الأغلبية الساحقة في دوائرها، أن تمنع أي منافسة لها في بعض الدوائر. في المثال العملي، يمكن ثنائي حزب الله ــ حركة أمل أن يتمكّن من حسم الانتخابات في صور والنبطية وبنت جبيل، وعلى المقعدين الشيعيين في الزهراني، والمقعد الشيعي في جبيل، من الدورة الأولى. ففي الزهراني، يمكنهما ترشيح أربعة حزبيين، سيحصدون المراكز الأربعة الأولى، ويكونون بالتالي المتأهلين إلى الدورة الثانية. وكذلك في باقي الدوائر التي لا أصوات مسلمة غير شيعية فيها.
ــ لا يحق لمن شطبوا قيدهم الطائفي الاقتراع في الدورة الأولى، إلا إذا أجبرتهم السلطة على الانتماء، ولو على لوائح الشطب حصراً، إلى طائفة.
مصادر بارزة في التيار الوطني الحر قالت لـ«الأخبار» إن «الجميع مشى بقانون باسيل ــــ 2. اتفقنا في شكل أكيد، مع الرئيس الحريري وحزب الله وحركة أمل، على القانون التأهيلي على مرحلتين، في الأولى طائفي أكثري يتأهل فيه مرشحان عن كل مقعد، وفي الثانية نسبية كاملة في عشر دوائر». ولفتت إلى أن الاتفاق شمل أيضاً العمل على تبنّي اقتراح إنشاء مجلس شيوخ على أساس طائفي مقابل انتخاب مجلس النواب على أساس النسبية الكاملة «على أن نمشي به في الانتخابات ما بعد المقبلة إن لم نتمكن من إنجاز ذلك قبل الانتخابات التي نحن في صددها».
وأوضحت المصادر أن «الاتصالات المكثفة نهاراً تُوِّجت بزيارة الحريري لبعبدا قبل توجّه الرئيس عون بكلمته إلى اللبنانيين لتأكيد اتفاقنا أمامه». وشدّدت على أنه «لولا أننا أردنا، من جهتنا، انتظار موقف القوات اللبنانية، لكنا قرّرنا عقد جلسة لمجلس الوزراء غداً (اليوم) للاتفاق على مشروع القانون وإرساله إلى مجلس النواب». ولفتت إلى أن الجميع «تحلّوا بالمسؤولية بعدما لمسوا حجم الاستياء الشعبي، وحجم التحرك الذي كنا في صدده. ومن الآن فصاعداً الجميع سيعدّ للمئة قبل التفكير في تمديد جديد».
في المقابل، قدّم حزب القوات اللبنانية عدداً من الملاحظات على الاقتراح، علماً بأنَّ التقسيم النهائي للدوائر كان لا يزال قيد البحث، فضلاً عن عدم الاتفاق على تحديد «عتبة التمثيل» في الاقتراع النسبي.

المصدر: الأخبار